الإشاعات .. وما آفة الأخبار إلا رواتها!!
انتشرت في السنوات الأخيرة الإشاعات – أو ما يعرفه الناس بـ (الشمارات) – بصورة كثيفة ومخيفة في آن، بحيث أصابت جميع مناحي الحياة، وأصبح المواطن البسيط والمغلوب على أمره في حيرة من الأمر وفي ليل من الشك مظلم!!
ونالت السياسة الحظ الأوفر ونصيب الأسد من تلك الإشاعات، بدأت من إرهاصات التشكيل الوزاري الأخير وإشاعة تعيين هذا وإعفاء ذاك.. وسمع الناس ببعض من (أشيع) قرب تعيينهم وقد نحروا الذبائح.. ولكنهم رجعوا بخفي حنين ولم ينل أحد لحومها ولا دماءها!!
كما لعبت الإشاعات الدور الأبرز في ارتفاع وهبوط أسعار الدولار في السوق بألوانه المتعددة، فما أن يشاع أن السودان والجنوب اتفقا على موضوع البترول، إلا ويهوى السعر ليطيح بالكثيرين من السوق ويلحقهم بـ (أمات طه)!! ولكن سرعان ما يشاع أن (الموضوع طرشق) لتعود (ريما) لعادتها القديمة والذميمة!
{ الأموات الأحياء!!
ولم ينجُ الوسط الفني من هذا (المد الإشاعي).. إذ سمعنا كثيراً نبأ وفاة العديد من الفنانين وهم أحياء يرزقون ويأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ويغنون ويصدحون في الحفلات و(عداداتهم رامية)! وربما آخر الإشاعات ما تداوله الوسط الفني عن مطربة تقيم خارج البلاد، وأشيع أنها ستكون ضمن كوكبة برنامج (أغاني وأغاني) لهذا العام.. إذ قامت المطربة من فورها بشراء كمية كبيرة من الملابس والإكسسوارات.. وعند حضورها لم تجد شيئاً سوى السراب، فقامت بعرض تلك الملابس للبيع بثمن بخس دراهم معدودات عملاً بمقولة (المال تلتو ولا كتلتو) أو كما قالت!!
{ عوامل (إشاعيَّة)
وتكون الإشاعة أياً كان نوعها في الغالب الأعم، نتاجاً لعوامل كثيرة منها السياسية والاقتصادية، والأهم من ذلك كله الجوانب النفسية والاجتماعية، حيث نجد أن مطلق الإشاعة يكون في الغالب على قدر من الثقة في النفس والذكاء وكذلك تحديد الهدف النفسي من الإشاعة واختيار أنسب الأوقات لبثها.
ومن ناحية أخرى فإن متلقي الإشاعات يكون في الغالب من الذين تعوزهم المعلومة الصحيحة ولا يمكنهم التأكد من الأخبار، كما تحركهم دافعية الحصول على النبأ، وهي غريزة للعلم، وكذلك الرغبة في الشعور بالأمان وتوخي الحذر واتخاذ ما يلزم من تدابير لموجهة أثر محتمل في حالة صدق تلك الإشاعات، وغالباً ما يكون هؤلاء الأشخاص من متوسطي الذكاء أو أقله وليس لديهم الإلمام الدقيق بمجاري الأحوال.
وتلعب الخلفية النفسية والتقاطعات الاجتماعية وكذلك التشابك الديموغرافي دوراً بارزاً في نشوء وحياة وموت الإشاعة، وكأنها كائن حي منذ الولادة.
ولا يجب أن نغفل الديناميكية الاجتماعية والاستثارة السيكولوجية وكذلك الرغبة في التفاعل مع الأحداث والبحث عن الإثارة وكسر العديد من الحواجز والرغبات المكبوتة والتعبير عن مكنونات النفس بصور مختلفة.
{ قاعدة الانطلاق
ومما يعزز قوة وسرعة انتشار الإشاعات من الناحية النفسية، الأجواء المشحونة وزيادة معدلات القلق والتوتر والترقب والخوف من المجهول، وكذلك غياب الشفافية وكبت التعبير وحرية الاستفسار. وليس ببعيد عن ذلك يبرز دور الإكراه النفسي الذي يمارسه العديد من ذوي المصالح والأغراض واللعب على وتر الاحتياجات لدى المواطن العادي التي تمس الأولويات مثل الأكل والشرب والأمان، وهي تشكل قاعدة الهرم للإنسان والذي يسمى بهرم (ماسلو).
والإشاعة في حد ذاتها هي تعبير نفسي عن رغبة مكبوتة ، أو حلم ضائع، أو للخروج من حالة الكبت والإحباط وإيصال رسائل الرفض للواقع المعاش بطريقة الإشاعة.
ومن نافلة القول إن بعض الإشاعات يطلقها بعض المستهدفين منها، وذلك لجس النبض، وكبالونه اختبار، مثل ما نسمعه من رغبة بعض اللاعبين في الاعتزال أو مسؤولين في الاستقالة، وهذا يمثل تعبيراً عن الانهزام النفسي وفقدان المصداقية والثقة في النفس.
كما أن بعض الإشاعات يمكن أن نطلق عليها )إشاعات وقائية* وهي تستعمل للحماية النفسية ضد التوجس، وخير مثال لها حال الطالب المبرز الذي يطلق إشاعة رسوبه وذلك لضمان عدم مساءلته عن ضعف أدائه عند ظهور النتيجة.