حوارات

عضو مجلس قيادة ثورة الإنقاذ "محمد الأمين خليفة" يروي لـ(المجهر) تفاصيل جديدة عن انقلاب 30 يونيو

مع مرور ذكرى ثورة الإنقاذ من كل عام، جرت العادة أن يقوم الناس بتقليب أوراقها من خلال الجلوس مع شخصيات كانت مشاركة في الحدث واختيار زوايا جديدة.. (المجهر) هذا العام حاولت البحث عن زوايا مختلفة، فالتقت القيادي الإسلامي وعضو مجلس ثورة الإنقاذ المعروف الأستاذ “محمد الأمين خليفة” في حوار روى فيه قصة الثورة منذ أن كانت فكرة ومشروعاً في رؤوس الإسلاميين، وطوف بنا عبر المراحل المختلفة.. وكمسؤول عن الاتصالات في هذا الانقلاب، قام بدور كبير في سرية تامة لدرجة أن أسرته الصغيرة لم تشعر بأن هناك شيئاً ما في مرحلة المخاض، وعندما اقترب الميعاد المضروب أرسل أسرته إلى الفاشر حتى يتفرغ للمهمة كما قال، حتى فوجئت رفيقة دربه بورود اسمه بين مجلس قيادة الثورة، وقبل أن تشك في تطابق الاسم شاهدت الصورة عبر التلفاز وكانت المفاجأة المصحوبة بالدهشة.. “محمد الأمين” قال لنا: في يوم الخميس رتبت حقيبتي ووضعت زيي العسكري والمصحف وراديو صغير توجهت به نحو سلاح الإشارة بحجة أن هناك عطلاً فنياً وبعد تأدية صلاة المغرب طلبت من أحد الجنود فتح مكتب للانتظار إلى حين إصلاح الراديو، ثم حان وقت العشاء وبعدها عدت إلى المكتب وأخذت الحقيبة من العربة وأغلقته عليّ. وقال: من نوادر هذه الليلة نمت مبكراً لأصحو في الوقت  المعلوم، فصحوت في الساعة الثانية إلا ربعاً صباح الجمعة..  ولمتابعة القصة تفضلوا بمتابعة التفاصيل. 

{ بداية نود التعرّف على مستوى العلاقة التي كانت تربطك بالعميد ركن “عمر البشير”؟
– كنت أعرف العميد الركن “عمر البشير” كضابط في القوات المسلحة بوحدة المظلات، لكن عندما كنت طالباً بكلية القيادة والأركان جاء “عمر” مع نخبة من قادة الأسلحة والوحدات لحضور حفل تخرج وكنت أنا الطالب الذي افتتح الحفل بتلاوة آيات من القرآن الكريم، بعد الحفل تصافحنا، وبعد ذلك كنا نلتقي في الاجتماعات السرية.
{ لكن المشاركين العسكريين المعروفين بتوجهاتهم الإسلامية كانوا جزءاً من العمل العسكري في الحكومة.. ألم يكن هذا كافياً لتتبع  تحركاتكم؟
– نحن لم نكن ظاهرين، فـ”عمر البشير” كان في الجنوب، و”صلاح كرار” في البحرية ببورتسودان، وأنا برتبة مقدم في سلاح الإشارة، و”بكري حسن صالح” مقدم في المظلات، ولم يكن أحد منا في قيادة القوات المسلحة.. أعلى رتبة كان العميد “البشير”.
{ يبدو أن هذا كان مقصوداً؟
– نعم كان مقصوداً.
{ أنت ابتُعثت كذلك لدورة تدريبية قبل الانقلاب.. فهل كنتم تقومون ببعض المهام هناك؟

– نحن في القاهرة كنا على صلة بما يجري في السودان، والأوضاع السياسية كانت في غاية السوء، وكان من حسن الصدف أن يكون معي “بكري حسن صالح” من غير ترتيب فهو في دورة المظلات، وكان معنا ضباط ناشطون ينتمون لحزب البعث العربي الاشتراكي.. كنا نرصد تحركاتهم واجتماعاتهم دون أن يتعرفوا على هويتنا.
{ أين عقدتم آخر اجتماع قبل التنفيذ؟
– الاجتماعات كانت تتم بمنازل بعض الأخوة، وأذكر أن الاجتماع  الذي عقد لتحديد (ساعة الصفر) تم بمنزل أحد الأخوة بالخرطوم، ونسبة للسرية لم أعرف صاحبه، لكن عرفت مؤخراً أن صاحبه يسمى “جعفر”. 
{ هل كان ضمن المشاركين المدنيين؟
– لم يشارك معنا في الاجتماع أو حتى في التغيير الذي تم. 
{ ماذا عن موعد تحديد (ساعة الصفر)؟
– (ساعة الصفر) حُدّدت في يوم الجمعة 30 يونيو 1989م، لكن تردد بعض الأخوة العسكريين وقالوا هذا التاريخ غير مناسب لأن القوات المسلحة في حالة استعداد بنسبة (100%)، والأحوط أن تؤجل (ساعة الصفر) حتى لا يكشف التغيير، لكن الأغلبية رأت أن نحترم هذا التاريخ.
{ ماذا كان موقفك أنت؟
– أنا قلت حالة الاستعداد هذه هي الغطاء الأنسب للقيام بهذا العمل، وكان موقف الشهيد “إبراهيم شمس الدين” حاسماً حينما قال إذا لم تريدوا التنفيذ في اليوم المقترح فإن هناك مجموعة جاهزة ستقوم بهذه المهمة، فاتفق الجميع على يوم 30 يونيو 1989م.
{ هل أدلى “البشير” برأي حول هذا التوقيت؟
– بالفعل أنا سألته عن رأيه الشخصي عقب الاجتماع لأنه هو الشخص المنوط به التغيير، فقال لي: (أصلو الحكاية زي يوم الامتحان كل ما تأخر الموعد يكون أريح للنفس لكن طالما عزمنا فلنتوكل).
{ عندما سألت “عبد الرحمن فرح” عن (ساعة الصفر) بوصفه كان  في جهاز حزب الأمة الأمني قال: لم أعلم بـ(ساعة الصفر)؟
– ليس “عبد الرحمن فرح” وحده بل حتى نحن، لم يكن يعلم (ساعة الصفر) إلا المنفذون الحقيقيون.
{ من كان يعلم بـساعة الصفر)؟
– لا شك دكتور “الترابي”، “علي عثمان محمد طه”، “نافع علي نافع”، دكتور “عوض الجاز”، “إبراهيم السنوسي”، “علي الحاج” و”غازي صلاح الدين”..
{ (مقاطعة).. يعني ناس الشورى أليس كذلك؟
– أبداً بعضهم لم يكن على علم، وهذا ما أغضب “أحمد عبد الرحمن” و”الطيب زين العابدين” وآخرين.
{ قيل خشيتم أن يصل الخبر للأحزاب عن طريق “أحمد عبد الرحمن” بحكم علاقته معهم؟
– يجوز يكون هذا التقدير صحيح، لأن “أحمد عبد الرحمن” رجل أريحي وضد الانقلابات العسكرية، لذا لم يخطر بذلك، في حين أُخطرت ابنته “عفاف أحمد عبد الرحمن” التي كانت نائبة برلمانية آنذاك وهي بدورها لم تخطره.
{ ما سر هذا التأمين الذي حظيت به الثورة؟
– سر تأمين الثورة أنها لم تكن بنت لحظة، وإنما كانت مشروعاً وفكرة تتقلب في رحم الغيب منذ زمن بعيد، ولهذا السبب ذهب بعض أعضاء الحركة الإسلامية إلى خارج السودان من أجل التأهيل في المناحي كافة الخاصة بإدارة الدولة حتى يكونوا على استعداد عندما يحين الوقت.
{ تقصد وقت الانقلاب؟
– لم تكن الفكرة التي في رؤوس المخططين أن يقوم المشروع بانقلاب عسكري، لكنه كان مشروعاً نهضوياً من عامة الناس،   لذلك كانت هناك خلايا تنتمي إلى التيار الإسلامي في سائر شرائح المجتمع الموظفين والمهنيين والنقابات والطلاب.
{ وبالضرورة العسكريون؟
– من ضمن الفصائل كانت هناك مجموعة من الضباط الذين يعقدون مقارنات ومقاربات بين المنهج العسكري السائد والمنهج  العسكري الإسلامي، والحركة الإسلامية ابتعثت عدداً مقدراً من الضباط إلى المعاهد الإسلامية، كان منها المركز الإسلامي (جامعة أفريقيا) حالياً من أجل التأهيل وليس الانقلاب.
{ لعنة الانقلاب ما زالت تطارد الإسلاميين؟
– لكن كانت هناك أسباب دعت إلى هذه الخطوة، من ضمنها عمل  الآخرين لإبعاد هذه المجموعة الإسلامية، وظهور تيارات في الحكم غير مقبولة للشعب.. هذا استفز المواطنين بصورة عامة والقوات المسلحة بصفة خاصة، كيف يدير هؤلاء البلاد على ضوء التزام  الشعب السوداني بالخلق الإسلامي؟!
{ بعضهم قال إنكم تتحدثون عن الإسلام في حين أنكم لم تهتموا بالقسم الذي أقسمتموه؟
– أي قسم؟
{ أنا فهمت من حديث “عبد الرحمن فرح” أنكم أقسمتم على الإخلاص للحكم الائتلافي آنذاك؟
– أنا لا أذكر صيغة القسم.. هل كانت أن لا يحدث تغيير مثلاً؟
{ مثلاً؟
– ماذا يضير إذا كان الحكم غير وطني وإسلامي حتى سيدنا “أبو بكر الصديق” في زمنه كان قد حرض الناس عندما قال لهم إذا رأيتموني أطعت الله فأطيعوني وإذا عصيت فلا طاعة لي عليكم..  ومعلوم بالضرورة إذا كان النهج قوياً، فالصحيح أن لا يخرج الناس عليه، أما إذا لم يكن كذلك فلابد من المقاومة.. لذلك كان هناك  خروج على الحكام والنظم التي تحيد عن النهج الصحيح.. وبالنسبة لنا كان هناك نوع من الإبعاد.. لعلك تذكرين زيارة نائب الرئيس الأمريكي عندما جاء واتفق مع ما يسمى بالديمقراطية الثالثة لإبعاد الإسلاميين عن الحكم، فإذا رضي ذلك الحكم بإبعاد الإسلاميين عن حكمهم فمن باب أولى أن يقاوم الإسلاميون.
{ ما قصة “إبراهيم نايل إيدام”.. قيل إنه كان مع حزب الأمة وعلى علم بالانقلاب؟
– لم تكن هناك خطوط متباعدة بين حزب الأمة والاتحادي والاتجاه الإسلامي وكل تيار الحركة الوطنية. قد يكون هناك تباعد بين الإخوان والشيوعيين والبعثيين، لكن فيما أعلم أن الأخ “إبراهيم نايل إيدام” كان أخاً مسلماً منذ أن كان طالباً بـ(خور طقت) الثانوية، وأن يكون متعاطفاً مع حزب الأمة فذلك لا يضير، فكثير جداً من الذين كانوا في قمة السلطة السياسية يتعاطفون مع حزب الأمة، وبعض أعضاء حزب الأمة كانوا يتعاطفون مع الاتجاه الإسلامي وبعض أعضاء الاتحادي الديمقراطي يتعاطفون معه كذلك.. ليس هناك خطوط متباعدة.. لكن ما أؤكده أن “إبراهيم نايل إيدام” كان أخاً مسلماً منذ أن كان بـ(خور طقت) الثانوية.
{ قيل إن “الصادق المهدي” عندما سأل “إيدام” عن تحركات الإسلاميين نفى.. ما صحة ذلك؟
– “الصادق المهدي” إذا له سؤال كان يوجهه لمدير جهاز استخباراته آنذاك، وهو “عبد الرحمن فرح”، الذي كان مسؤولاً عن جهاز أمن حزب الأمة، وأذكر أنه شعر وألمح بأن هناك شيئاً غير طبيعي يجري في البلاد.
{ ألم يُعلم قيادته؟
– فيما أعلم، أنه أبلغ رئيس حزب الأمة “الصادق المهدي” بأن هناك شيئاً، لكن الحزب لم يأخذ الأمر مأخذ الجد.. ولعل الله تعالى هيأ هذا الغطاء لتقوم الثورة وتنجح.
{ كذلك “فرح” قال إن “الزبير محمد صالح” مايوي التقت مصالحه مع الإسلاميين؟
– الشهيد “الزبير محمد صالح” حركة إسلامية، قام بتجنيده “يس عمر الإمام” عندما كان طالباً بمدرسة (وادي سيدنا) الثانوية لكنه اعتُقل مع مجموعة المايويين، وهذا أعطى غطاءً كبيراً جداً ودفعة، وكانت بمثابة تمويه، مثل التمويه الذي حدث في بداية عام 1989م وتمثل في المذكرة التي تقدمت بها القوات المسلحة. 
{ هل كانت المذكرة تشير إلى إمكانية القيام بانقلاب؟
– نعم.. فيها اتجاه لانقلاب وضغط على الحكومة المدنية من جهات خارجية.
{ نعود إلى مهمتك.. كيف أنشأتم شبكة الاتصالات؟
– الحركة الإسلامية أنشأت أجهزة اتصال منذ زمن طويل، وكان صاحب الفكرة هو الشهيد “محمود شريف”، وكانت من أسباب النجاح.
{ حدثنا عن مهمتك التي ارتبطت بالاتصال؟
– مهمتي الأساسية كانت إيقاف عمل الأجهزة السلكية واللا سلكية في القوات المسلحة الداخلية والخارجية التي تربط بين القيادة العامة  ومصر وليبيا، وإنشاء وسيلة اتصال بديلة مع تغيير الترددات التي كانت تعمل بها الأجهزة، وتم ذلك في سرية تامة، حيث لم يتمكن أحد من التعرف على الذبذبة التي كنا نعمل بها. وأذكر في ليلة التنفيذ عند الساعة الثانية إلا خمس دقائق صباحاً اتصلت بـ”عمر البشير” بالجهاز الذي أحمله فرد فوراً بالكود المستخدم، بعدها توليت إدارة توزيع القوة إلى فصائل لتنفيذ المهام المعدة سلفاً.
{ مثل ماذا؟
– التحفظ على شخصيات مهمة، وتأمين منشآت، وإيقاف أجهزة اتصال وإنشاء اتصالات أخرى بديلة، وكان حينها قائد ثاني سلاح الإشارة موجوداً في مكتبه، فوضعت حراسة خارج المكتب والتعليمات كانت أن لا يُعتقل إلا إذا عرف الانقلاب وأراد المقاومة، لأن الاتصالات بينه والقادة الآخرين كانت معدومة، لكن لحسن الحظ استيقظ بعد صلاة الصبح.
{ ما الملابسات التي أدت لاستشهاد “أحمد قاسم” ليلة الانقلاب.. هل كانت النيران صديقة؟
– كانت طلقة طائشة من نيران صديقة.. ربنا يرحمه كان شهيد الثورة الأول.
{ ما هي الأحزاب التي كانت تمثل تحدياً بالنسبة لكم؟
– الأحزاب اليسارية بصفة خاصة، مثل الحزب الشيوعي، وحزب البعث العربي.. وإلى حد ما الناصريون.
{ لماذا هؤلاء دون غيرهم؟
– لأنه كانت لديهم معلومات أدق من الحكومة نفسها آنذاك.
{ من أين تحصلوا عليها؟
– من الخارج، هذه الأحزاب لها جذور خارجية.. البعث تربطه علاقة مع العراق وسوريا، والشيوعي يتلقى المعلومات من الدول الشيوعية، ومن خلال السفارات يتلقون المعلومات.. هذا ما جعلنا ندير المعركة بسرية تامة، وقيادة الحركة الإسلامية نجحت في هذا الجانب الأمني والمحافظة على نجاح الثورة حتى تحققت.
{ رغم ذلك كثير من الدول الخارجية لم تعرف هوية الانقلابيين خاصة مصر.. حدثنا عن هذا الموضوع؟
– صحيح كان أول من التقى بنا في القيادة العامة سفير جمهورية مصر “الشربيني” قبل أن يذهب إلى تهنئة الرئيس “البشير” ووجد أن (15) من أعضاء مجلس قيادة الثورة تلقوا تدريبات في مصر، فبعث بتقرير لقيادته قال فيه إن الذين قاموا بالانقلاب (بتوعنا).
{ ماذا فعلت قيادته؟
– أخذت هذا التقرير مأخذ الجد ونشرته للدول العربية، فجاءنا التأييد من كل فج عميق.
{ إلا حكومة “صدام”.. ما السبب؟
– “صدام” كانت لديه مجموعة تنوي القيام بانقلاب، وكانت على علم بأن هناك جهة ثانية تتحرك، وعندما تفحصت مجلس قيادة الثورة عرفت أن بعضهم توجهاته إسلامية فأخطروه، وهذا ما أدى إلى محاولة (28 رمضان).
{ ما قصة مقاومة المهندسين؟
– نحن لم نخطط لاعتقال كل قيادات القوات المسلحة، لأننا كنا نعدّ ما نقوم به هو باسم القوات المسلحة، ولا نعتقد أن يكون هناك عداء من قبلهم، لذلك لم يُعتقل أحد من الكبار غير القائد العام وآخرين، وقائد المهندسين لم يكن من القادة المستهدفين بالاعتقال.. ورغم ذلك لم يحدث شيء.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية