تقارير

حلقة جديدة .. الرزيقات والمعاليا : الصراع القبلي.. سيول الدماء مازالت تجري في دارفور!!

حصد مئات إن لم يكن آلاف الأرواح من أهل دارفور وكردفان، وكان وما زال أخطر من حمل السلاح في مواجهة الحكومة. (الاقتتال القبلي) في شكله الظاهر ينشأ نتيجة صراع بين مجموعتين قبليتين جمعتهما الجغرافيا واضطرتهما ظروف الطبيعة للتداخل في اشكال متعددة (مزارعين ورعاة)، (منتجين ومستهلكين)، وتلك التداخلات سيما بين المزارعين والرعاة تتسبب في الكثير من الصدامات بين مكونات قبلية مختلفة، ولا تكاد توجد قبيلتان متجاورتان في رقعة جغرافية تقع في دارفور أو كردفان إلا ويحدث بينهما صراع وقتال وإزهاق للأنفس، ولو عاد الباحث إلى الأحداث التي دونت أو نشرتها الصحافة والإعلام لوجد عشرات الاحتكاكات وقعت بين قبائل في دارفور وكردفان في السنوات الماضية، ولوجد أن الأحداث تسير بوتيرة متصاعدة في تلك الصراعات، ما يجعلها مهدداً للأمن القومي حسبما يرى البعض.
حرب وأخطار
ولعل تنامي الصراعات القبلية وازدياد الضحايا فيها هو ما دفع برئيس الجمهورية المشير “عمر البشير” خلال مخاطبته إفطاراً رمضانياً نظمته رئاسة السلطة الإقليمية لدارفور بمنزل رئيسها بالخرطوم، دفعه لتوجيه أصابع الاتهام لمن سمَّاها بـ(اليد الثالثة) بالتورط في الاقتتال القبلي في دارفور.
(اليد الثالثة) مفردة تحتمل الكثير من الإشارات التي أرسلها الرئيس “البشير” لجهات متعددة ومختلفة، وفي الوقت الذي ذهب فيه البعض للتفسير بأن تلك اليد التي تعبث هي في الأصل جزء من الجسد وتعمل لإضعافه بوسائل شتى، بينما فسر آخرون بأنها يد ذات بعد خارجي تستغل الحركات المسلحة لتنفيذ سيناريوهات متعددة من بينها إشعال نيران الصراع القبلي بغرض إضعاف جسد الحكومة المثقل بجرح الحرب أصلاً وصدمات الاقتصاد العنيفة.
العديد من الجهات الرسمية والشعبية نبهت للأخطار الناتجة عن الصراعات القبلية في دارفور، ولعل آخر ما وقع من أحداث (حتى كتابة هذه المادة – على الأقل) هو ما وقع من اشتباكات مسلحة أمس الأول بين قبيلتي (الرزيقات والمعاليا) في ولاية شرق دارفور، ما أدى إلى مقتل وإصابة عدد من الأشخاص – بحسب صحيفة (الرأي العام) أمس.
وللمتابع للأحداث القبلية التي تقع في دارفور وكردفان يجد أنه وبنهاية العمليات المسلحة أو الصراعات يتجه كل طرف لإسماع صوته للحكومة المركزية وأطراف أخرى متهماً الطرف الآخر بالتسبب في وقوع الحادثة، ولعل الكثيرين يقولون إن عشرات المصالحات التي وقعتها الأطراف المتنازعة والتي شهدت عليها الحكومة سواء في مستوياتها المحلية أو المركزية هي ذاتها كانت سبباً إضافياً في زيادة وتيرة الصراعات القبلية وتشجيع الأطراف المتناحرة للاستمرار في قتل الأنفس بصورة متزايدة. ويقول البعض إن ما يشجع على القتال هو التزام الحكومة المركزية بسداد الديات والغرامات المالية التي تترتب على المصالحات القبلية ما يجعل الأطراف المتصارعة في حل عن أي التزام مالي أو رادع قانوني لسنوات طوال.
واقع معقد
في السابع عشر من رمضان شهد النائب الأول لرئيس الجمهورية الأستاذ “علي عثمان محمد طه” صلحاً قبلياً بحاضرة ولاية شمال دارفور (الفاشر) بين قبيلتي البني حسين والرزيقات بعد قتال أودى بحياة المئات في منطقة جبل عامر، حيث بدأ الصراع حول مناجم للذهب، ولكنه تطور ودخلت فيه آليات عسكرية وأسلحة كبيرة أودت بحياة المئات وشردت مثلهم من المنطقة.
ويقول والي شمال دارفور “عثمان كبر” في حوار نشرته معه (المجهر) في وقت سابق إن المترتب على المصالحة التي تمت بالفاشر التي حضرها النائب الأول لرئيس الجمهورية أنها جعلت طرفاً أساسياً من أطراف الصراع ينكر مشاركته أو إضراره بالطرف الآخر مادياً أو إزهاق أرواح مجموعات أو أفراد يتبعون له في بداية الأمر، ويرى “كبر” أن ذلك الإنكار أدى إلى تعقيد التوصل إلى اتفاق إلى حين توجُّه الحكومة في ولايته لتنفيذ ما سمَّاه بـ(الإجراءات غير العادية) لعقد الصلح من خلال النظر لأسباب المشكلة الأساسية والتوجه لتقديم مغريات تجعل الأطراف المختلفة تقدم تنازلات وتقر بما قامت به من فعل، وأضاف: (أقرت لأنه لا يترتب على إقرارها أي شيء، ونحن نسدد الديات بشكل مؤقت ثم تضع الدولة يدها على الموارد التي يحققها منجم الذهب سبب الصراع في جبل عامر).
فرص وتحديات
الحكومة يبدو أنها تعلم خطورة ما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع حال استمرت الصراعات القبلية المسلحة في دارفور وكردفان، ولعل الحديث الذي قاله الرئيس “البشير” في فترة ماضية يؤكد معرفة الحكومة بذلك، حيث قال إن التحدي الأكبر الذي تواجهه الحكومة في الفترة  المقبلة هو تنامي الصراع القبلي وليس الحركات المتمردة في دارفور وكردفان.
ورغم أن البعض يعيب على الحكومة عدم تنفيذ ما تقرره على الأرض وأنها تتهاون في بسط السلطات والالتزام بالقانون والمحاكمات في قضايا الصراع القبلي لكثير من الحسابات الموجودة على الأرض سيما في دارفور، ووعد الرئيس “البشير” بأن يقدم مؤتمر التعايش السلمي المزمع عقده في دارفور خلال الفترة المقبلة حلولاً للصراعات القبلية.
وربما ضعف الأسباب التي تقود إلى الاقتتال في دارفور هي التي جعلت “البشير” يقول إن الدماء التي أريقت في دارفور أسبابها لا تستحق (ذبح الخروف ناهيك عن قتل النفس)، داعياً أبناء دارفور للتواثق بصدق والعمل من أجل السلام والاستقرار، وأضاف: (نحن فرطنا في سماحة أهل دارفور وسماحة الأعراف)، وقال إن الصراعات القبلية فيها عنصر ثالث مخرب يثير النعرات، داعياً إلى مراجعة الذات في شهر رمضان.
ويذهب والي شمال دارفور “عثمان كبر” عند سؤاله عن إسهام الحكومة في تنامي الصراعات القبلية والتشجيع عليها عن طريق سدادها للديات والغرامات بحسبانه أحد أسباب الأزمة الماثلة في دارفور، ذهب “كبر” إلى الإقرار بصحة ذلك، ولكنه قال إن ذلك يفرضه الواقع الموجود على الأرض، وأضاف: (إذا لم تتعامل به الحكومة فإن الدم لن يتوقف والناس لن تتوقف، وفي النهاية لابد من وقف سيل الدماء وهذا هو الخيار المتاح).
تدفق سلاح
ويرى كثيرون أن انتشار السلاح في السنوات الأخيرة بشكل كبير في دارفور وكردفان سيما جنوبها ساهم بشكل مباشر في تنامي الصراعات القبلية وزيادة حدة القتال بين المجموعات القبلية المختلفة، بالإضافة إلى دخول عامل آخر وهو وجود الحركات المسلحة التي قطعاً تستفيد من مناخ التوتر والصراع القبلي بشكل مباشر في إضعاف الحكومة واستنزافها مالياً وعسكرياً، بالإضافة إلى استفادتها من انضمام المجموعات أو الأفراد الذين يختلفون مع الحكومة أو المكونات الاجتماعية الأخرى لصفوف الحركات بدافع الغبن أو التشفي من الطرف الآخر، وفي ذلك يقول “كبر” إن الوضع في دارفور معقد جداً ويرى أن انتشار السلاح بصورة كثيفة جداً في أيادي المواطنين، يشكل عاملاً أساسياً من عوامل إذكاء الصراع في دارفور، ويؤكد “كبر” أن السلاح المنتشر في أيادي المواطنين في دارفور ليس بسيطاً أو تقليدياً، وأضاف: (الآن المواطنون يمتلكون مدافع ويمتلكون عربات مسلحة، كقبائل ومواطنين، وهناك من يسخرون آليات الدولة نفسها في هذه المسألة، وهناك سلاح وآليات حكومية مستغلة لمصلحة إذكاء الصراع وهناك سلاح متدفق من الخارج أيضا مستغل، وهي غابة من السلاح).
