مفوضية حقوق الإنسان .. (فاقد الشيء لا يعطيه)!!
تغير التصنيف الدولي للحكومات، حيث باتت الكثير من المنظمات الدولية الاقتصادية والسياسية، تربط علاقتها مع الحكومات وفقاً لسمعتها، فيما يتعلق بحقوق الإنسان، وما يتصل معه من اتفاقيات دولية يلتزم بموجبها المصادقون على تحسين صورتها على مستوى الحريات، وفيما يخص مكانتها من حيث الاحترام.
الحكومة السودانية وعت مؤخراً لهذا الجانب، حينما أسست المفوضية القومية لحقوق الإنسان قبل عامين، لكن ما تم على الأرض بالنسبة للمهتمين، لم يكن في مستوى المطلوب. وجاءت الصرخة عالية هذه المرة من قبل أعضاء المفوضية القومية لحقوق الإنسان، بسبب مشكلات كبيرة تواجه عمل المفوضية، في وقت يستعد فيه السودان إلى إعداد التقرير السنوي لحقوق الإنسان، ورفعه للمفوضية الدولية «بجنيف» في الأيام القادمة. ولعلَّ النقطة المهمة التي ينبغي أن يدركها، أن المهددات الدولية كبيرة للسودان، انطلاقاً من ثغرات الإيفاء بحقوق الإنسان، خاصة التقارير التي تصدرها جهات مشبوهة. وفى الاجتماع العاصف الذي ضم أعضاء المفوضية ولجنة العدل وحقوق الإنسان بالبرلمان، رأى فيه أعضاء المفوضية أن السودان بحاجة لنفرة كبيرة، لتحسين أوضاع حقوق الإنسان، لكن رئيس لجنة العدل بالبرلمان أشار إلى أن إنشاء السودان للمفوضية، ليس لإرضاء العالم وإنما احتراماً للإنسان.
ويبدو أن الحكومة أصبحت منفتحة تجاه قضايا حقوق الإنسان، حينما أنشأت مفوضية حقوق الإنسان بصلاحيات مستقلة وواسعة. وبالفعل شرعت المفوضية منذ عامين في مزاولة نشاطها في صمت تام، قبل أن تتفجر براكين الشكاوى من تردي أوضعاها وانعدام ميزانية مستقلة.
حزمة من الشكاوى دفعت بها رئيس المفوضية، مولانا «آمال التني» أمام لجنة العدل بالبرلمان. وقالت إن المشاكل التي تواجها كثيرة، وهنالك نقائص يمكن أن تضعفنا ونفتقد لميزانية مستقلة، وانعدام هيكلة والمطالبة بحق الاعتراف، كل ذلك أقعد المفوضية عن القيام بدورها. وقالت (الموازنة متواضعة وتخرج من وزير المالية)، وطالبت بضرورة أن يقرها رئيس الجمهورية، وما عندنا قانونيين ولا راصدين ولا موظف واحد، والمفوضين غير مفرغين). وطالبت بضرورة معالجة هذا الوضع وزادت «حزموني ولزومني عشان أشتغل» الآن يدنا في يدكم «البرلمان».
رئيس لجنة العدل وحقوق الإنسان بالبرلمان «الفاضل حاج سليمان»، استغرب وأعضاء لجنته لحال المفوضية وقال (لا يعقل أن تكون المفوضية أسست لها عامين وليس لها هيكل وظيفي مجاز). وذكر أن الغرض من إنشاء المفوضية ليس لإرضاء المجتمع الدولي، وإنما احترام الإنسان. وطالب المفوضية بإرساء حقوق الإنسان وتجذيرها في المجتمع ، وقال: قانون المفوضية منحها سلطات واسعة لا تحدها سلطة، وجعل منها هيئة مستقلة لا تستطيع جهة التدخل في عملها. وذهب بالقول (رغم أن عمرها عامين نحن راضين عن عمل المفوضية وبرامجها رغم قلة الإمكانيات المتاحة لها).
رئيسة المفوضية مولانا «آمال التني» صوبت الاتهامات بشدة لجهات لم تسمها، وقالت (الخبير المستقل لحقوق الإنسان عندما يأتي السودان، ينبغي أن يلتقي بالمفوضية، لكن نحن تقدم لنا الدعوة لحضور اللقاء، ولا يوجد رد لمطالبنا من قبل المسؤولين، واضطررنا إلى قفل باب المفوضية أمام الشكاوى، وعندنا ملف كامل سنسلمه للبرلمان).
وشكت من منع الشرطة وصول المواطنين إلى توصيل شكواهم للمفوضية، وتهديد الشرطة لهم بإغلاق باب المفوضية. وقالت: (أنا لا أخاف إلا الله ويمكن أن أستقيل من هذا المنصب)، وزادت (أنا لا أقبل التخوين، وهنالك اتهام لكل من يتعاون مع جهة أجنبية بأنه خائن، نحن صوت الحق وليس صوت الحكومة، إذا استمر الوضع بهذه الكيفية، قد لا نرغب في مشاركات خارجية ونحن ضعيفين).
وقال رئيس لجنة التشريع والعدل وحقوق الإنسان بالبرلمان «الفاضل حاج سليمان»، (نتمنى أن يظهر في الموازنة الجديدة، كل ما يتعلق بدعم حقوق الإنسان، وندعو المفوضية إلى القيام بمتابعة كل ما يخص حقوق الإنسان وما تواجهه من تحديات، والظروف التي تعيشها البلد من سيول ونزاعات.
وقالت دائرة الاهتمام بحقوق الإنسان تتسع يوماً بعد آخر، إذ دعا البرلمان في اجتماعه مع المفوضية إلى إقامة ورشة عن حقوق الإنسان في الدستور القادم، وورشة عن أثر الحروب الأهلية في السودان بمشاركة المجالس التشريعية والولايات.
وأمن المشاركون على ضرورة الشراكة وإشاعة مفهوم حقوق الإنسان، وتكوين جيوش من المتطوعين لإصدار تقرير مستقل عن حقوق الإنسان بالسودان، بخلاف الذي تصدره جهات أجنبية. ودعوا إلى توفير موارد مالية للمفوضية، حتى يتسنى لها القيام بدورها ومتابعة انتهاكات حقوق الإنسان. وحثوا الدولة بالإيفاء بمتطلباتها فيما يتعلق بتسهيل المعينات للمفوضية، مشيرين إلى صعوبة التوافق على دستور دائم في ظل الصراعات المسلحة التي يعاني منها السودان.
«الطيب عثمان» عضو المفوضية، نادى بأن تكون المفوضية الذراع الأيمن للبرلمان. وقال: (إن السودان مواجه بمشاكل كثيرة في حقوق الإنسان، ومنذ سنتين لا يوجد لنا هيكل وظيفي، وشغالين بجهد ذاتي وميزانية تسيير متواضعة، ومفوضين متطوعين غير مفرغين. عملنا لجان وحصلنا على سيارتين من جهة دولية، وطالب بإجازة الهيكل الوظيفي للمفوضية.
ويقول عضو المفوضية «كمال دندراوي» : تقدم المفوضية تقاريرها للجنة الدولية لتنسيق المؤسسات الوطنية لحقوق الانسان ومقرها جنيف، وهي مؤسسة معنية بمراجعة إدارة المؤسسات الوطنية لحقوق الانسان والمفوضية السودانية عمرها عام ولم تعط العضوية (أ) التي تتيح لها المشاركة في اجتماعات مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الانسان بجنيف إلا بعد متابعة أداء لفترة كافية وليست عامين».
وأضاف: الكثير من المراقبين لحقوق الإنسان، يرون أن عدم تفعيل قانون المفوضية والتدخل في عملها، رغم أن قرار تأسيسها بأنها ستكون مستقلة، أقعدها تماماً عن العمل. وهذا يحتاج لوقفة، بينما المفوضية يواجهها تحدى تقديم تقريرها للرئاسة بجنيف، إذن ماذا سترصد فيه وهى العاجزة عن تحقيق مطالبها، أم سينطبق عليها القول (فاقد الشيء لا يعطيه).