العربات الحكومية.. مخالفات على لوحة (صفراء) وأخرى (بيضاء) بزجاج مظلل !!
في الوقت الذي كثر فيه الحديث عن الاستخدام السيئ للسيارات الحكومية ، كانت إحدى الحافلات التي تحمل شعاراً يتبع لإحدى الجهات العدلية تقف على أعتاب سوق شعبي عتيق بالخرطوم وتقوم بحمل المواطنين وترحيلهم ، ظللت أتابع العربة إلى أن توقفت أمام إحدى إشارات المرور، ظننت حينها أن في استطاعتي التقاط أرقام لوحتها، لكن تبدت تلك الظنون بسبب ازدحام السيارات عند تلك الإشارة قبل تقاطع عفراء.. حقيقة الأمر تؤكد أن الحافلة كانت تعمل في خط (المواصلات) بعد انتهاء ساعات العمل ليضع السائق ماتحصل عليه داخل جيبه من إيراد دون التفكير لدقيقة أن هذه الحافلة ماهي إلا ملكاً عاماً وليس خاصاً ليضع ماجناه داخل جيبه. سيارات أخرى بالآلاف تحمل لوحات (بيضاء) يقودها كبار الموظفين، أحياناً تكتسي بـ(التظليل)، تجوب شوارع الخرطوم ليلاً لتزجية الوقت وأداء مهام (خاصة جداً)!!
قد لايتصور أحدكم ذلك الكم الهائل من المستفيدين جراء استخدامهم للسيارات الحكومية ،فقلة منهم تجيد هذا الاستخدام وآخرون يعبثون ببعضها إلى أن أصبحت أشبه بالسيارات سيئة السمعة…مشاهد عديدة وأخبار شتي تراءت حول الاستخدام السيئ لهذه العربات إلي أن أعلن جهاز الرقابة عليها عن وجود مخالفات عديدة ، ومن بين المخالفين وزراء وأبناء مسؤولين فضلاً عن اكتشاف حالات لنقل خمور و(بنقو) تتم بواسطتها – حسب ما أوردته الصحف نقلاً عن تقرير جهاز الرقابة أمام البرلمان – إلي جانب وجود رسوم غير قانونية يتم تحصيلها وحوافز تصرف بطريقة غير شرعية ، لتكتمل بذلك صورة أخري من صور الاستغلال البشع في هذا الملف بعدما اختلطت باختلال المعايير والمحسوبية والمحاباة!!.
خطوط حمراء…
إن إماطة اللثام عن ملف كهذا كان أمراً عصياً خاصة وأن بعض الأمر يمس مسؤولين وأبناءهم ، ولكن الاستخدام السيئ لهذه السيارات وأغلبها بلوحات (بيضاء خاصة) يظل واقعاً لا مناص منه مهما حاول الكثيرون إظهار دون ذلك ، فرغم مرور أكثر من خمسة أشهر على تلك التصريحات التي أطلقها مدير جهاز الرقابة على العربات الحكومية والتي أقامت الدنيا حينها ولم تقعدها بخصوص مخالفات لمسؤولين وأبناء وزراء في استخدام هذه العربات ، إلا أن تلك التصريحات كانت مدخلي لإجراء هذا التحقيق ، غير أنه فات علي أن بعض المسؤولين وأبناءهم (خطوط حمراء) لايجب تعديها ولكم أن تتخيلوا المشقة في الحصول على معلومة في هذا الشأن ، ولكن يبدو أن ما تواترته تلك الأنباء عن اقتحام وزير لمكتب مدير جهازالرقابة والتعدي عليه وإساءته بعبارات غير لائقة على حد تصريح مدير الجهاز آدم محمد جمعة ضرار بسبب توقيف موظفي الجهاز لنجل الوزير وهو يقود عربة الوزارة ، أمر جعل من القائمين عل الأمر يعملون على (تكميم فاه) مدير الجهاز حتي لايقدم على مثل تلك التصريحات مرة أخرى، فما لمسته (المجهر) من تحفظ مدير الجهاز على الإدلاء بأي حديث كان واضحاً فقد أكد جاهزيته للحديث معنا حال وجود تصديق من المكتب التنفيذي لوزير الداخلية ، مشيرا إلى أنه تم منعه من الحديث إلا عن طريق وزير الداخلية الذي يعتبر مسؤولاً عن هذا الملف بعد تلك التصريحات الأخيرة . وأعقب في حديثه لـ(المجهر) بقوله (بعد التصريحات ديك مسكوني من (نخرتي) وقالوا ما أصرح إلا بتصديق ..أمشي جيبي التصديق وأديك العايزاهو من معلومات وإحصاءات)…
حديث المدير أذهلني، فكيف لقول الحق أن يحجب وتساءلت هل يظل كل شئ مباحاً وجائزاً ، وما لبثت أن تبددت فرحتي بعد أن حمدت الله كثيرا، لأن جهاز الرقابة على العربات الحكومية هو جهة قائمة بذاتها دون الرجوع إلى إحدى الجهات لاستخراج تلك الأذونات الصحفية (العقيمة) التي تعيق تحقيقاتنا وتعمل على تأخيرها.وتساءلت عن علاقة الجهاز بوزارة الداخلية وعند مراجعتي لقانون الرقابة على العربات الحكومية وجدت أن الوزير المعرف في القانون يقصد به وزير النقل!
………………
وحين عرفت أن الحديث في هذا الأمر لايتم إلاعبر مكتب وزير الداخلية مباشرة أدركت حينها أنني أمام ملف شائك والخروج منه بمعلومة يعد أمراً صعباً ، فحين يوكل وزير الداخلية الأمرإلى نفسه ويعطي أوامره بألا يتم الحديث عن العربات الحكومية إلاعبر مكتبه فقط فهي نقطة يجب التوقف عندها قليلاً ، وكنت أعلم تمام العلم أنني لن أخرج بأدني معلومة ولن يصدق لي بالحديث مع مدير الجهاز الرقابي الذي حين صرح بما تحمله جعبته من معلومات تم تقييده..ولأهمية الملف وحرصي على إكمال معلوماته قررت إكمال الإجراءات والوصول بها إلى وزير الداخلية فعسى أن يخيب حدسي …
في انتظار التصديق
لم يكن العبث بعربات الحكومة أمراً يستهان به لذا آثرت إكمال إجراءاتي من إخراج أذوناتي عبر المكتب الصحفي الذي بدوره قام بإعطائي إذناً معنوناً إلى مدير المكتب التنفيذي لوزير الداخلية لتمليكي المعلومات التي أريد ، ولكن حتى لحظة كتابة هذا التحقيق لم ترد وزارة الداخلية على طلبنا رغم ملاحقتي لمكتب الإعلام التابع للوزارة لأكثر من شهر، ومازال الأمر (قيد المماطلة) مما يفسح المجال أمام العديد من التساؤلات ، لماذا تم منع مدير جهاز الرقابة من التصريح إلا عن طريق وزارة الداخلية فقط ؟
ولماذا رفضت الوزارة تحديد ميعاد للصحيفة لتمليك المعلومات اللازمة؟ومن وراء هذا العبث بالمال العام
الحسبة بالبرلمان: إهدار للمال العام
نائب رئيس لجنة العمل والحسبة بالبرلمان «آدم جماع» اعتبر في حديثه لـ(المجهر) أن الاستخدام السيئ للعربات الحكومية ماهو إلا استخداماً سيئاً للمال العام لأنها تكلف الدولة مبالغ ضخمة في صيانتها ووقودها ومواردها البشرية، إلا أنه أكد أن مايحدث بها لايرقي إلى كونه فساداً ، مشيراً إلى أن العربات الحكومية بحاجة إلى (رقابة أشد)على حد تعبيره لأنها مسخرة للعمل العام ، ودعا إلى المساواة بين الجميع ونبذ ما أسماه بـ(الخيار والفقوس) وأضاف ، من خلال زيارتنا قبل ثلاثة أشهر إلى مقر الجهاز الرقابي وجدنا أن الإدارة بحاجة إلى الكثير من المراجعة ولم يفصح عن احصائية جديدة بخصوص العربات ، زيادة عما تناولته الصحف في أن عدد العربات الحكومية على المستوى الاتحادي يتراوح ما بين 10 و12 ألف عربة .