غضبة الجماهير المصرية تشرع في اقتلاع سلطة "مرسي" المنتخبة
بعد أن أمضى ملايين المصريين المحتجين في مصر الليل بشوارع العاصمة القاهرة (الأحد) في حشود شهدها (ميدان التحرير) بشكل غير مسبوق، وعُدت الأكبر منذ (ثورة 25 يناير) الشعبية، التي أطاحت بالرئيس السابق “حسني مبارك” وقدمته لمحاكمة ما زالت مستمرة، ضغط متظاهرو (التحرير) وبقية المحافظات المصرية على الرئيس “محمد مرسي” للتنحي عن الحكم، في ارتفاع واضح لسقف مطالبهم، فيما قدم أربعة وزراء في حكومة رئيس وزراء مصر “هشام قنديل” استقالاتهم من مناصبهم الوزارية احتجاجاً على طريقة التعاطي مع الأزمة السياسية الحالية في البلاد، حسبما ذكرت (وكالة أنباء الشرق الأوسط) الرسمية المصرية، وتوجه وزراء: البيئة “خالد فهمي” والمجالس النيابية “حاتم بجاتو” والسياحة “هشام زعزوع” والاتصالات “عاطف حلمي” لتقديم استقالاتهم إلى رئيس الوزراء، وأعلن في مصر أن “طارق خضر” محافظ دمياط سيتقدم باستقالته من منصبه اليوم.
{ العاصفة
وفيما أغلق المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية “عمر عامر” في مؤتمر صحفي عقده الباب أمام مطالب المحتجين حينما قال ما مفاده إن الرئيس لن يستجيب لمطالب المعارضة، اتهم المحتجون عبر أرجاء مصر الرئيس “مرسي” بالفشل في معالجة المشكلات الاقتصادية والأمنية منذ توليه السلطة قبل عام، بينما يصر أنصار “مرسي” على حاجته إلى مزيد من الوقت لتحقيق ما وعد به. وقالت (وكالة أنباء الشرق الأوسط) الحكومية إن عدداً من أعضاء مجلس الشورى ممن ينتمون إلى التيار المدني تقدموا باستقالات رسمية من المجلس اعتراضاً على ما وصفوه بـ(الأوضاع في البلاد)، وكانت حركة (تمرد) المصرية المعارضة- أحد التيارات الشعبية المعارضة الأساسية- قد أمهلت الرئيس المصري “محمد مرسي” حتى الساعة الخامسة من عصر اليوم (الثلاثاء) لتقديم استقالته، مهددة بحملة عصيان مدني إن ظل في السلطة. وقال بيان الحركة: (نمهل محمد مرسي موعداً أقصاه الخامسة من مساء الثلاثاء الموافق 2 يوليو كي يغادر السلطة حتى تتمكن مؤسسات الدولة المصرية من الاستعداد لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة)، كما طالب المصريين بـ(الاحتشاد في كل ميادين الجمهورية مع الزحف إلى قصر القبة إن لم يتخل الرئيس عن السلطة)، وأضاف البيان: (يعتبر هذا الموعد بداية الدعوة لعصيان مدني شامل من أجل تنفيذ إرادة الشعب المصري). وكان التيار الشعبي المعارض قد دعا (الأحد) إلى إضراب عام (الاثنين)، وإلى مسيرة (الثلاثاء)، وحضّ التيار في بيانه (الأحد) الشعب المصري على ألا (تدفعهم الاستفزازات إلى الانجرار نحو العنف)، وأن يلتزموا بالاحتجاج السلمي، وكرر مطالب المعارضة، بما فيها تولي رئيس المحكمة الدستورية العليا- بعد تنحي الرئيس- رئاسة البلاد خلال فترة انتقالية لا تزيد عن ستة أشهر.
وقالت الجبهة إنها (تهيب بالشعب المصري العظيم الذي خرج إلى الشوارع والميادين طالباً التغيير الديمقراطي والانتخابات الرئاسية المبكرة، الحفاظ على سلمية هذه الموجة الثورية العظيمة).. وتسود الشارع المصري حالة من الغليان بسبب ما يقولون.. إن الرئيس “محمد مرسى” فشل في إدارة ملفات الدولة منذ توليه رئاسة الجمهورية وحتى الآن، ولقرابة العام من حكمه كان فيها مندوباً عن جماعة (الإخوان المسلمين) في الصدام مع أطياف المجتمع المختلفة من قوى سياسية وحركات ثورية، وحتى القضاة وصل صدامه معهم إلى ذروته بسبب رغبة الجماعة في الهيمنة على السلطة القضائية وأخونتها باعتبارها العائق الرئيسي لأخونة مؤسسات الدولة، وتزامن ذلك مع تحذير جهات سيادية للرئيس من تزايد حالة الغضب الشعبي المتنامي بين المواطنين بسبب سياساته الإقصائية وفشله في معالجة مشاكل المواطن اليومية.
وتواجه جماعة الإخوان المسلمين التي نشأت في مدينة (الإسماعيلية) برئاسة “حسن البنا” عام 1928م كجمعية دينية تهدف إلى التمسك بالدين وأخلاقياته، وفي عام 1932م انتقل نشاط الجماعة إلى القاهرة، ولم يبدأ نشاط الجماعة السياسى إلا في عام 1938م، تواجه الجماعة تحدياً حقيقياً لوجودها السياسي وسط الشعب المصري بعد وصولها إلى الحكم.
{ سياسات (الأخونة) تفجر غضب المصريين
يقول المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية الدكتور “صفوت فانوس” إن المجتمع السياسي في مصر يشهد انفصالاً حاداً بين (جماعة الإخوان المسلمين) وأنصارهم من جماعات الإسلام السياسي وبين القوى السياسية هناك، وفشلت كل جهود إيجاد الحد الأدنى للتوافق بين هذه القوى. ويضيف في قراءته لما يجري في مصر: (كان من الحكمة السياسية أن تعمل جماعة الإخوان المسلمين التي فازت بنتيجة الانتخابات الرئاسية بنسبة (51%) على إيجاد صيغة لعدم إقصاء الـ(41%) وهم الذين صوتوا للمرشح الرئاسي الفريق “أحمد شفيق”، ولكن ما حدث هو أن كل سياسات (الجماعة) كانت تصبّ في سياسة الإقصاء وليس المشاركة، وبالتالي انتهى بها الأمر إلى خلق الكثير من الخصوم وفقدان الشعبية، بسبب أنها لم تستطع حل المشاكل المعيشية للشعب المصري، إضافة إلى عدم قدرتها ورغبتها في إشراك الآخرين معها في السلطة، وحينما جاءت الجمعية التأسيسية لوضع الدستور ضربت (الجماعة) بما تملكه من أغلبية عرض الحائط بالجماعات غير الإسلامية، فخرج الدستور غير توافقي).
{ مخاوف اندلاع حرب شوارع
ويقول مراقبون إن مشاكل مصر بعد ثورتها لن تحل بدون مشاركة التيارات السياسية، وإيجاد الحد الأدنى من التوافق الوطني، وهو ما لم يحدث، فيما يرى “فانوس” أن نتيجة ذلك هي انتهاء الأمر في مصر إلى ما نراه الآن من انقسام للشعب المصري، ومن المحتمل أن يتحول في نهاية الأمر إلى حرب أهلية.
وكانت الاحتجاجات في القاهرة والمحافظات المصرية قد بدأت منذ ثلاثة أيام، وأسفرت حتى الآن عن ثمانية قتلى، وأكثر من سبعمائة مصاب، حسب وزارة الصحة المصرية، وبمرور الأيام فإن العنف ستزداد وتيرته، الأمر الذي يراه مراقبون يفتح المجال لتدخل الجيش المصري لتولي مقاليد السلطة، فهو- أي الجيش- واقع بين شقي رحى، فإن لم يتدخل ستنهار الدولة المصرية، أما في حال تدخله فإن الواقع وقتها سيطرح السؤال الكبير أمام القوات المسلحة المصرية بعد تسلمها للسلطة وهو: ثم ماذا بعد؟ وبالتأكيد فإن موقع مصر في العالم العربي كما يقول “صفوت فانوس” أكبر من أن تتحمل اشتعال حرب أهلية في شوارعها، وحتى يتدخل الجيش ويكسب مشروعية تدخله لابد من سبب قوي لذلك، والشارع المصري الآن معبأ بدرجة شحن عالية، كما أن السلاح متاح للناس هناك، وبالتالي فإن تصاعد العنف والموت ومشاهد العصيان المدني لن تستمر إلى ما لا نهاية.. ومن جهة أخرى، لن يتراجع “مرسي” لأن الأمر ليس بيده بل بيد (مكتب الإرشاد)، الذي لن يتحمل أية مسؤولية لأي قرارات أصدرها بالإنابة عنه الرئيس “مرسي”.