«عبد الرحمن الـخضر».. الوقوف على العتبة الحارقة!!
الحكمة الإغريقية القديمة تصف المرء الذي يتعرض إلى امتحان عسير ومناخات قاسية وأحوال مخيفة في ظل أوضاع معقدة بأنه يتوكأ على فوهة النار، ولا أرى مسؤولاً سياسياً على صعيد المسرح السوداني بعد السيد رئيس الجمهورية تنطبق عليه تلك الحالة مثل وقوع الحافر على الحافر أكثر من الدكتور “عبد الرحمن الخضر” والي الخرطوم، فالرجل يتولى تكاليف متشابكة وهائلة على المستوى السياسي والحياتي والخدمي والاجتماعي والأمني كأنها جراحات غائرة تحتاج إلى المعالجات الناجعة والمقبولة، فالكسور إذا لم تجبر من حاكم منتخب لم ترحمه الأصوات التي جاءت به إلى موقع السلطة والصولجان.
فالشاهد أن والي الخرطوم “عبد الرحمن الخضر” يتحمل واجبات ضخمة وتكاليف مهولة تتقاصر أمامها الكثير من المسؤوليات على صعيد معظم الوزراء وجميع ولاة الولايات، فالثابت أن ولاية الخرطوم صارت السودان إلا قليلاً من حيث الكثافة السكانية، وكثرة المهام في مجال الصحة والتعليم والأمن والبيئة والطرق والمرور والزراعة والتنمية والاستقرار العائلي والمستويات الأخرى!! من هذا المنطلق فإن أبلغ تصوير يعكس أوضاع الدكتور “الخضر” في إدارة ولاية الخرطوم يجسد وقوفه على العتبة الحارقة، فالصورة المقطعية تؤطر من الوضع الغريب الذي لا يتسق مع ضخامة ولاية الخرطوم وملامحها المتشابكة مقابل وجود المعينات المالية والفنية الحالية لتحقيق الأهداف المرجوة، لذلك فإن اللوحة البليغة تعكس معادلة (حمولة الفيل على أسنان الإبر)، والمسألة مجافية للواقعية.. فهل تقوى الإبر الصغيرة على حمل الأفيال الثقيلة؟؟
السؤال المركزي.. ماذا قدم الدكتور “عبد الرحمن الخضر”؟ هل نجح في المهمة العاتية أم أخفق؟ في الواقع هنالك من يرى أنه حقق مكاسب ونجاحات كثيرة، فقد اهتم الرجل بتوسيع الرقعة الزراعية بالولاية وفتح الفرصة أمام المستثمرين من خلال إجراءات مشجعة، وأعاد تأهيل المجالات الإنتاجية على نطاق مشروعات سندس والسليت وحلة كوكو، فضلاً عن تحديث وتوسيع قطاع النقل في ظل وجود مشاكل الحركة الداخلية، علاوة على قيامه بالطفرة الملموسة في النواحي الصحية وقطاعات المرور والأمن والتعليم، بالمقابل توجد الآراء التي تتحدث عن سلبيات الدكتور “الخضر”، فقد ذكر هؤلاء عن إخفاقه في درء آثار الأمطار والسيول وأنه لم يتدارك الكارثة قبل الوقوع على النحو المشهود، ويعتقد بعض الخبراء أن الدكتور “الخضر” يحتاج إلى ترتيب الأولويات ومحاسبة بعض مرؤوسيه الذين يثيرون الغبار والمشاكل، وأنه مقصر في محاسبة هؤلاء!!
إذا حاولنا إضاءة المصابيح على شخصية الدكتور “عبد الرحمن الخضر” من الناحية السيكولوجية والسياسية، نجد أن الرجل لديه هواجس التحوط من وقوع الإخفاقات والمثالب وأنه يخشى الفشل ولا يتقبل الهجوم الشرس على المنهج الذي يدير به مهامه الدستورية، وأنه شديد القناعة بالأعمال التي يقوم بها، ويرى بأن هنالك من يضخم الأخطاء والسلبيات التي تظهر بولاية الخرطوم من منطلق الكيد والقصد!!
تلاحظ مرات عديدة أن الدكتور “عبد الرحمن الخضر” يتحرك بسرعة إلى مكان العطب حتى يتلافى حجم الخلل ويسكت الأصوات المناوئة، وأنه تحركه اللحظة الخاطفة نحو قضية عاجلة داخل الولاية فيصدر القرارات الفورية للحل.. بل ظل الدكتور “الخضر” يتحسب للدور المتعاظم للإعلام لدرجة أنه طبق إشراك مناديب الصحف في حضور اجتماعات مجلس وزراء ولاية الخرطوم.
كان سلفه الدكتور “المتعافي” بارداً لا يهتم بهجوم الآلة الإعلامية، بينما الدكتور “الخضر” رجل حساس وحريص على صورته الذاتية والسياسية.. لم يكن “المتعافي” يهتم بالتفاصيل، غير أن الدكتور “الخضر” يجمع بين أهمية إدراك التفاصيل وترك بقية الأمور للمساعدين!!
على المستوى الشخصي، وقفت أمام اهتمام الدكتور “عبد الرحمن الخضر” بشارع النيل من خلال رؤية هندسية بديعة بعد إنفاذ الردمية الترابية وتوسعته ليصبح معبرين، فضلاً عن الوقاية من زمجرة النهر في زمن الفيضان!! والشاهد أن أية عاصمة في الدنيا لا يرى الناس جمالها وألقها إذا لم تتفاعل مع احتضان النهر لها!! إذ كيف تتألق لندن من دون نهر التايمز؟ وكيف تكون باريس عاصمة النور في غياب نهر السين؟ أليس نهر التبير هو مجرور روما المفتوح؟!