القيادي الشيوعي "صديق يوسف" يجهر لـ(المجهر) بإفادات جديدة (2 -2):
(نشفت ريقي) بهذه العبارة ختم المهندس “صديق يوسف” القيادي البارز بالحزب الشيوعي السوداني وبتحالف قوى الإجماع الوطني الحوار الذي أجرته معه (المجهر) بدار الحزب بالخرطوم (2) … وهو وصف يحتوي على أن المحاور التي وضعناها أمامه جعلته لاهثاً.. ولم ندع له فرصة ليلتقط أنفاسه بعد أن وضعنا أمامه حزمة استفهامات نظن أنها كانت تؤرق بال عدد كبير من المراقبين حول أداء التحالف المعارض خلال الفترة الأخيرة ومدى جدوى برنامج المائة يوم الذي راهن فيه التحالف على تعبئة الجماهير للتحرك وإسقاط النظام القائم بالإضافة إلى الدور الذي يضطلع به الحزب الشيوعي كتنظيم مهم في الشارع السوداني…بالإضافة إلى عدد من المحاور التي رأينا أن نكون واضحين وصريحين فيها، وللأمانة فإن الرجل الذي عرك دروب السياسة منذ أمد ليس بالقريب كان يرد على كل تساؤلاتنا بما أزال غموضها وإبهامها سريعاً…
القيادي الشيوعي “صديق يوسف” على طاولة (المجهر) يجهر بحزمة إفادات جديدة.. فلنتابع معاً:
{ سبق أن رفضت دخول الجبهة الثورية للبلاد محمولة على أسنة السلاح، ورغم ذلك كنت من الموقعين على ميثاق (الفجر الجديد) الذي يقر العمل المسلح.. لما ذا هذا التناقض في المواقف؟
– أنا تحدثت عن أننا ما عايزين حرب أهلية.. ما عايزين نحول بلدنا لسوريا أو ليبيا أخرى.. وما عايزين إنو الصراع المسلح ينتقل إلى داخل الخرطوم.
{ نعم.. ولكنك وقعت على ميثاق الفجر الجديد؟
– في وثيقة (الفجر الجديد) قلنا إن كل جهة حرة في اتخاذ الوسيلة التي ترى أنها الأنسب للمساهمة في إسقاط النظام..
{ بعض المراقبين يرون أن ميثاق الفجر الجديد مثل (طفل الأنابيب) الذي ولد ميتاً، بعد أن تخلت عنه معظم القوى السياسية؟
– أبداً، ميثاق الفجر الجديد حاول أن يتوصل إلى رؤية موحدة.. وتوصلنا إلى محاور أساسية أولها أننا كلنا متفقون على ضرورة هذا النظام ولا بد من وقف الحرب، واتفقنا على فترة انتقالية وعلى مؤشرات للفترة الانتقالية وليست تفاصيل.. وما لم نتفق حوله هو طبيعة الحكم.. وثمة تفاصيل أخرى لا يوجد اتفاق حولها ولكنها ليست أساسية.. وسوف نعقد لقاءات حتى نحل تلك المشاكل.
{ حدث ارتباك إبان توقيعك على ميثاق (الفجر الجديد).. وحتى الحزب الشيوعي انتقد ذلك واعتبر أن (تقديراتك في التوقيع على الميثاق خاطئة)؟
– أنا وقعت باسم قوى الإجماع الوطني، وفي نفس الوقت كان من المفترض أن توقع الأحزاب، وأنا وقعت عن الحزب الشيوعي الذي كان يعتقد أن توقيعي على الميثاق خطأ.. لأن الحزب كان من المفترض أن يدرس الوثيقة قبل أن يتم التوقيع عليها.. وأنا أعتبر أن الحزب الشيوعي كان محقاً في نقده لي.. وكان من المفترض الانتظار حتى يقرر المكتب السياسي أو اللجنة المركزية التوقيع، وقدموا لي نقداً وأنا قبلت هذا النقد.
{ أسألك سؤالاً واضحاً وصريحاً ومباشراً: هل تعتقد أن المعارضة باختلاف تكويناتها – وأنتم من ضمنها – تستطيع إسقاط الحكومة؟
– كيف ما بنقدر.. من الذي اقتلع حكومة “عبود” في أكتوبر.. أسقطتها جماهير الشعب السوداني.. ومن الذي أسقط نظام “النميري” في أبريل.. أسقطه الشعب السوداني الذي لا يحتمل الديكتاتورية أبد الدهر.. “عبود” استمر ست سنوات و”نميري” (16) سنة، والجماعة ديل قاعدين حتى الآن (24) سنة.. لكن في النهاية حيسقطوا، ما في حل لمشاكل السودان إلا بسقوط هذا النظام.. إذا نظرنا لأعمالهم بحصيلة (24) سنة، انتشرت الحروب وسقط الأبرياء والكثيرون دخلوا معسكرات النازحين.. ومستوى الفقر عال جداً وسط الشعب السوداني.. بجانب تحطيم المصادر الأساسية للدخل القومي مثل مشروع الجزيرة ومشاريع النيل الأبيض والنيل الأزرق وكل المشاريع الزراعية مثل حلفا الجديدة.. ومصانع النسيج والزيوت، و(بحري) الآن صامتة ما بتسمع صوت ولا بتشم دخاخين… شُلت الصناعة في هذا البلد، وفي بورتسودان توقفت مصانع الشيخ “مصطفى الأمين” والآن (تسكنها الغربان).. النظام حطم الزراعة الأساسية التى تنتج الفول والسمسم، وحطم الصناعة، وحطم الاقتصاد في البلد، وكان يعتمد على البترول، وبسياساته فقدنا ثلث الوطن ومعه البترول.. وربما بفكر النظام في حل مشكلته بزيادة الضرائب على المواطنين.. حصيلة هذا النظام هو التحطيم الكامل.. وحتى التعليم نحن حتى تخرجنا درسنا بدون مقابل والآن الدراسة تكلف الملايين.. وهذا النظام يجب أن يذهب.. والآن في مهددات لما تبقى من الوطن، وده نتيجة لسياسات هذا النظام.. كنا بلداً كبيراً وواسعاً والآن ترى ما حدث..
{ ننتقل إلى محور آخر.. سيطرة العقليات العتيقة والقديمة على الحزب الشيوعي جعل الحزب في حالة (تكلس) فكري وعدم تجديد في الأفكار المواكبة وانعدام المبادرة في كثير من القضايا الملحة؟
– الحزب الشيوعي من أكثر الأحزاب ديمقراطية في السودان.. وبعد انهيار التجربة السوفيتية فتح حواراً امتد لأكثر من خمس سنوات عشان أي زول يقول رأيه، وسميناها المناقشة العامة.. وتم تلخيصها في خمسة كتيبات ونشرت لكل عضويته وتوج الأمر بانعقاد المؤتمر الخامس للحزب، وتم فيه الحوار في كل المفاصل، وطلع بوثيقة كبيرة تضم ثلاثة محاور فيها السياسي وبرنامج الحزب ودستوره، ونشر في كتاب للجمهور وليس لعضوية الحزب فقط.. وهذا يؤكد ديمقراطية الحزب والآن نحضر للمؤتمر السادس للحزب ويوضح هذا الممارسة الديمقراطية داخل هذا الحزب..
{ نعم، ولكني أتحدث عن بروز أفكار جديدة؟
-المفكرون لا يتم اختراعهم، ولكن نشاط الحزب في برنامجه وكل شخص يكتب رؤيته، وفي الآخر تتبلور رؤية الحزب.. وإذا لم يولد الحزب عباقرة فلا يعني هذا أن الحزب سيء، والرأي الجماعي هو الذي يشكل رأي الحزب.
{ ولكني أعتقد أن الحزب كان خلال الفترات السابقة مبادراً وفقد الآن زمام المبادرات.. وبات يتعامل بردود الفعل؟
– لا..الحزب لا يتعامل بردود الفعل، بل يتعامل ببرنامجه الذي ناقشه.. ولديه برنامج طرحه للآخرين.. والآخرون ليسوا الحزب الشيوعي.. وبما أنك تتعامل مع الآخرين فيجب أن تصل إزاء ذلك إلى حل وسط، وهذا هو الفرق، وكل حزب سياسي لديه رؤيته الخاصة، ولكن في لقائه مع الآخرين يصلوا إلى حل وسط وحاجة توحد كل الناس خلال فترة معينة أو قضية معينة.. لأنو لو كل الناس رؤيتهم واحدة مفروض يكون هناك حزب واحد.
{ الحزب خلال فترات سابقة كان يتغلغل في أوساط الطبقات العاملة وفي الريف.. ولكنكم الآن أصبحتم مركزيين.. ولا تأبهون كثيراً لتلك التكوينات؟
– مافي طبقة عاملة.. الحزب الشيوعي كان عنده ناس في الطبقة العاملة وموجود فيها، ولكن هذا النظام حطم ذلك، وكلهم أصبحوا باعة أو (فريشين). في يوم واحد عام 1992 شرد أكثر من (2000) عامل من السكة حديد.. فصلوا كلهم.. العمال ديل موجودون.. ليسوا في مواقعهم ولكنهم موجودون.. لكن ليس لدينا التنظيمات.. مصانع بحري توقفت.. ولا تنسى الحركة النقابية سواء إن كانوا معلمين أو مهندسين أو أطباء، وهذا النظام حطم الحركة النقابية.. وأول محاكمة لهذا النظام حوكم نقابي لأنه أقام اجتماعاً في مستشفى الخرطوم، وهذا القانون الذي حوكم به لم يتغير حتى الآن.. ولكن الحركة الجماهيرية الآن توسعت وكل يوم تحدث إضرابات في المصانع، والأطباء والمهندسين والمحامين، رغم وجود هذا القانون.. والنظام أضعف الحركة النقابية بقانون المنشأة لتفكيكها، لكنها استطاعت أن تتحرك والأطباء عملوا نقابتهم بغض النظر عن القانون، وأساتذة جامعة الخرطوم والحكومة حتى الآن تتعامل معهم كنقابة، وقد يحدث غداً مع كل الفئات الأخرى.. وممكن تقول زمان الحزب الشيوعي كان متغلغلاً في الحركة النقابية، ولكن الآن الحركة النقابية مكبلة بقوانين كثيرة ورغم ذلك هي موجودة.
{ نعم، ولكن الحزب الشيوعي الآن غير موجود في الريف، بالإضافة إلى كل الفئات الأخرى مثلما كان موجوداً في السابق؟
– القال ليك منو؟ في أي حتة يحصل فيها تحرك، الحزب الشيوعي موجود في كل مكان.. وضعفه مرتبط مثله مثل الأحزاب الأخرى بالقمع.
{ كيف يتعامل الحزب الشيوعي مع الدعاية السالبة في الأوساط الشعبية.. والاعتقاد بأن الشيوعي لا يصلي ولا يصوم وغير ذلك؟
– الرد على ذلك إنو الناس ديل ما قابلوا شيوعيين.. المفروض يقابلوهم ويشوفوهم في الحي ومكان العمل، لكن الدعاية حول الإلحاد ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية، وانتظم كل العالم في مقاومة الاستعمار في المنطقة العربية وكان هناك نضال واسع جداً، وكان الاتحاد السوفيتي يدعم هذا النضال، وفي مجلس الأمن كان أي قرار ضد نضال تلك الشعوب يواجه بفيتو سوفيتي، وهذا المد منح الحركة الشيوعية العالمية، ولكي يصد الأمريكان هذا المد الواسع لقبول الاشتراكية لازم يعملوا دعاية مضادة.. وعملوا مركزاً في سويسرا، ووضعوا فيه واحداً من جماعة إسلامية وبدأ يصدر كتيبات عن الشيوعية والإلحاد، والشيوعية ضد الدين، وكان يتم تأجير ناس يوزعوها، وهذه أفكار أمريكا ضد الاتحاد السوفيتي، وهذا الفكر انتشر وتلقته كل الأنظمة الرجعية في العالم العربي لمحاربة القوى الثورية الرافضة لها بما فيها أنظمتنا الرجعية في السودان.. وجابو موضوع الطالب “شوقي” في المعهد العلمي وأنا ما عارفو قال شنو.. و”شوقي” اتضح أنه ليس عضواً في الحزب الشيوعي.. مش كان مفروض يحاكموه ما في زول جاب خبرو، وعلى ضوء المخطط قام الهيجان الكبير وحل الحزب الشيوعي، وطرد نوابه من البرلمان، وعندما رفع الحزب قضية ضد قرار الحل لأنه قرار غير دستوري، المحكمة حكمت لمصلحة الحزب الشيوعي، ولكن رئيس الحكومة وقتها “الصادق المهدي” قال إن قرار المحكمة غير ملزم لنا، ولم ينفذ القرار، ونتيجته استقال القاضي “صلاح حسن” لأنه اعتبرها إساءة للمحكمة، واستقال رئيس القضاء “بابكر عوض الله”.. لأنه لا توجد حكومة أعلى من القضاء.. و”الصادق المهدي” اعترف الآن بأن موقفه كان خاطئاً..
{ وكيف تردون أنتم على تلك الدعاية؟
– نحن لا نتحدث عن الدين.. بل ندافع بمسلكنا.. لأن مسلك عضو الحزب الشيوعي أمام الناس هو الرد على هذا الادعاء.
{ معناهو إنو الدعاية (جابت حقها)؟
– نعم (جابت حقها)، ليس في السودان فحسب، ولكن في كل المنطقة العربية والإسلامية لأنها كانت دعاية مكثفة صرفت عليها أمريكا ملايين الدولارات، وساعدهم عليها حكام الدول العربية لإيقاف نضال الشعوب ضدها.
{ هل تعتقد أنكم مهيأون لاستحقاقات المرحلة الديمقراطية في حال تم إسقاط الحكومة، بمعنى هل تعتقدون أن لديكم قواعد جماهيرية قادرة على أن توفر لكم دخول البرلمان؟
– نحن لا نتحدث عن دخول الحزب الشيوعي للبرلمان، ولكننا نتكلم عن برنامج يتفق حوله من كل القوى السياسية، عشان كده ننحن شغالين في برنامج قوى الإجماع الوطني وتوحيدها، لأننا نريد أن نصلح ما دمره النظام خلال (24) سنة، ونضع أسساً لنظام ديمقراطي وتنمية حقيقية، ودي ما بتتم بين يوم وليلة، عشان كده نفتكر خلال الفترة الانتقالية يقام مؤتمر اقتصادي، وآخر دستوري يضع السياسات المتفق حولها.. وده الحل الوحيد للحل للسودان.
{ أخيراً بصراحة.. هل تعتقد أن الحزب الآن في حالة تراجع أم ازدهار إذا اصطحبنا معنا رحيل عدد من رموزه الفكرية والتنظيمية؟
– دي حاجة طبيعية، فقدنا “نقد” و”التيجاني الطيب” وفقدنا عشرات الكوادر حولنا، ولكن (حواء والدة) وبيجوا عشرات يحلوا مكانهم وما في حاجة دائمة لأنو دى طبيعة الحياة وتأتي أجيال جديدة.
{ ولكن سؤالي في الفترة الحالية هل ترى أن الحزب الشيوعي (ماشي للأمام) أم (راجع للخلف)؟
– لو ماكنا ماشين لى قدام كنا فرتقناهو.. وكنا اندثرنا، والحزب الشيوعي تأسس سنة (46) وإذا ماشي لي ورا كنا اندثرنا.. الحزب ما بينتهى.
{ أنا قلت الكلام ده استناداً على البون الشاسع ما بين مخرجات المؤتمر الرابع في عام 1967 وما بين مخرجات المؤتمر الخامس خلال الفترة السابقة.. هناك فرق شاسع في التأثير على الساسات الكلية وما حواه كل مؤتمر؟
– المؤتمر الرابع تم بعد ثورة أكتوبر في جو ديمقراطي، والخامس جاء في ظروف حكم ديكتاتوري عشان كده أخدت المظهر.. لكن ده لا يؤثر في مخرجات الحزب.. وكل يوم فهمنا بيزداد للواقع السوداني..
{ يعني ماشين لي قدام؟
– طبعاً ماشين لي قدام، والدليل نحن وصلنا (80) سنة ولسه نناضل ولو كنا راجعين لي وراء كنا انتهينا.. وما في وقوف.
{ والنهاية متين طيب؟
– ماعندها حد لأن إسعاد الإنسان ما عندو حد، كلما تصل لمرحلة من المراحل تتطلع للأحسن عشان كده العمل الدؤوب المتواصل حيستمر.
{ شكراً جزيلاً يا باشمهندس..
– (أطلق ضحكة عالية)، وختم حديثه قائلاً: (انتهى بعدما نشفت ريقي)!!