حوارات

الشيخ "النيل أبو قرون" لـ(المجهر): أقول لمن يلاحقوني بالاتهامات (هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ)

يتهمه مناوئوه بأنه زعيم الشيعة في السودان، بينما يقول محبوه إنه (صوفي) محب لـ(آل البيت)، أما تلاميذه في داخل السودان وخارجه فيضعونه في خانة المفكر و(المجدد)، فللرجل مؤلفات عديدة من بينها في (رحاب الرسالة)، (أسرى بدر)، (من تفسير سورة عبس)، (اليقين)، (المرجعية)،(الإيمان بمحمد)، بالإضافة إلى كتابه المثير (نبي من بلاد السودان)، وكتابه المهم (الإسلام والدولة) الذي قدم فيه أطروحة مغايرة لما هو سائد، حيث اعتبر الإسلام دعوة لا دولة، وتناول فيه بجرأة العديد من الإشكالات الفكرية الأخرى، والشيخ “النيل عبد القادر أبو قرون”، تخرج في جامعة الخرطوم – كلية القانون، عمل قاضياً بالهيئة القضائية وتدرج فيها حتى عمل بالمحكمة العليا، ثم عُيِّن مُلحقاً قضائياً برئاسة الجمهورية، وفي العام (1983) قام مع بعض زملائه بوضع قوانين (سبتمبر) (الشريعة الإسلامية)، ثم عُيِّن وزيراً للشؤون القانونية برئاسة الجمهورية، ومنذ عام (2000) تولى الشيخ “النيّل” خلافة والده بعد وفاة الخليفة “الجيلي خليفة الشيخ أبو قرون”.
 { كيف تقرأ تطورات الأوضاع الفكرية والسياسية في المنطقة والسودان.. وهل لذلك علاقة بواقع المنطقة العربية والإسلامية الذي يبدو أقرب إلى الفوضى الشاملة؟
– يبدو لي أن الفكر السياسي طاغياً على كل فرد في السودان وفي المنطقة أن لم يكن في العالم أجمع، وعلى ضوء هذا أصبح الفرد في ثقافته وعلومه دينية كانت أو اجتماعية لا تنطلق من أساسيات الواقع الديني وأساسيات الواقع الاجتماعي التي نظمتها الرسالات السماوية على مر العصور، وهي الثوابت التي لا تتغير ولا تندرج تحت شعار التطور ألا وهي الأخلاق، فإذا لم تنضبط المجتمعات والأمم بهذا الثابت الذي يعطي الآخر واللا ديني متسعاً بحكم أفضلية الإنسان على بقية المخلوقات، فإن هذا المكرم من الله ستتسم حياته بالفوضى.
{ تتعدد المشاريع الفكرية والرؤى للإصلاح مع وجود تيارات متصارعة مختلفة فكرياً لحد التناحر تغذيها سيناريوهات الفوضى.. هل يوجد أمل في مشروع فكري جامع وسط أمواج متلاطمة وخلافات وجراحات وثارات؟
–    وسائل الإعلام في هذا الزمن أًتيحت للكثيرين من الذين يجتهدون في إشهار ذواتهم عن طريق رفع الشعارات الدينية المختلفة التي لا يوجد لها أصل في الدين الذي هو الأخلاق، وحب الانتصار للنفس الذي قد يدعو صاحبه للتقوى بمن يدعمه من صاحب سلطة أو مال، والفتاوى اللا دينية باسم الدين تجعل من الصعب وجود قاسم مشترك، كما أن الهياج السياسي لم يترك للفرد وسط هذا الخضم الفوضوي وقتاً لقراءة متأملة وبحث فكري، يندر أن تجد الإجابة الصحيحة عند من تسأله لماذا بُعث رسول الله؟، قد يقول بعضهم ليحمل السيف ويقاتل لفرض الإسلام على الناس، وقد يقول آخرون إنما جاء ليعلم الناس الصلاة والزكاة والصيام والحج، وقد يقول آخرون أيضاً إنما جاء ليلغي الرسالات السابقة كأنها لم تأتِ من عند الله وبرسل يجب الإيمان بهم، فلو كان هناك مجال لسماع الآخر ناهيك عن قبوله لأمكن وجود ما يمكن أن يلملم بعض هذه الخلافات، فليراجع الباحث وراء الحقيقة وليسمع من له أذن واعية أن رسول الله “صلى الله وبارك عليه وآله” قال: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، فلو صحب أي تيار فكري أياً كان اتجاهه صالح الأخلاق لأمكن وجود قاسم مشترك يؤسس لخلق واقع جديد.
{ لكم اجتهاداتكم في الفكر الإسلامي وقمتم بإصدار العديد من المؤلفات التي ظهرت في المكتبات السودانية والعربية.. فما هي أسس ومرجعيات مشروعكم الفكري لاسيما وأن خصومكم مازالوا يلاحقونكم بالاتهامات المذهبية؟
– ما قمنا به في هذا المجال هو نتيجة لاعتقادنا بأن النص مقدس والفهم غير مقدس، لذلك وجدنا أن الميزان في الفكر الإسلامي لا يوقف على ما جاء به السلف، إذ لا بد من الاحتكام في المسائل الدينية خاصة إلى كتاب الله مع إثبات العصمة لرسول الله “صلى الله وبارك عليه وآله”، فهنالك من جعل مرجعيته القرآن العظيم ورفض ما جاءت به المصادر من كُتب للحديث والتفاسير، وهذا يجعل المرجعية حقيقة لنفسه لأنه هو الذي يفسر بطريقته ولا بد من ضابط، ولا يوجد هذا الضابط إلا باعتماد عصمة رسول الله “صلى الله وبارك عليه وآله”، وهناك من يقدس المصادر ويحاول الانتصار لها ولو خالفت نصوص القرآن معتمداً على الجرح والتعديل غير ملتفت للمتن الذي قد تكمن فيه المخالفة!
لذلك رأينا أن نضع ميزاناً وهو القبول من المصادر الإسلامية ما لا ينتقص من الذات الشريفة المحمدية أو القرآن العظيم مهما كان قيمة المصدر عند من يعتقدون، ولهذا فإن الذين لا يقبلون غير القرآن مصدراً يرفضون هذا المنهج، وكذلك الذين يقبلون كل ما جاء في المصادر على علاتها يجدوننا في خلاف معهم ويصدر عنهم الحكم المسبق والاتهام غير المؤسس.
{ مسألة عصمة النبي (ص) مرتكز أساسي من المواضيع التي فيها أكثر من رأي لدى البعض؟
–    يرى البعض أن النبي “صلى الله وبارك عليه وآله” معصوم فقط فيما أُنزل إليه من ربه، ويرى آخرون أن النبي “صلى الله وبارك عليه وآله” معصوم فيما أُنزل إليه من ربه وفي تعليمه الدين للناس (الرسالة) ولا عصمة له في تعامله مع الناس، ويرى آخرون أن النبي “صلى الله وبارك عليه وآله” حق وإن مزح لا يقول إلا حقاً (وما ينطق عن الهوى).
فعصمته عندنا “صلى الله وبارك عليه وآله” لا يقال فيها إنه يخطئ.. فالذي يخطئ هو المتبع، وأما رسول الله “صلى الله وبارك عليه وآله” هو الذي يخط الطريق للمتبع، فالذي يخط الطريق لا يحاكمه المتبع ولا ينتقد شيئاً من سلوكه وعلمه.
{ يرى البعض أن المذاهب الإسلامية عمقت من أزمة الأمة المسلمة وأصلت للاختلاف.. بينما يرى آخرون أن الاختلاف رحمة وساعد في حفظ الدين.. كما يرون أنها منهج السلف الذي يجب المحافظة عليه؟
– حقيقة وجود مذاهب يعني الاختلاف، يقول البعض إن الاختلافات في الفروع، ولكن لو قلنا مثلاً إن الصلاة عماد الدين عند كل المسلمين فإن “مالك” يشترط لصحتها السلام المعرف بالألف واللام، بينما يقول “أبو حنيفة” إن الإنسان إذا جلس الجلوس الأخير وأحدث قبل أن يسلم فصلاته صحيحة، وعنده أيضاً لو توضأ الإنسان بالنبيذ يجوز له أن يصلي.. فهل هذا خلاف فرعي؟ ويقول “أبو حنيفة” (الفاتحة) في الركعتين الأوليين فقط، فهل تجوز الصلاة بهذه الطريقة عند أصحاب المذهب (المالكي) و(الشافعي) و(الحنبلي)؟ ولقد قال “عبد الله بن أحمد بن حنبل” عن أبي حنيفة أنه أبو حنيفة وأنه مات زنديقاً، وهل يرى في هذا الأمر رحمة بمجتمع الأمة الإسلامية؟ وإذا كان الاختلاف رحمة فما الاتفاق إذن؟
أما من يرى أن المخرج في منهج السلف فقط، فهو يدعو إلى تحجيم العقل وحصر الفكر وقتل الإبداع ورفض ما يمكن أن يمن الله به على من يشاء من عباده، لذلك أصاب من يدعون بذلك الحياة الفكرية بالجمود والتخلف لجئوا لغير الفكر كوسيلة لما يدعون.
{ الساسة والمنفذون يتهمون المفكرين بأنهم حالمون يسبحون في فضاءات فكرية لا تواجهها التقاطعات المختلفة حينما يراد تنزيل الفكرة إلى أرض الواقع؟
– الساسة وأصحاب السلطان اهتمامهم دائماً منصب بما يبقي سلطتهم، فتفكيرهم لا يتعدى العمل بما يبقيهم في السلطة، وقد لا يكون لديهم متسع سوى جمع المال اللازم لذلك، فتكون معالجاتهم للمشاكل الاجتماعية مصابة بالشلل وضيق الأفق لصرف جل وقتهم في العمل الإداري، مما يجعل قبول فكرة تسع المجتمع أو الكل غير واقعية في نظرهم.
{ يؤمن الكثير من الفرق والجماعات الإسلامية بفكرة المخلِّص أو المجدد أو (المهدي المنتظر) وقالوا إن أوان ظهوره قد جاء.. هل هذا صحيح.. وهل المسلمون اليوم بحاجة لمجدد أم فكر تجديدي؟
– فكرة المخلِّص توجد عند أصحاب كل الرسالات، ويقال إن كل أمر إذا اكتمل وتم لا بد من بعد التمام النقصان، وقد وصل العالم فيما يبدو مرحلة بعيدة من تمام الفساد الأخلاقي وأصبح الإنسان المتهم مذنباً حتى يثبت هو براءته خلافاً لكل الشرائع السماوية والاجتماعية والأخلاقية، ولابد من تصحيح هذا الأمر وكما قيل (ما أحوج العالم اليوم إلى محمد)، وكما هو معلوم لا يخرج مصلح اجتماعي إلا في مثل هذه الظروف وكل مجتمع لا يقوم إلا بمثله الأعلى.
{  يلاحظ أنك لا ترد على من يلاحقونك بالاتهامات المذهبية وخاصة أن هناك من ينشط فيها ماذا تقول؟
– أقول لهم (هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ) والفكر يرد عليه بما يماثله بعيداً عن الإساءة والحكم المسبق والتحيز بغير حق، فلينظر كل إنسان إلى ما قدمت يداه، لأن كل عمل سيلقاه في يوم تعز الشفاعة فيه إلا لرسول الله “صلى الله وبارك عليه وآله”.
{ ماذا يشغل بال شيخ “النيل أبو قرون”؟
– هل ينظر المسلمون باعتقاد وإتباع وصدق وإخلاص إلى أن النبي “صلى الله وبارك عليه وآله” بعث ليتمم صالح الأخلاق! وهل عندما فتح مكة أمرهم ليقولوا لا إله إلا الله؟ إن المسلمين من خلق رسول الله “صلى الله وبارك عليه وآله”.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية