ما وراء تعيين "هارون" والياً على الأبيض و"الفكي" بكادقلي والجنرال بالفولة
بينما توافدت القيادات السياسية والأمنية والعسكرية في هجعة الليل نحو منزل الفريق “صلاح قوش” مهنئة بالخروج من غياهب السجن لفضاء الحرية.. اتجه المكتب القيادي للمؤتمر الوطني لإجازة تعديلات في مواقع ثلاثة ولاة بكردفان ليضع حداً لتكهنات وتخرصات عن مستقبل الإقليم المضطرب بالحروب والصراعات.. وإذا كان المهندس “صلاح قوش” بكبرياء وشجاعة ونفس سمحة قد أعلن تمسكه بفكرته كحركة إسلامية وبحزبه كمؤتمر وطني وبانضباطه كضابط في جهاز الأمن حينما مدح الرئيس “البشير”.. فإن مولانا “أحمد هارون” قد كتب استقالته بيده صباح (الخميس) وحملها للقصر الرئاسي لقبولها.. حتى يخلي مقعداً ناله بإرادة الجماهير في انتخابات انتهت بحرب (الكتمة) ويفسح المقعد لأحد زملائه ودفعته في مدرسة الشيخ (عمر سليمان) التي تضم كثيرين من أبناء الحركة الإسلامية ولكن أنجبهم “هارون” الذي انتقل من “كادقلي” شمالاً لـ (290) كلم حاكماً على “الأبيض” خليفة لأستاذه وشيخه “معتصم ميرغني زاكي الدين” . في رمضان من كل عام يتذكر الإسلاميون فجيعتهم في الانقسام الذي ضرب صفهم.. ولا ينسى الرئيس “البشير” الدور الذي قام به “صلاح قوش” في حماية الإسلاميين من إراقة دماء بعضهم بعد فراقهم لشيخهم “الترابي”.. وحمل “صلاح قوش” على كتفيه أعباء تنوء بحملها الجبال، كان سيفاً ودرعاً واقياً لكلا الطرفين المتنازعين .. لكن رياح السياسة ومتغيراتها وعبرها ودروسها وضعت “قوش” سجيناً في غرب أم درمان متهماً بالتدبير والتخطيط مع آخرين لتغيير نظام الحكم بوجوه غير هذه الوجوه .. ولكن شاءت إرادة المولى أن تكشف السلطات المخطط ويذهب أبناء الإنقاذ المخلصين لغياهب السجون.. ولم تغب الفطنة ولا الحكمة وسماحة الرئيس “البشير” وعفوه شملت الشيوعيين والانقلابيين الآخرين فكيف لا تشمل أهل البيت من السابقين بأفضالهم وأعمالهم؟؟ وقد لعب “علي أحمد البشير” شقيق الرئيس دوراً مهماً في إطلاق سراح “صلاح قوش” من الحبس بعد أن جمع إسلاميين في حضرة الرئيس الذي لم يتوان أو يتردد في اتخاذ قراره ليأتي من بعده قرار وزير العدل السلطان “محمد بشارة دوسة” بإصداره قراراً شجاعاً وعادلاً بإطلاق سراح الرجل.. بوقف الدعوى الجنائية (1743) المفتوحة في مواجهة “قوش” واللواء “صلاح أحمد عبد الله” .. وجاء إطلاق سراح “قوش” بنص المادة (58) من قانون الإجراءات الجنائية لعدم كفاية الأدلة، ولكن كما أعلن المدعي العام مولانا “عمر أحمد” إن قرار الإعفاء جاء عقب تقديم هيئة الدفاع عن “قوش” طلباً إلى وزير العدل لتفعيل سلطاته تحت المادة (58) من قانون الإجراءات الجنائية، وهي متعلقة بوقف الدعوى الجنائية أو إعمال رئيس الجمهورية سلطاته تحت المادة (211) من قانون الإجراءات الجنائية سلطة العفو.. ونفى مولانا “عمر أحمد” أن يكون إطلاق سراح المتهمين لعدم كفاية الأدلة.. ولكن القرار استند لعفو الرئيس عن قيادات قدمت الكثير من أجل الوطن ولم تبق شيئاً.
إطلاق سراح “هارون”
إذا كان “صلاح قوش” قد تحرر من قيود السجن والسجان لفضاء الحرية والطلاقة والشمس المضيئة والقمر المنير، فإن مولانا “أحمد محمد هارون” قد أطلق سراحه أيضاً من ولاية جنوب كردفان، حيث خاض الرجل معارك كفيلة بكسر عظم أي سياسي وحمله لمغادرة كرسي الوالي، إلا أن “هارون” أثبت شجاعة، وصبر على المكاره والمحن، وقد تعرض لمحاولات اغتيال عديدة من قبل الحركة الشعبية منذ عودة الحرب قبل ثلاث سنوات، ومشى الرجل أشواك الداخل الحزبي.. حيث خاض قيادات من المؤتمر الوطني معارك شتى في مواجهته استخدمت فيها كل أنواع الأسلحة، ووجدت تلك المعارك من يسندها مركزياً، حيث تتربص بعض مراكز القوى بكل من يضع الرئيس “البشير” ثقته فيه .. وما المعركة في مواجهة الفريق “عبد الرحيم محمد حسين” وأخرى في مواجهة “أسامة عبد الله” إلا دليل إثبات على ما نقول، ولكن “هارون” الذي خاض معركة التطبيع والتسوية والتصالح والتصافي والتعاون مع الحركة الشعبية إنفاذاً لتوجيهات مركزية وسياسات عليا.. وجد نفسه بعد هنيهة في تحدٍّ آخر كيف يتصدى لحرب كتبت عليه، ومن كتبت عليه خُطى مشاها. من معركة (حجر النار) حتى مخاض تنظيم “سيكافا” الأخير، كسب “هارون” الرهان .. وتحت وابل الرصاص وصواريخ الكاتيوشا..شيد أكبر ملعب لكرة القدم في السودان وأكبر مستشفى مرجعي في كل غرب السودان .. وحض جماهير “كادقلي” على الثبات في مواقعهم ومواجهة التمرد بالسلاح والصبر وكرة القدم والفن والمسرح.. ويغادر اليوم كادوقلي إلى موطنه الثاني “الأبيض” محمولاً برغبات قطاعات عريضة من أبناء شمال كردفان التي (تعيش) أسوأ أيامها .. والأبيض العاصمة أضحت سجيناً كبيراً، و”أم روابة” و”الرهد” و”السميح” هدفاً لتمرد جبال النوبة.. و”سودري” و”أم بادر” و”حمرة الوز” مسرحاً لنشاط التمرد القادم من دارفور، والعطش أحال حياة سكان الأبيض إلى جحيم لا يطاق حتى أضحى برميل المياه غير العزبة بمبلغ (2) دولار أمريكي، أي ما يعادل سعر برميل الجازولين في دولة الكويت والبحرين، ويواجه “هارون” في حقبته الجديدة بالأبيض (عروس الرمال) معضلتين وأزمتين خانقتين .. الأولى الماء.. حيث شح الأمطار واعتماد مدينة الأبيض على مصادر مياه (الخيران) وتعطيل جهات مركزية لمشروع مد مياه النيل من كوستي إلى الأبيض (300) كلم بحجة واهية وضعيفة وغير مقنعة، حيث لا حل إلا أن ينال أهل كردفان نصيبهم من مياه النيل الأبيض لري مدن أخرى كتندلتي وودعشانة وأم روابة، وبث الحياة في صحراء ديار الجوامعة المهددة بالمحل والجفاف كل عام .. وثقة القيادة العليا في الدولة بأحمد هارون حيث اختبرت عزمه فنجح وصدقه ونظافة يديه وعفته مما يجعله مؤهلاً لإنفاذ مشروع مياه كردفان من النيل الأبيض.. والقضية الثانية التي تنتظر “هارون” هي طريق (أم درمان – بارا) الذي وضع النائب الأول لرئيس الجمهورية حجر أساسه قبل سنوات ولكن ذهب التمويل لمشروعات أخرى أقل أهمية من هذا الطريق الحيوي المهم الذي يقتصر مسافة (300) كلم بين الأبيض والخرطوم.. لصالح كل ولايات كردفان ودارفور.. ولكن هل ما تبقى من شهور قبل الانتخابات القادمة 2015م سيعبر بشمال كردفان هذه المعضلات؟ .
من هو فكي كادقلي ؟؟
جاء تعيين المهندس “آدم الفكي محمد الطيب” مفاجئاً لكثيرين كانوا يترقبون أن يذهب المنصب لشخصيات مثل اللواء “محمد مركزو كوكو” والدكتور “علي محمد موسى” . إلا أن المركز اختار في صمت المهندس “آدم الفكي” الذي ولد في “كالوقي” بشرق جنوب كردفان من صلب إحدى أكبر القبائل في السودان الكواهلة ومن القيادات ذات السبق في الحركة الإسلامية كان مقيماً في المملكة العربية السعودية حتى تم استدعاؤه بأمر تنظيمي ليعود لكردفان والمساهمة في تأسيس الجبهة الإسلامية القومية وكان يعمل في الظل بعيداً عن الأضواء في ملف كردفان مساعداً للأستاذ “عمر سليمان آدم” الذي يمثل أستاذ الإسلاميين وشيخهم.. الذي تدربوا على يديه وفي مدرسته التي خرج من صفوفها “أحمد هارون” و”أحمد علي سبيل” و”حسين كرشوم” و”علي أحمد دقاش” و”عبد الباقي ضوينا” و”النور أحمد يسين” والراحل “عبد الرحمن كمبال” وآخرون بعدد الحصى.. وظل “آدم الفكي” بعيداً عن المناصب الوزارية حتى دخل البرلمان عام 1996م عن دائرة كالوقي ولكنه ذهب مع “الترابي” بعد الرابع من رمضان شأنه وكثيرين من أبناء كردفان، ليعود لصف الوطني مع “عمر سليمان” و”حاج ماجد سوار” و”خيري القديل أرباب” ود. “عيسى بشري” الذي أسند إليه منصب نائب رئيس المؤتمر الوطني، لكنه سرعان ما نشب خلاف بينه ود.”عيسى” ليعود للأبيض حيث يملك الرجل ثروة مالية طائلة وثروة حيوانية. وبعودة “أحمد هارون” لجنوب كردفان تم استدعاء “الفكي” ليعمل في حقبة الشراكة مع الحركة الشعبية في منصب الأمين العام لمجلس الحكماء وبرزت مواهبه الرجل وقدراته التي أثارت تساؤلات الشيخ “علي عثمان محمد طه” كيف لا تستفيد البلاد من هذه الطاقة.. وبعد نشوب الحرب (الكتمة) وقف “آدم الفكي” بالقرب من مولانا “هارون” بلا مهام أو تكليف حتى انقشعت سحابة الحرب عن كادقلي ليتم تعيينه معتمداً عل محلية قدير، وتساءل كثيرون كيف ارتضى “الفكي” الموقع الهامشي بينما سبقه وقدراته تؤهله لما هو أرفع من ذلك .. حتى جاء اختياره الآن من قبل المكتب القيادي والياً على جنوب كردفان ليواجه حزمة مصاعب شائكة ودروب وعرة، فالحرب التي تدور في كل محليات الولاية تمتص مقدرات الولاية المالية كما يمتص حوض الرمال الماء.. والمنهج الذي اختطه “هارون” في إدارة شؤون الحكم يجعل نجاح من يأتي بعده يحتاج لمعجزة وصبر.. حيث يحظى “هارون” بسند مركزي وثقة القيادة السياسية والعسكرية وتفتح خزائن الخرطوم لاحتجاجات جنوب كردفان الشيء الذي جعل البناء في عهد الحرب ممكناً والتعمير تحت وقع الرصاص شاخصاً في نظر المواطنين. والوالي “آدم الفكي” شخصية سياسية واسعة الاطلاع وله إسهامات في الرؤية (التنظيرية) وعلى معرفة دقيقة بمشكلات ولايته، ولكنه كيف له التوافق سياسياً من حزب المؤتمر الوطني قبل أحزاب حكومة مولانا “هارون” التي تمتد من الاتحادي الديمقراطي حتى الحركة الشعبية جناح “دانيال كودي”.
الفولة في قبضة الجنرال
في أخريات مايو الماضي وحينما أصبحت عودة ولاية غرب كردفان واقعاً.. بدأت إرهاصات من يتولى إدارة الولاية الجديدة، هل تذهب للمهندس “عبد الواحد يوسف” من (بادية حمر) في شمال الولاية.. أم تذهب للأستاذ “أحمد صالح صلوحة”؟؟ القيادي الإسلامي الذي جاء للجبهة الإسلامية عام 1986م بمقعد في الجمعية التأسيسية، حينما كانت المقاعد عزيزة.. ووقع قيادات المسيرية على مذكرة (تزكي) “صلوحة” لمنصب الوالي .. حتى “حسن صباحي” والأمير “إسماعيل حامدين” وهبوا ثقتهم لابن عمهم “صلوحة” .. ولكن في تلك الأيام قال شهود عيان إن اللواء “أحمد خميس” ظل يتردد على مكتب الدكتور “عيسى بشري” النافذ والمؤثر جداً في صناعة القرار مركزياً، وترددت أنباء عن لقاءات جمعت “هارون” و”عيسى” و”خميس” خلال الفترة الماضية .. ليفاجأ المكتب القيادي الجميع أمس باختيار اللواء “أحمد خميس” وجاء اختيار اللواء “أحمد خميس” لهزيمة دعاوى الإثنية والعنصرية وليثبت المسيرية مرة أخرى أنهم أبكار المهدية وفرسان الإنقاذ المخلصين.. حيث يمثل النوبة في ولاية غرب كردفان الجديدة المكون القبلي الثالث بعد حمر كأكبر مجموعة ثم المسيرية وأخيراً النوبة في محليات لقاوة الكبرى.. وساهم في إسناد المنصب للواء “خميس” أداؤه السياسي والتنفيذي وشجاعته في مواجهة التمرد، وقدراته حينما أصبح نائباً لوالي جنوب كردفان .. ونجاح الجنرال “أحمد خميس” في منصب الوالي بغرب كردفان رهين بدعم د. “عيسى بشري” له و”حسن صباحي” و”أحمد صالح صلوحة” إضافة للحمر في شمال الولاية.. وتنتهي مهمة الجنرال بانقضاء الفترة الانتقالية وانتخابات 2015م أو أن تتوصل الحكومة لتسوية تنهي الحرب في المنطقة ويتم إقرار بوضعية الجبال الغربية بمحلية لقاوة الكبرى. و”خميس” ضابط استخبارات لا ينقصه الذكاء ووجد الدعم والمساندة من الفريق “صديق عامر” والفريق أول “عبد الرحيم محمد حسين” وزير الدفاع وغير بعيد عن هؤلاء تزكية مولانا “أحمد هارون” له.
ويتساءل الكثيرون إذا كان “هارون” قد ذهب للأبيض حاكماً فإلى أين يتجه ابن ناظر المسيرية الأستاذ “معتصم ميرغني حسين زاكي الدين” المنتخب من القاعدة العريضة ؟؟ طبقاً لمعلومات ترددت في أوساط قيادات المؤتمر الوطني، فإن “زاكي الدين” سيتم تعيينه في منصب وزير دولة بوزارة التربية والتعليم، حيث تخصصه الذي أفنى فيه زهرة شبابه ليساند الوزيرة “سعاد عبد الرازق” ويشد من أزرها.