حكومة ومعارضة
ويتفق الكثيرون في الحكومة والمعارضة في الكثير من التصريحات التي تقال على خطورة الصراعات القبلية على تماسك النسيج الاجتماعي وعلى الوحدة الوطنية، ولكنهم يختلفون في وسائل وطرق الحل، ولعل دخول المصالح السياسية والاجتماعية للبعض هو الذي يصعب من فرص الحلول الشاملة التي يتفق عليها الجميع (الحكومة والمعارضة) وبقية المكونات الاجتماعية، وربما ذلك هو ما دفع برئيس السلطة الإقليمية لدارفور د.”التيجاني السيسي” لإطلاق الاتهامات في وجه جهات وبعض أبناء دارفور بانهم يعملون على استغلال أو استخدام القبيلة في تحقيق مصالح ذاتية وشخصية، وأضاف: (أطالب الجميع بمن فيهم أنا أن يبتعدوا عن ذلك)، وقال “السيسي” إن كثيراً من الدماء تسيل من أجل تحقيق مكاسب شخصية كالاستوزار والتوظيف، محذراً من خطورة استخدام القبيلة في الصراعات السياسية، وطالب بضرورة إيقاف إزهاق الأرواح في القتال القبلي في دارفور، وبدا “السيسي” خلال مخاطبته الإفطار الرمضاني الذي نظمه بمنزله بالخرطوم، بدا واثقاً من مقدرة أبناء دارفور على رتق النسيج الاجتماعي، ودعا للتوحد ونبذ القبلية، التي اعتبرها مهدداً لكل السودان وليس دارفور فقط.
معالجات وحلول
الحلول المقترحة لإنهاء الصراعات ووقف القتال القبلي في دارفور وكردفان يتلخص في العديد من الدعوات الرسمية والشعبية، حيث أكد الكثير من المسئولين أن الدولة ماضية في وضع رؤية لمعالجة مشكلات الصراع القبلي في دارفور، وكان آخر تلك التأكيدات هو ما أطلقه النائب الأول لرئيس الجمهورية الأستاذ “علي عثمان محمد طه” من كلمات قالها بالفاشر في ولاية شمال دارفور خلال مخاطبته صلحاً بين قبيلتي البني حسين والرزيقات، حيث قال “طه” إن الرئيس “عمر البشير” (يقوم بوضع رؤية شاملة بشأن إيجاد حلول جذرية لمشكلات السودان ومعالجة أسباب الصراع في دارفور)، وتلك التصريحات وجدت رواجاً كبيراً ذهب البعض للربط بينها وبين التغييرات التي أعلنها المؤتمر الوطني في طاقم الحكومة والتسريبات بخروج شخصيات كبيرة من كبينة قيادة الدولة خلال الفترة القادمة ودخول وجوه جديدة شابة، والتصريحات التي تلت ذلك قالت إن رؤية الرئيس “البشير” سيتم طرحها عقب عطلة عيد الفطر المبارك، دون تحديد معالمها العامة.
وأيضاً من ضمن المعالجات المقترحة لحل ازمة القتال القبلي في دارفور وكردفان هو الاتجاه نحو إعطاء الإدارة الأهلية صلاحيات أوسع وإدخالها في القوانين العامة للدولة، ولكن البعض يتخوف من منح تلك الصلاحيات للإدارة الأهلية بحسبان أن فيها بعض الاختلالات التي لا تساعدها على القيام بتلك الأدوار، بينما ظل الكثير من قادة الإدارة الأهلية يشكون من عملية إضعاف تمت وتقليص لأدوارهم، وتراجع كبير لأسباب متعددة من بينها عدم التزام الأجيال الجديدة من السباب بموجهات الإدارات الأهلية، وفي ذلك رهن نائب رئيس الجمهورية د.”الحاج آدم” الحرب برغبة أو رفض الإدارة الأهلية في إيقافها، وأضاف يمكن للسلطات المحلية والإدارة الأهلية إيقاف الحرب القبلية.
ويقول رئيس بعثة الأمم المتحدة العاملة بدارفور (يوناميد) “محمد بن شمباز” إن طبيعة الخلافات القبلية -وخصوصاً التنافس على ملكية الأرض وعلى المياه والمعادن- تجعل من الصعب معرفة من كان يقاتل بجانب من؟. ويقول إن للشرطة والجماعات الأخرى أيضاً انتماءات قبلية.
ويرى آخرون أن واحدة من الخطوات المهمة لمعالجة الأوضاع في دارفور أن تبسط الدولة هيبتها بشكل مباشر وسريع، وأن تكون الدولة هي الآمرة والناهية في الساحة، وأن لا يكون هناك أحد كبير على القانون.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية