تقارير

منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر.. قيادات مجلس ثورة الإنقاذ الوطني.. أين هم الآن؟!

(الثلاثين من يونيو).. يوم لا يختلف اثنان في أهميته من حيث التأثير على مجريات الأحداث في السودان والمحيط الاقليمي والدولي على مر السنوات التي أعقبت العام 1989م وحتى اليوم، سيما وأن ذلك الحدث صنعته الجبهة الإسلامية القومية أو الحركة الإسلامية، حينما حركت القوات المسلحة لتقود تغييراً لنظام الحكم برئاسة العميد حينها “عمر حسن أحمد البشير” ورافقه (14) ضابطاً شكلوا مجلس قيادة ثورة الإنقاذ الوطني.. وظل يوم (الثلاثين من يونيو) محل احتفال وحفاواة تستمر لأيام مصحوبة ببرامج متعددة يتم التبشير بها في مختلف ولايات السودان، سيما في الحديث عن إنجازات حكومة الإنقاذ الوطني التي قامت بها في كل عام تحتفل فيه، ودرجت الخطابات التي تلقى في تلك المناسبة على عقد المقارنات بين ما وصلت إليه الحكومة من أوضاع مع ما كان موجوداً قبل وصول الإنقاذ إلى سدة الحكم.
حوادث طيران
أعضاء مجلس قيادة ثورة الإنقاذ الوطني الذين ترأسهم المشير “عمر حسـن أحـمد الـبشـيـر” تفرقت بهم السبل، ومنهم من انتقل إلى الدار الآخرة، ومنهم من بقي على قيد الحياة مبتعداً عن الأضواء أيضاً لأسباب متعددة من بينها المرض الذي لحق ببعضهم، ولكن الأبرز من الذين فارقوا الحياة هما الشهيدان المشير “الـزبيــر محـمـد صـالـح”، والعقيد “إبـراهيـم شـمـس الـديـن”، اللذان انتقلا عن طريق سقوط الطيران في حادثتين منفصلتين، حيث سقطت طائرة الشهيد “الزبير محمد صالح” في الثاني عشر من فبراير للعام 1998م بنهر السوباط، بينما تحطمت طائرة الشهيد “إبراهيم شمس الدين” صباح “4 أبريل من العام 2001م” لدى انحرافها على مدرج “عدارييل” بأعالي النيل أثناء زيارة تفقدية للقوات المسلحة بالمنطقة.
وكان الشهيد المشير “الزبير محمد صالح” قد شغل منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية حتى استشهاده، ونشط في ملفات السلام سيما في قضية جنوب السودان، وظل يتفقد ويدير الحوار بنفسه داخل الغابة حتى أفلحت جهوده في التوصل لاتفاقية الخرطوم للسلام التي انشقت بموجبها الحركة الشعبية، وعاد الى الخرطوم كل من الدكتور “رياك مشار” والدكتور “لام أكول أجاوين “برفقة قواتهما العسكرية التي انضمت إلى مسيرة السلام. بينما شغل العقيد “إبراهيم شمس الدين” منصب وزير الدولة بوزارة الدفاع وعرف بنشاطه وتفقده لأفراد القوات المسلحة في مسارح العمليات المتقدمة بنفسه، بالإضافة لتكليفه بإدارة عدد من الملفات الأخرى في الثورة.
الفريق أول ركن “بـكري حـسـن صـالـح” يُعد من الشخصيات التي لا تظهر كثيراً في الإعلام ويعرف بأنه شخصية ذات انضباط عسكري عالٍ، وشغل منصب المشرف السياسي لإقليم دارفور، ثم وزير الطيران السوداني. وفي عام 2001 تولى منصب وزير الدفاع، ثم وزير رئاسة الجمهورية، ورئيس المجلس القومي لتنسيق نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج، والآن يعمل وزيراً لشئون رئاسة الجمهورية.
جلوس على الهامش
اللواء “التجانـي أدم الـطاهـر” شغل منصب المشرف السياسي لإقليم دارفور، ثم وزير الطيران السوداني، وفي عام 2001 تولى قبل تقاعده منصب وزير السياحة والبيئة والتراث، وظل موجوداً بالعاصمة الخرطوم. ورفض اللواء التجاني الإدلاء بأي تصريحات، وقال في حديثه لـ(المجهر)  إنه الآن لواء في المعاش، وأنه لم يمارس أي عمل، وأضاف: (ولن أتحدث إلا بعد مرور خمسة وعشرين عاماً من الإنقاذ)، وقال إنه يعتمد في معيشته على المعاش وإيجار منزله، وأضاف: (أنا الآن صرت نسياً منسياً).
أما اللواء بحري “صـلاح محـمد أحمـد كـرار” الذي كان رئيس اللجنة الاقتصادية، ثم وزيراً للنقل ثم أصبح في السنوات الأخيرة سفيراً للسودان لدى مملكة البحرين، وقد ظل في منصبه إلى أن وجه عبر الصحف انتقاداً حاداً لما يلاقيه أعضاء مجلس قيادة السابقين من تجاهل وعدم تقدير، وقال “كرار” في حديث لـ(المجهر) إن أعضاء مجلس قيادة الثورة من حيث الأقدمية يترأسهم رئيس الجمهورية المشير “عمر حسن أحمد البشير”، ويليه الشهيد “الزبير محمد صالح”، واللواء “التجاني آدم الطاهر”، ويقول “كرار” إن “التجاني” موجود في الخرطوم، ومن ثم “فيصل علي أبوصالح” الذي يلزم فراش المرض بمنزله، ويليه- بحسب كرار- “عثمان أحمد حسن” الذي خرج بالاستقالة منذ بدايات الإنقاذ، وظل بعيداً عن الأضواء، ومن بعده “إبراهيم نايل إيدام” وهو موجود بصحة جيدة، ويليه- بحسب كرار- “دومنيك كاسيانو” و”بيويو كوان”، ومن بعدهم يقول “كرار” يأتي أبناء دفعته من الدفعة (23) بالقوات المسلحة والذين يتقدمهم “سليمان محمد سليمان” الذي يعمل مزارعاً في منطقة مروي بالولاية الشمالية في زراعة الفواكه ورعاية النخيل، وأضاف: (لكن أولاده في الخرطوم وظل يتنقل بين مروي والخرطوم). وذهب “كرار” إلى أن الترتيب في أبناء دفعته من المشاركين في مجلس قيادة ثورة الإنقاذ الوطني يضع من بعد ذلك كلاً من “فيصل مدني مختار” والذي يعمل أيضاً في المجال الخاص ويسكن منطقة الخرطوم الشجرة، ويتنقل بين ولاية سنار والخرطوم، ويليه “مارتن ملوال” وهو موجود في الجنوب وشخصه “صلاح كرار” . ويضيف بالقول: (يدخل بعد ذلك ضباط الدفعة (24) ومنهم الفريق أول ركن “بكري حسن صالح” و”محمد الأمين خليفة” والشهيد “إبراهيم شمس الدين”.
ويقول “صلاح كرار” إنه شخصياً ظل يتنقل بين بورتسودان والخرطوم وأبوحمد ويعمل في مجال التخليص والنقل في القطاع الخاص، وأضاف: (الآن كل أعضاء مجلس قيادة الثورة لا يوجد أحد فيهم يعمل في موقع حكومي ولا شغالين أي شيء ممكن يخطر ببال الناس ولا حتى مجلس إدارة ولا في مجلس شورى المؤتمر الوطني)، ويقول إنهم جميعاً موجودون على الهامش الآن.
أعمال خاصة
ويدير العميد “عثمان أحمد حسن” أعمالا تجارية خاصة من بينها مزرعة بالخوجلاب شمال بحري ويسكن في مدينة الطائف بالخرطوم، وقد دفع العميد “عثمان” باستقالته منذ السنوات الأولى للإنقاذ، وابتعد تماماً عن المسرح السياسي وفضل الاتجاه نحو العمل الخاص، وأما العميد “فيصل أبو صالح” وزير الداخلية السابق فهو يسكن بمنطقة ود البخيت في أم درمان ويعاني من المرض وقلت حركته بصورة كبيرة.
والعميد طيار “فيصل مدني مختار” فقد شغل في الماضي منصب الوالي بولاية شمال كردفان، وكان مسئولاً عن شئون الأمن في كافة أنحاء البلاد وفاز في انتخابات 1996 بالتزكية بالولاية الشمالية، ولكنه اتجه للقطاع الخاص هو الآخر، أما اللواء “إبراهيـم نـايـل إيدام” فقد تقلد منصب رئيس جهاز الأمن وأدار وزارة الشباب والرياضة وعمل بالاتصالات والسياحة، وبعد إعفائه في السابع عشر من يوليو 1994م فقد اتجه للزراعة إلى أن تم اختياره عضواً بالمجلس الوطني عن الدائرة (194) الدلنج الغربية، ولكنه عاد وشارك في الانتخابات الأخيرة ولكنه خسر، والآن يدير أعمالا خاصة. وقد توفي اللواء “بيويو كوان” وفاة طبيعية، وكان قد شغل منصب المشرف السياسي لمنطقة أعالي النيل بجنوب السودان، ونقل لمستشفى السلاح الطبي بالخرطوم، وقيل إنه كان وحدوياً ووضعت الحكومة بعد وفاته اسمه مسمى لشارع بالخرطوم ليصبح خالداً باسمه حتى اليوم.
كما توفي أيضاً العميد “دومـنيـك كـاسيـانـو” في يوم (الجمعة) الموافق السابع والعشرين من يوليو للعام 2012م، وقد نعته رئاسة الجمهورية، وشغل “كاسيانو” عدة مناصب بالحكومة، حيث شغل منصب المشرف السياسي للولاية الإستوائية، كما تقلد مهام وزارة العمل واتجه نحو العمل المدني وسكن بمنطقة العزوزاب قبل وفاته، وحصل على عدد من الأوسمة والأنواط.
أما العقيد “مـحـمد الآمـيـن خليـفة”، تبوأ رئاسة المجلس الأعلى للسلام ثم اتجه للعمل التشريعي فتدرج فيه إلى أن وصل إلى منصب رئيس المجلس الوطني الانتقالي، وتنحى عن المنصب للدكتور “حسن الترابي” حين تم انتخاب المجلس الوطني، وعندما حدثت المفاصلة فضل الانضمام الى صفوف حزب المؤتمر الشعبي، وظل فاعلاً فيه منذ العام 1999م وإلى اليوم.
برنامج وطني
العميد “مارتن ملوال” كان قد التحق بالقوات المسلحة ضمن الدفعة «23» وقد كان عضواً في مجلس قيادة ثورة الإنقاذ الوطني وقد تم إعفاؤه ببيان شهير تلاه أمين مجلس قيادة ثورة الإنقاذ الوطني، وابتعد الرجل عن العمل السياسي لفترة طويلة ليعود بعدها وزيراً بمجلس الوزراء ضمن حكومة البرنامج الوطني التي حلت محلها حكومة الوحدة الوطنية، ويمتلك العميد “مارتن ملوال” شركة خاصة تعمل في جنوب السودان وتحمل مسمى (شركة أروب)، وقد أصبح مقرباً من الحركة الشعبية وحكومة الجنوب بعد التوقيع على اتفاقية السلام الشامل، وكان قد سبق فترة التوقيع على اتفاقية السلام الشامل بالابتعاد عن الأضواء والبقاء خارج السودان. أما عضو مجلس قيادة الثورة العميد “سـليـمان محـمد سـليمان” فقد ابتعد تماماً ومنذ سنوات طوال، وحينما تم تقسيم مجلس قيادة الثورة إلى دوائر في السنوات الأولى للإنقاذ أوكلت له دائرة الإعلام ومنها أصبح وزيراً للإعلام ثم انتقل ليصبح والياً للجزيرة الكبرى، ومن ثم عضواً لإدارة نادي الهلال، وغادره ليدخل الى عالم العمل الخاص والتجارة.
مراحل تقييم
قطعاً رفض اللواء “التجاني آدم الطاهر” الإدلاء بأي معلومات تفصيلية، ولكن اللواء “صلاح كرار” فقد رد عند سؤاله عن تقييم الإنقاذ من وجهة نظره بعد مرور أربعة وعشرين عاماً بأن التقييم ينقسم لثلاثة، ويقول إن تقييمه لأداء الإنقاذ ظل يجلب له المشاكل، وأضاف: (كتبت مقالا عن ذلك عندما كنت سفيراً وبسببه تم فصلي من الخارجية)، ويعيد “كرار” مراحل تقييم الإنقاذ إلى أن المرحلة الأولى تعود إلى الفترة من العام 1989م وحتى العام 1999م، ويرى أن الإنقاذ في تلك الفترة أنجزت الكثير رغم الظروف التي كانت تواجهها من حرب ومقاطعة خارجية ومضايقات، ويقول إن فترة التقييم الثانية تعود إلى مرحلة ما بعد اكتشاف النفط ودخول عائداته إلى الخزينة وصولاً إلى فترة انفصال جنوب السودان، حيث يرى أن تلك الفترة شكلت فترة التدهور وظهور الفساد وتراجع الأسبقيات في أداء الحكومة، ويقول إن الفترة الثالثة هي فترة ما بعد الانفصال وحتى الآن، ويضيف بالقول: (هذه فترة خطيرة اندلعت فيها حروب في جنوب كردفان والنيل الأزرق وجعلت الناس يقولون إن الإنقاذ تخلصت من حرب وورثت حرباً أشرس”، ويرى أنها الفترة الأولى في تاريخ السودان التي تشهد تحالفاً بين دارفور ومنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق من أجل إسقاط النظام، ويضيف: (نسأل الله السلامة من هذه الفترة وأن يجنب السودان شرورها).

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية