حتى لا ننساهم وهم في علاهم : الذكرى العاشرة للفقد الدائم "عمر نور الدائم" (2)
كانت هجرة الأنصار إلى إثيوبيا عام 1970م، لحاقاً بإمامهم المجاهد “الهادي المهدي” حدثاً داوياً في تاريخ السودان الحديث، إذ تقاطرت جموع الأنصار شيباً وشباباً وصبياناً من كل حدب وصوب ومن كل فج عميق صوب دار الهجرة الأولى إلى بلاد النجاشي “هيلوسلاسي الأول” فراراً بدينهم من ظلم وبطش النظام المايوي واستعداداً للثأر والانتقام، وكان وكلاء الإمام وعلى رأسهم الوكيل المجاهد “محمد إبراهيم عجب الدور” كبير وكلاء الإمام بالقضارف وشرق السودان والمندوبون ومشائخ الأنصار هم من نظم وأدار هذه الملحمة الكبرى التي أعيت أجهزة أمن النظام على اختراقها ومعرفة ما يجري بالرغم من كفاءتها وقدراتها الكبيرة، كان معظم المهاجرين من أهلنا في دارفور وكردفان والنيل الأبيض والأزرق والقضارف ونهر النيل.
كان فقدنا الراحل يرعى تلك الهجرة ويتابعها ويشرف على كل صغيرة وكبيرة وكان كثيراً ما يزور تجمعات الأنصار في دار الهجرة من معسكرات “شهيدي” و”غندار” فأصبح قريباً منهم فكرياً ووجدانياً فبادلوه صادق المشاعر إخاءً ومحبةً ووفاءً، فقد تعرف على الكثيرين منهم معرفة شخصية، هذه العلاقة ساعدت كثيراً في الهجرة الثانية أو ما عرف بالهجرة العكسية من إثيوبيا عبر السودان إلى منطقة الكفرة، والعوينات في ليبيا بعد توطيد التحالف بين الجبهة الوطنية وليبيا، وكان عراب هذه العلاقة هو فقيدنا الراحل ورفقاء دربه الشهيد “الشريف حسين الهندي” والأستاذ “عثمان خالد مضوي” وآخرون من الشباب، هذا قبل أن يصل السيد “الصادق المهدي” إلى ليبيا ليقود الجبهة الوطنية رئيساً لها، وقائد لكتائبها المجاهدة، كان الفقيد الراحل هو المشرف الميداني على معسكرات التدريب، وكان مقيماً معهم أغلب الوقت، بينما كان السيد “الصادق المهدي” مقيماً ببنغازي ويقيم نائبه “الشريف الهندي” في طرابلس، وقد أشرف الفقيد الراحل على دخول المجاهدين إلى السودان عبر الحدود الغربية والشرقية، وقد اكتمل دخول المجاهدين وقائدهم الشهيد العميد “محمد نور سعد” إلى السودان بدقة عالية حيث لم تستطع أجهزة الأمن السودانية على يقظتها وتحفزها من ضبط أي من المجاهدين، وكان الفقيد الراحل مرابطاً من الحدود الشرقية للسودان حتى اطمأن على دخول آخر المجاهدين، ولعله كان د.”غازي صلاح الدين” والذي خاف الفقيد أن يفتضح أمره لأن أجهزة الأمن ربما شكت فيه من ملامحه، ونصحه أن يرجع، ولكن د.”غازي” أصر على الدخول مهما كانت المخاطر والمهددات، وقد وصل إلى قاعدته سالماً في قلب الخرطوم.
عندما استطاع النظام بعد ثلاثة أيام من حرب شوارع شرسة من إحباط الهبَّة الشعبية المسلحة في الثاني من يوليو 1976م، كان دور الفقيد الراحل مشهوداً في جمع شتات ما تفرق من المجاهدين والعمل على مساعدتهم للوصول إلى مناطق آمنة داخل وخارج الوطن، تصدى للهجمة الشرسة للنظام على المعارضين وكل من شك النظام في ولائه من عسكريين ومدنيين إذ أقام النظام محاكم طوارئ ميدانية وكانت بعضها تصدر أحكامها وتنفذ قبل أن تعقد جلستها الأولى مثلما حدث في المحكمة الميدانية الرابعة في بحري والتي حاكمت قائد الانتفاضة العميد “محمد نور سعد” وزملاءه ونفذت أحكام الإعدام في نفس يوم انعقادها، وكذلك المحكمة التي انعقدت في جبل أولياء وقضت بإعدام ما يقارب الثلاثمائة من المجاهدين والذي تم اعتقالهم بكبكابية في شمال دارفور قبل الثاني من يوليو 1976م، أي أنهم حوكموا بالنوايا لأنهم لم يشاركوا في القتال، وقد أعدموا جميعاً مما أحدث صدمة كبيرة في الداخل والخارج بالرغم من ضعف صوت المجتمع الدولي آنذاك وقد كدتُ ـ شخصي الضعيف وآخرون ـ أن نكون ضحايا تلك الهجمة الشرسة الظالمة لولا أن تغمدنا الله بلطفه إذا لم ينفذ حكم الإعدام من محكمتنا إلا في أربعة منا من مجموع المتهمين في المحكمة الميدانية السادسة المنعقدة بسلاح الموسيقى في الأول من سبتمبر 1976م، والذين نفذ فيهم حكم الإعدام الجائر شنقاً بسجن كوبر يوم 15/9/1976م، الموافق 13 رمضان من ذاك العام هم للذكرى التي تنفع المؤمنين مساعد المحافظ “إبراهيم أحمد عمر أبو الجدي” وقد كان المسئول التنفيذي المدني الأول للحركة، و”أحمد سليمان” الشهير بالسكرتير وقد كان مسئولاً عن الحركة اللوجستية والعربات، ود.”عبد الله ميرغني” قائد عملية اقتحام مطار الخرطوم، و”عبد الفضيل إبراهيم” من الكوادر الجامعية التي اقتحمت مطار الخرطوم فجر الثاني من يوليو 1976م.