تحقيقات

بحيرة الصرف الصحي بـ(نبتة).. واقع غير صحي!

لم تجدِ الخطط ولا المشروعات الطموحة التي وضعتها هيئة الصرف الصحي بولاية الخرطوم وتلقت (المجهر) نسخاً منها في التخفيف من معاناة قاطني الأحياء السكنية بمخطط (نبتة) بـ(ود دفيعة) و(حطاب) وأحياء أخرى بمدينة بحري.. مثلما لم تشفع تلك الخطط والمشاريع الطموحة التي وضعتها إدارة الصرف الصحي في دفع الضرر عن ساكني تلك الأحياء.. الشكاوى التي تلقتها (المجهر) من المواطنين تؤكد وجود قصور في ملف الصرف الصحي بولاية الخرطوم خاصة فيما يتعلق بانفجارات الخطوط القديمة، بالإضافة إلى وجود بحيرات المياه الآسنة قرب تلك الأحياء. والي الخرطوم أكد خلال مخاطبته ورشة (تطوير الصرف الصحي) أن ما (يشغله) هو كيفية تحويل تلك البحيرات من منطقة (ود دفيعة) ببحري ومناطق جنوب الخرطوم إلى أماكن بعيدة عن المناطق السكنية! لكن الوالي أشار إلى أن الميزانية المخصصة لقطاع البنى التحتية ضعيفة حين مقارنتها باحتياجات الولاية!.
لم يستغرق الوصول إلى بحيرة الصرف الصحي التي قصدتها كثيراً من الوقت.. كونها تتوسط مدينة الخرطوم بحري وتحتل موقعاً مميزاً داخل هذه المدينة.. يحيط بالبحيرة عدد من المزارع والحظائر وبعض مصانع الأدوية المحلية!..الروائح الكريهة والمنبعثة من المصرف تشير إلى موقعه قبل الوصول إليه ببضع  كيلومترات، وكلما اقتربت أكثر أزكمت الروائح الأنوف أكثر، وعند وصولك إلى حيث البحيرة تجد نفسك مرغماً على ذلك بعد أن عجزت عن تجاهل ما تستنشقه، حينذاك قررت على الفور الاستعانة بمنديل لتخفيف الرائحة.. إلا أنه لا مجال بتاتاً لغض البصر عن منظر البحيرة وبداخلها آلاف المكعبات من المياه الآسنة خصوصاً وأن مساحتها الشاسعة وتراكم القاذورات بداخلها فاقمت من حدة الدهشة وطرح العديد من الاستفهامات بالأذهان؟
     ويمكن القول الآن أن مياه الصرف الصحي وبحيراتها أصبحت تمثل تحدياً خطيراً لجميع النظم البيئية بالبلاد، ففضاء عدد كبير من مدننا أصبح يعج بالغازات السامة المنبعثة من هذه المياه المتجمعة منذ عشرات السنين والتي هي مزيج من الصرف الصحي والمخلفات، كما تسبب غياب وعدم تنفيذ شبكات الصرف الصحي في حدوث عدد كبير من الكوارث البيئية التي تسهم في إحداث قلق وتوتر دائم ومهدد رئيس لصحة وحياة الإنسان. إحدى هذه الكوارث البيئية التي تعاني منها مدينة الخرطوم بحري تحديداً منطقة مخطط (نبتة) السكني ومدينة (دردوق) و(حطاب) بحيرة الصرف الصحي التي تتوسط هذه المدن.
      الموقع الجغرافي للمصرف تم اختياره متوسطاً لعدد من المواقع، إذ يحده من الناحية الجنوبية الغربية أحياء (كافوري)، ومن الناحية الشمالية مجمع مدينة (نبتة) السكني، ومن الناحية الشرقية منطقتا (دردوق) و(حطاب)، أما المنطقة الشرقية للمصرف فهي المنطقة الصناعية ببحري وشارع الإنقاذ. ويعتبر المصرف المدخل الرئيس والأساسي للدخول إلى مخطط (نبتة) السكني وعبره يمر الخط الدائري الجديد والذي يعمل على ربط الخرطوم بحري وأم درمان مروراً بكبري الحلفايا ببحري.
 مناطق عديدة داخل الولاية تعاني بشكل كبير بسبب إشكاليات الصرف الصحي، إلا أن وجود هذه البحيرات من شأنه أن يفاقم ويكثف من ظهور سلبيات ناجمة من وجود مثل هذه البحيرات. الموقع التاريخي للمصرف يرجع إلى حقبة الستينيات من القرن المنصرم، إذ أن هذه البحيرة تختزن ملايين الأمتار المكعبة من المياه الملوثة بفضلات الإنسان والحيوان والأوساخ والطمي والتي تتزايد تدريجياً لتبلغ حد الانفجار الذي سبق وأن حدث لهذا المصرف الذي يصب بـ(ود دفيعة) العام الماضي وأدى إلى تدمير عدد كبير من المزارع ونفوق الحيوانات وتسبب في انتشار العديد من الأمراض وسط عدد كبير من سكان المناطق المحيطة بالمصرف وهم الأكثر ضرراً لما تسببه بحيرات الصرف الصحي الأمر الذي أسهم في ارتفاع وتيرة الخوف لدى جميع سكان المناطق المحيطة بالمصرف من حدوث كارثة أكبر حال هطول الأمطار خلال خريف هذا العام والتي تشير أخر توقعات هيئة الأرصاد إلى أنها ستفوق المعدل الطبيعي للأمطار مقارنة بالعام الماضي الأمر الذي من شأنه أن يجعل من حجم الكارثة فوق مستوى التصور والتخطيط.
       العميد شرطة معاش “أحمد محمد بابو” أحد سكان مخطط (نبتة) السكني قال إن المخطط يعتبر من أميز المخططات التي تم إنشاؤها بواسطة الجهاز الاستثماري للضمان الاجتماعي لما يتميز به من خدمات تتمثل في الكهرباء والماء والصرف الصحي وشبكات الطرق الأساسية، وبه كل المواقع الخدمية مما دفع العديد من المواطنين بمختلف فئاتهم إلى شراء المنازل والقطع السكنية الخالية هناك. وأشار في حديثه لـ(المجهر) أن بالمخطط الآن أكثر من (4600) وحدة سكنية، إذ فاق عدد السكان حالياً (500) أسرة، إلا أن أبرز المشاكل التي تواجههم هو مشروع الصرف الصحي، وقال إن مواطني الحي حرصوا عند إنشائهم لمنازلهم أن تتصل شبكات الصرف الصحي بالشبكة الأساسية، ومن خلال السنوات السابقة تجمعت جميع مياه الصرف الصحي بالمحطة الرئيسة عند موقع البحيرة، وطوال السنوات السابقة كان التعامل مع مشكلة الصرف الصحي من قبل المواطنين يتم عن طريق سحب المياه وإفراغها في العراء، حيث أن المشكلة الأساسية تتجلى في عدم وجود شبكة للربط ما بين بحيرة الصرف الصحي والشبكة الأساسية والمحطة النهائية بـ(ود دفيعة)، ونحن السكان لا خيار لدينا سوى الصبر وتحمل الأضرار الناجمة عن هذه البحيرة.
       سكان المنطقة أكدوا لـ(المجهر) أن تأثيرات بحيرة الصرف الصحي تمتد إلى حد اختلاط هذه المياه وشقها للمزارع المجاورة للبحيرة، هذا بالإضافة إلى أن المصرف يجاور محيطات تجميع البان ومسلخ للحوم وعدد كبير من مزارع الخضر الأمر الذي قد يؤدي إلى تلوثها وبالتالي تكون تلك المزارع والمسالخ ذات بيئة غير سليمة ولا صحية خاصة وهي الأقرب إلى المصرف ولا تبعد عن بحيرة الصرف الصحي سوى بضع أمتار فقط.
   شركة (الخرطوم للصرف الصحي) سبق وأن أكدت لـ(المجهر) تنفيذهم عدد من المشاريع بخطة إستراتيجية تستهدف انشاء مشاريع جديدة وتنفيذ مشاريع مستقبلية حسب الخطة بكلفة إجمالية للمشاريع الجاري تنفيذها بلغت (165,959,427ج) ومكون أجنبي قدره (43,615,100 يورو)، وتتمثل في مشروع تأهيل محطة الحاج يوسف (ود دفيعة) ـ ومشروع خط الضخ الناقل من محطة الحاج يوسف إلى منطقة شمال (حطاب) ـ مشروع الصرف الصحي ببحري ـ خط ضخ (ود دفيعة).
         والي الخرطوم سبق وأن أشار في حديث له خلال مخاطبته ورشة (تطوير الصرف الصحي) بالولاية، أشار إلى أن ما (يشغله) هو كيفية تحويل تلك البحيرات من منطقة (ود دفيعة) ببحري ومناطق جنوب الخرطوم إلى أماكن بعيدة عن المناطق السكنية! كما أشار الوالي إلى أن الميزانية المخصصة لقطاع البنى التحتية ضعيفة حين مقارنتها باحتياجات الولاية!.                                     إلا أن سكان الحي أكدوا في حديثهم لـ(المجهر) أن العمل في تجفيف البحيرة  قد بدأ بحسب ما ورد إليهم من معلومات، وأؤكل الأمر إلى شركة (الخرطوم للخدمات والمياه) التي عملت مؤخراً على وضع الخطط من أجل تجفيف البحيرة، إلا أن واقع الحال ما زال على ما عليه هنالك!!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية