حوارات

والي شمال دارفور "عثمان محمد يوسف كبر" لـ(المجهر): (2- 2)

زيارة لم تكن في الحسبان، بطبيعة أن الولاية زارها قبل يومين من وصولنا لها النائب الأول لرئيس الجمهورية، ولكن الدعوة وصلت إلى الصحيفة من المؤتمر الوطني، ومدتها يوم واحد، وقطعاً ولايات دارفور لا تنقطع عنها الأحداث الهامة التي تشكل مادة حية للصحافة، سيما عندما تصل إلى المعلومات من مصادر متعددة. وكان اللقاء مع والي شمال دارفور :عثمان محمد يوسف كبر” محصوراً على أحداث جبل عامر، في هذا الجزء من الحوار.

{ داخل أسوار بيت الوالي “كبر” يوجد من النعم والغزلان والطيور النادرة والحدائق ما يسر الأعين أما خارج الأسوار فمظاهر التسليح عالية.. ما هذا التناقض؟ وهل هذا مؤشر للأوضاع الأمنية في الولاية أم المدينة؟
– هذا منزل سيادي وفيه قيادة عليا يجب تأمينها، وهذا المظهر ليس في منزل “كبر “تحديداً، وأنا أقسم بالله إني أستطيع أن أنام في أي منزل وأي شارع بالفاشر، واستطيع أن أذهب إلى أي موقع دون حراسة، وليس في الفاشر وحدها، بل في شمال دارفور، وأنا طفت (5112) كيلومتراً باللاندكروزر في الحملة الانتخابات الماضية، ووصلت القرى والوضع الأمني كان أكثر تعقيداً.
{ وماذا عن ما بداخل المنزل؟
– ما بداخل المنزل تقليد معمول به في دارفور منذ قديم الزمان، وأنا سرت عليه، ودارفور أصلاً في يوم من الأيام كان رمزها الغزال، ومنذ ذلك الوقت كانت شمال دارفور وطناً للغزلان.
{ مقاطعة.. كيف وجدت وقتاً للاهتمام بالغزلان في ظل ظروف الحرب التي تعيشها الولاية وتعيشها أنت شخصياً بصفك المسؤول؟
– على الإنسان أن يتوازن، ويوظف كل إمكاناته في مجال الدفاع والإدارة والعلاقات الاجتماعية وكل منظومات الحياة.
{ قالوا غزال كبر فيه سحر وتعمل به (الأناطين) للحفاظ على مقاعد السلطة؟
– طبعاً لا يوجد غزال عمره عشر سنوات أصلاً، وهناك أكثر من (20) غزالاً هنا في منزلي وتتوالد منذ أجيال. وهناك من الغزلان ما يهرب من المنزل في عمر العام أو عامين، وهناك ما يأكله الناس، و(تحت تحت العساكر يمسكوا واحد يضربوه)، ولا يوجد كلام عن وجود سحر أو غيره، لكن الغزال روض بالمعاملة الطيبة.
{ ألا يوجد من الغزلان ما تم ربطه بـ(السبحة) أو (اللالوبة)؟
– (ضحك).. (لا مافي كلام زي دا).
{ الخواجات والأجانب الذين زاروا منزل “كبر”.. ما تعليقهم على هذا المظهر؟
– يلفت الغزال نظرهم بطريقة غير عادية، ويرتاحون جداً، وهذه واحدة من الصور التي نقدمها للناس، وأحياناً نستقبل ثلاثة أو أربعة وفود في وقت واحد، ومجلس الأمن الدولي عقد ثلاث جلسات في القاعة التي بهذا المنزل.
{ مقاطعة.. هناك طرف كثيرة يرددها الناس حدثت خلال الترتيبات لاجتماعات مجلس الأمن من بينها واحدة مع “سوزان رايس”.. ما تفاصيلها؟
– كل تلك الوفود تلفت نظرها الغزلان، وهذا المظهر الذي ظل يخدمنا كثيراً، وظلوا يلتقطون الصور معها ليغيروا من (نفسياتهم).
{ وما الطرفة التي حدثت بينك و”سوزان رايس”؟
– “سوزان” امتعضت من حديثي في جلسة مجلس الأمن الدولي وبدأت تشاغب، وكان ذلك في الجلسة الأخيرة لمجلس الأمن في أكتوبر الماضي بالفاشر، واقترحوا منع الإعلام من حضور الجلسة وأنا أصررت على دخوله وقلت لا يوجد شيء نخفيه. وطرحوا إحصاءات تقول إن الوضع الأمني في دارفور تردى بنسبة (174%)، وأنا اعترضت وقلت لهم إن الوضع تحسن بنسبة (95%) إيجاباً، ودليلي على ذلك وجود إحصائية بتقارير رصدتها المنظمات الدولية العاملة بدارفور، وسألتهم عن مرجعيتهم في تلك الإحصائية، وبعد ذلك سوزان امتعضت كما ذكرت لك وبدأت تشاغب وتتحدث في التلفون وقلت لها بالإنجليزي (انتبهي) لكلامنا وأسمعيه، وقلت لها: (يا سوزان أنا عايز أقول ليك إنكم قادمين لتسمعوا حديثنا في دارفور).
{ يقال إن موقفاً طريفاً آخر حدث بينك و”كونداليزا رايس”.. ما قصة كبر مع بنات “رايس”؟
– هي وصلت أيضاً إلى الفاشر ولم تكن طرفاً فيما حدث ويبدو أن طاقمها هو الذي تسبب فيما حدث.
وما الذي حدث؟
هي أيضاً كانت وزير خارجية أمريكا وجاءتنا بزيارة وببرنامج محدد بأنها ستجتمع بالمعسكرات لمدة ساعة إلا ربعاً، ومثلها من الوقت تقضيها مع (اليوناميد)، ومثلها مع والي الولاية، وبعد أن تحركت “كونداليزا” من الخرطوم يبدو أن شيئاً ما حدث في الخرطوم، وهنا تحدث طاقم مراسمها وقالوا لنا إن الوزيرة تعدل برنامجها وأنها ستلتقي بالوالي في مدرج المطار بين العربة والطائرة لمدة عشرة دقائق، ورفضت ذلك وقلت لهم إذا لم تلتزموا بالبرنامج فأنا لا أرغب في زيارتكم لولايتنا، ولن تدخلوا المعسكرات ولن نستقبلكم، وأرسلنا أحد الوزراء مندوبا قال لها ذلك البلاغ أول نزولها من الطائرة.
{ وكيف كانت ردة فعلها تجاه موقفكم هذا؟
-كانت ردة فعلها سريعة جداً وقالت إن البرنامج يعود كما كان، وبعد إن زارت المعسكرات وعادت إلى الفاشر، نحن حولنا الاجتماع إلى مكان بالقرب من المطار، وتوقفت وقالت إن الوالي يأتي ليستقبل الوزيرة في المدرج بالمطار، وقلت لهم أنا سأقابلها بالباب ولن أقابلها أبعد من ذلك.
{ وهل أرسلت لك نسخة من مذكراتها التي كتبت فيها تلك الحادثة؟
-وصلتني مذكراتها، وقبل ذلك أرسلت لي رسالة وقالت لي إنها كانت تتوقع أن أغادر السلطة قبلها، وقالت إنها كانت تتوقع أن يغادر حاكم شمال دارفور السلطة قبلها نتيجة لسلوكه، ولكن قدر الله أنها غادرت وأنا بقيت حتى الآن، ومذكراتها موجود بطرفي.
هناك كلام كثير يتردد بأنك أصبحت مليونيراً وأصبحت من الأثرياء؟
ابحثوا عن كل البنوك في السودان وعن المليارات التي يتحدث عنها الناس.
{ وكم من المال يجمع الوالي كبر في حسابه المصرفي؟
-أنا لا أمتلك أي حساب في أي بنك في السودان.
{ وماذا عن الحسابات الموجودة خارج السودان؟
{ أنا لم أخرج خارج السودان أصلاً، وذهبت فقط للعلاج، ولا أمتلك أي حساب لا داخل ولا خارج السودان، ولو وجد أي حساب مفتوح لأي شخص يعرفه أنا وهبته له.
{ يقال إنك أحلت أموالك لممتلكات وعقارات؟
-ليس لدي أي عقارات، وحتى اليوم أنا أمتلك منزلاً في كافوري ولم أكمل بناءه.
{ وفي الفاشر؟
-أنا غير منزل الحكومة هذا لا أملك شيئاً، وامتلك منزلاً في (حِلتنا) في الطويشة، ولو في أي لوري أو دكان أو شركة وجدها شخص وقالوا إنها ملكي فأنا وهبتها لمن يجدها.
{ قلت قبل فترة إن سوق المواسير أكبر ماسورة. كيف تستلف المفردات العامية في الخطابات الرسمية؟ ألا تخشى من تأثيرها العكسي؟
-لا أبداً بالعكس، وأتعامل معها لأن هذه هي البيئة والبساطة التي خرجت منها، وأحب التعامل مع الناس بذات صراحتهم ووضوحهم ومفرداتهم.
{ ومن أين تأتيك تلك (الشمارات) والمفردات؟
-“أنا عايش وسط هذا المجتمع”، والمشغوليات كثيرة لكن قبل أن أكون والياً كنت لسنوات طويلة جداً (داقي بوت) مواطن، ولجنة شعبية، ومدرس وتاجر في السوق، والدنيا دقتني كتييييير.
{ هل استمعت للنكات التي يتداولها الناس في شخص الوالي “كبر”؟
-الكثير من الناس ألفوا النكات ونسبوها لشخصية جحا، وهناك (ود نفاش) وهذه الأسماء توجد نكات كثيرة جداً مدسوسة عليها، ومؤكد توجد نكات كتييييرة مدسوسة على “كبر”، وكلها أو جلها مصنوعة، وأنا أستفيد منها وأطوع بعضها لأشيائي.
{ وما هي آخر نكتة سمعتها عن شخصك؟
-من النكات التي سمعتها مؤخراً هنا تتعلق بالترخيص للعربات في ولاية شمال دارفور، واللوحة مكتوب عليها لفترة طويلة (ش ب)، وناس المرور أضافوا لتلك الأحرف (ك)، وأصبحت (ش ب ك)، والناس بدأوا يسألوا عن الـ(ك) التي أضيفت ومن أين أتت، واحد رد وقال للآخرين (ش ب ك) تعني (ولاية شمال دارفور كبر)، والكاف “كبر”، وأصبحت نكتة متداولة.
{ وهناك مقولة أيضاً تتردد بأن هتافات تقول: “كبر رئيس إلا شِبر”؟
“نعم أسمع ذلك من بعض الإخوان أثناء التجمعات”.
{ يقال أنك المصمم الأساسي لتلك الهتافات والشعارات؟
-“أنا قلت لك إن الناس يدسون تلك الأشياء بخبث شديد في بعض المرات”، مثل الحديث عن السحر المتعلق بغزال الوالي باعتبار أن السحر في الغزال عامل (شُغل)، وأيضاً حكاية (كبر رئيس إلا شبر) هذه والله أنا لم أقلها ولم أفكر فيها، لكن قالها بعض الإخوان ونسبوها لي.
{ وهل سمع الرئيس “البشير” بتلك الهتافات؟
-“أكيد الرئيس “البشير” فاهم ما يحدث”.
{ الحشود والشعارات في قاموس “كبر”. أين هي؟
-أنا بدأت من اللجان الشعبية، والمجالس المحلية، وهذه التجربة أكسبتني مستويات مختلفة وجعلتني أقتبس وأبتكر أشياء أخرى في الحشود وبالممارسة الطويلة أدعي أن لدي قدرة على جمع الحشود.
{ كأنك تريد أن تقول إن حشد الناس نوع من أنواع الفن؟
-بلا شك هي فن، ولو دعم الفن بالتجربة حتكون حكاية فنانة خالص.
{ لو طلب منك تقديم وصفة لحشد جماهيري ناجح. ماذا ستفعل؟
-لابد من تحديد رغبات الناس ومن أين يمكن أن تميلهم وتجمعهم وماذا تقول لهم، وتحدد المغريات التي يمكن أن تقدمها لهم، ولابد أن تشخص وتبتدع مشروعات تخاطب بها رغبات الناس بشكل عاجل، وتختلف ثقافة الحشد من منطقة لأخرى، والمشاريع الاجتماعية والرياضية تعلو والسياسة تأتي في مؤخرة رغبات الناس.
{ هل مرت بك مطبات كادت أن تودي بحياتك للموت خلال فترة عملك كوالي؟
-كثيراً.
{ ألم تجعلك تراجع نفسك؟
-لم يحدث طوال السنوات الماضية أن فكرت في مغادرة السلطة خوفاً من الموت، ولم أفكر في ذلك ولا للحظة، وهناك من كان يقسم ويقول إن “كبر” لن يمكث على قيد الحياة لستة أشهر، وتلقيت تهديدات بالآلاف، بالقتل والشنق في ميدان النقعة بالفاشر.
{ وكيف يصلك ذلك التهديد؟
-عبر الهاتف. يتصل بي شخص ويقول لي أنا فلان، من الجهة الفلانية ويقول لي نحن سنأتي لنضربك، ويصلني اتصال آخر من شخص يقول لي سنقتلك وعشرات الأشياء المماثلة، وأنا لدي قناعة واحدة وهي أن الخوف من الموت سيقود إلى الموت.
{ على ذكرك لمريخ الفاشر وكرة القدم.. السياسيون ألا يعتزلون الملعب؟ وأليس لديهم عمر افتراضي؟
-الطبيعي جداً لكل إنسان عمر محدد ولكل تجربة قيمتها، والعمل السياسي يريد قدرة على الحركة والجلوس والكثير من الأشياء، والعقل يخرب والجسم يحتاج للصحة والأمراض تصيب الناس، ومثلاً أنا كوالي يكون مطلوب مني ركوب عربة لمدة (7) ساعات لأذهب لمعالجة إشكال في مكان ما، ولو الإنسان لا يتمتع بصحة لا يستطيع العمل، وبالتالي المنطقي أن يوضع سقف للإنسان لأن عطاءه مع تقدم العمر يقل.
{ وماذا تأخذ السياسة والسلطة من الإنسان؟
-تخصم كثير جدان وتأخذ وقت يمكن للإنسان أن يفكر فيه بشكل أفضل، وتأخذ من الإنسان الراحة التي يمكن أن تجعله أكثر إنتاجاً وإبداعاً في تفكيره، وضغوط السياسة تفقد الإنسان الكثير جداً من أدوات الإبداع.
{ وماذا فقد كبر على المستوى الشخصي؟
-فقدت كل شيء، والناس يحسوا بأن السلطة ظريفة، والحرس (البيرق)، ووااااالي وعربات، لكن والله والله أنا الآن محتاج البس طاقية وشبشب وعراقي، وأمشي ألف السوق وأجلس في بمبر، وأشرب شاي وما يكون معاي حرس ولا غيره، وهذه أمنيتي التي لا أجدها، وأنا لدي شقيقتي وأخوان وأهل كثاااار في الفاشر أكمل عام كامل ولا أزورهم.
{ وأين الأسرة الصغيرة من التزامات السياسة؟
-يومياً أنا أدخل البيت الواحدة صباحاً على أقل تقدير وتنام وتصحو اليوم الثاني مباشرة وفي بالك العمل، وحكاية صعبة جدا.
رسالة لأفراد الأسرة الصغيرة. ماذا أنت قائل لهم؟
-هم يقدرون ذلك وأقول لهم إني أعتذر لكم وأنا قصرت في حقكم في أشياء كثيرة جدا، ولكنهم يقدرون ذلك وهم صامدون، ولكن صراحة أنا مقصر ويمكن في حق اقرب الأصدقاء والأهل سيما عندما يكونوا مرضى ويدخل في دائرة التقصير الأشقاء والشقيقات والخالات والعمات والأعمام وقصرت في حقوقهم كلها المادية والأدبية، وهناك بعضهم يحمل في دواخله عدم رضا ولكن سيأتي الوقت الذي اذهب لهم وأزورهم.
{ خلال فترة العمل العام التي قضيتها. من الناس تشعر أنك محتاج أن تعتذر له؟
-أكون معك صريحاً وأقول إني عقب خروجي من هذا الموقع أرغب التفرغ لعملي الخاص وللكتابة والقراءة وهذه هي رغبتي، ووقتها أريد أن اذهب لفلان وعلان وأقول له إني أخطأت في حقك في كذا وكذا، ولا أريد أن أعتذر لهم عبر الإعلام، وما أريد أن أؤكده أني لم أخطأ متعمداً ومقصوداً لذاته تجاه أي شخص.
{ سمعنا أنك ماهر في لعبة (الكتشينة). ألا تحن لها؟
-هواياتي الأساسية القراءة والأدب تحديداً، وفي الرياضة ألعب كرة قدم بمهارة جيدة وأمارس العدو، والقفز العالي منذ أن كنت طالباً، وألعاب القوى لدي ميول كبير تجاهها ورغبة لم أتصور أن تنقطع في يوم من الأيام، لكن وبصراحة شديد كانت لدي مجموعة ألعب معها (الكتشينة) لفترة طويلة، ولعب (الهارت) و(الوست) و(الكنكان).
قالوا كنت تأخذ (سيك) في قبولك؟
-“لا أريد أن أتحدث ولكن الذين لعبوا معي سيحكمون”، وكنت ألعبها كثير جداً ولو وجدت وقتاً سأجلس لألعبها تحت ظل (نيمة) وأعلق (الجلابية) وأجلس لها بـ(العراقي) وأفرش (البطانية) في الأرض، ونأتي بـ(كتشينة) جديدة، ويكون بجوارنا (براد شاي) و(صاج لحمة) وأشتهي ذلك.
{ ماذا يرسم كبر لمستقبله الخاص بعيداً عن السلطة؟
-سأتوجه للعمل الأهلي، والمصالحات بين الناس، وأكون (أجواد) بلغة دارفور، ولدي تجربة ورغبة أريد أن أقدمها للناس، وسأكون متطوعاً، ولن أنتظر من يناديني لحلة أي مشكلة بين أطراف أو مجموعات في أي موقع في السودان.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية