رمضان و(المرضان)..!!
ونحن على وشك العودة إلى (ساقية جحا) بعد انقضاء شهر رمضان المعظم الذي أظلنا أياماً ما بين الرحمة والمغفرة والعتق من النار، ونسأل الله أن نكون جميعاً من العتقاء فيه، على مشارف العودة، تجول في النفس أشياء شتى من التفكير فيما بعد رمضان.. وما بعد العيد السعيد، ويكون السؤال: ثم ماذا بعد؟
وهنا مربط الفرس، حيث إنه من المعلوم أنه في هذا الشهر تصفد شياطين الجن والآن يتم فك أصفادهم، وسينضمون لشياطين الإنس، وهؤلاء (يحلنا منهم الحل بلة)!! وبالتالي تكثر الممارسات التي اختفت في رمضان، فنعود من جديد لتعاطي التبغ والتمباك والشيشة والمسكرات والمخدرات وغيرها من الموبقات، ولسان حالنا يقول:
(رمضان ولى هاتها يا ساقي مشتاقة تسعى إلى مشتاق)
كما تعود النسوة داخل الأحياء لـ(القطيعة)، والحديث عن خصوصيات الآخرين، والنيل من سمعة عباد الله وأعراضهم، ولا ضير في أن يصاحب ذلك فنجان القهوة و(الودع) رجماً بالغيب، ويختلط الحابل بالنابل في انحدار أخلاقي ذميم.
وعلى نفس السياق، نجد أمراض النفوس مثل الحقد والحسد والغيرة والغل والكراهية والبغضاء وما شابه، نجدها تعود للظهور أكثر نضارة وتألقاً، كأنها (تقول ما ردت أصلك ولا ساهرت ليلة.. وبس مر اليالي خلى العين كحيلة).. ونحن نقول (تقول ما صمت أصلك) والعياذ بالله.. وبالفعل، فإن العودة لمثل هذه العادات الذميمة بعد رمضان تكون مثل فقدان نور البصر ومن قبلها البصيرة.
وعلى الجانب الآخر، نجد أصحاب السلوكيات المنحرفة والـ(دون جوانات) والمعاكسات والسهرات الحمراء الفاقع لونها، التي لا تسر الناظرين، نجدهم ينتظرون على أحر من الجمر نهاية رمضان والعودة لليالي الوصل والأعين النجل.. والعيون التي في طرفها حور.. والغريب أنك تجدهم في رمضان ما بين الصلاة والقرآن، ولكن سرعان ما يصبحون مثل راهب “امرئ القيس” الذي عناه بقوله:
(لها مقلة لو أنها نظرت بها إلى راهب قد صام لله وابتهل
لأصبح مفتوناً معنى بحبها كأن لم يصم لله يوماً ولم يصل)
ولا يفوتنا أن نذكر الأشخاص الذين يعانون من اضطراب الشخصية والذين يمارسون الذكر في رمضان، وفي أول أيام العيد كأنهم من أصحاب الشخصيات المزدوجة، وكأنهم الراهب الذي عناه “امرؤ القيس”، يمارسون الاحتيال والنصب والكذب والسرقة والتدليس و(التدقيس) في عباد الله، وكل هذا يزيد بعد رمضان في مشهد قبيح لا يليق بمن صام الشهر إيماناً واحتساباً.
وكذلك ما بين الحلوى و(الخبيز) تأتي ظواهر التباهي في ضيافة العيد بكل ما فيها من أذى نفسي للمحتاجين، وضرر معنوي للبسطاء ورقيقي الحال، كما تشكل إرهاقاً مالياً كبيراً لرب الأسرة الذي هو أصلاً مضغوط و(عينو طالعة)، هذا غير المجاملات التي تكثر في العيد، فهذا (كشف عرس فلان) و(ده طهور ود
فلان) و… و…. كل هذا بالإضافة للماء والكهرباء و… و… و… وربنا يسهل!!
نرجو أن نجعل من العيد القادم مساحة للفرح والبهجة والمودة والتواصل، بعيداً عن كل هذه المنغصات التي نحن في غنى عنها، حتى لا يصبح عيدنا مثل عيد “أبو الطيب المتنبي”:
(عيد بأي حال عدت يا عيد؟
بما مضى أم بأمر فيك تجديد؟
أما الأحبة فالبيداء دونهم
فليت دونك بيداً دونها بيد)
شفتوا الزول ده قنعان من العيد كيف؟؟
وأخيراً نذكر بحديث خاتم الأنبياء والمرسلين “صلى الله عليه سلم” عندما قال: (من لم يدع قول الزور والعمل به فلا حاجة لله بصيامه)، كما قال: (كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش)!
وقد آن للناس أن يتعلموا كيف يصوموا ويجودوا من صيامهم وقيامهم، والاستفادة القصوى من هذا الشهر الفضيل من أجل السمو بالنفس والعلو بالأخلاق الفاضلة ومكارم المعاملات، وعندها فقط يكون العيد أعياداً والفرحة أفراحاً.
ودامت أيامكم رمضان!!