أخبار

إدمان الفشل!!

{ فشل الإعلام الرسمي مرة أخرى في الارتقاء إلى مستوى الحدث ونقل الخراب والدمار الذي أحدثته السيول والأمطار بولاية الخرطوم، خاصة الأمطار الأخيرة في ثاني أيام العيد.. وانصرف التلفزيون القومي إلى برمجته الخاصة وغض الطرف عن مأساة عاشها ولا يزال يعيشها إنسان ولاية الخرطوم، حيث مقر التلفزيون وليس الولايات التي تتطلب سفراً وتنقلاً.. ولو خرجت كاميرا التلفزيون سيراً على الأقدام إلى شارع الأربعين بأم درمان وعبرت مقابر حمد النيل إلى أمبدة وأبصرت بعين مهنية لقالت نصف الحقيقة للناس.. ولو تكبدت كاميرا التلفزيون المشاق وذهبت إلى شرق النيل لاحترم المشاهد تلفزيون السودان الذي يسمى (قومياً) وما هو بذلك!
{ يغني تلفزيون السودان ويمدح المصطفى “صلى الله عليه وسلم” ومعه الحكومة، من قمتها حتى ضباط البلدية والمعتمدين، ولا يجد تلفزيون “محمد حاتم سليمان” المدير الذي تحدى المنتقدين والطامحين في تغييره وتبديله وظل ثابتاً في موقعه، لا يجد حرجاً في الضحك في بيت العزاء وهو يغني (الحقيبة والطنبور والمديح) الثلاثية التي يعرفها التلفزيون وألفها وألفته.
{ قناة (الجزيرة) القطرية التي يعدّها البعض مغرضة، وآخرون يصفونها بالمحرضة على الثورات لاقتلاع عروش السلطنات والممالك بواسطة الشعوب الثائرة.. هذه القناة بثت تقريراً إخبارياً من واقع مأساة عاشتها الأحياء الطرفية، وصوراً مفزعة لمعاناة الإنسان.. خاطبت القناة الرأي العام بمهنية واحترافية، واتخذت الحكومة القطرية قراراً بفتح جسر جوي بين الدوحة والخرطوم لإنقاذ المتضررين من السيول، وأمير دولة قطر الذي استشعر آلام الشعب السوداني لم يخاطبه سفير السودان بالدوحة “ياسر خضر” بالفاجعة، ولم يهاتف “علي كرتي” نظيره القطري بالكارثة التي خلفتها الأمطار، ولكن الإعلام المسؤول والمهني والتقرير الذي بثته (الجزيرة) هو ما فتح خزائن الدولة لإغاثة المحتاجين السودانيين.. وإعلامنا الذي نسبغ عليه صفة القومية، إما خائف من الرقيب الحكومي أو راقص على أنغام الفرح غير المبرر، وأنات المجروحين والمفجوعين يسمعها الأجنبي قبل الوطني.
{ لا ينبغي للحكومة أن تنظر تحت أقدامها وتحرص على سمعتها أكثر من حرصها على أرواح مواطنيها، فالسيول (قدر رباني) وليست إخفاقاً حكومياً يحاسب عليه والي الخرطوم أو معتمد كرري، ولكن الإخفاق الحقيقي والجريمة التي لا يغفرها الشعب ولا رب العباد التستر على المأساة، وإنكار الكارثة الإنسانية التي تحيق بولاية الخرطوم والجزيرة على وجه الدقة!
{ إذا فشل إعلام الحكومة في الوقوف ولو مرة واحدة في صف الشعب بولاية الخرطوم بسبب كارثة السيول والأمطار التي ضربت المدن، فإن القحط والجفاف قد ضرب مناطق الزراعة التقليدية والحديثة معاً، وتلوح في الأفق بوادر أزمة نقص غذاء.. فكيف لبلد واحد أن يشكو من كثرة الأمطار وضررها البالغ على سكان المدن، ويشكو في ذات الوقت من نقص في الثمرات وماء الزرع والضرع؟! إنها ثنائية (السيول والجفاف).. وحتى اليوم الثالث عشر من أغسطس لم ينبت الفول ولا السمسم ولا الذرة ولا الدخن في كردفان بسبب شح الأمطار، ولا تجد الأبقار والماعز والضأن ما يسد حاجتها من العشب الأخضر!!
{ صدق الرئيس “البشير” حينما تحدث عن تفشي الظلم في الأرض وإراقة الدماء التي جففت الماء.. فالموت في هذا البلد بالآلاف والدماء تسيل ولا أحد يشعر بالمسؤولية، وإعلامنا القومي يمارس شيئاً قريباً من إعلام مايو حينما كانت الجماهير تحاصر القصر الجمهوري والهتافات تطالب بتنحي النظام.. كان الإعلام يغني لـ (مايو الاتولد)، وتصدح “البلابل” برائعة “سبدرات” (شارع بيتنا) حتى انهار السقف في رأس “جعفر نميري” وحده!!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية