أخبار

الطوفان القادم

{ أثناء مروري في الشارع العام وجدت خلافاً كبيراً بين طفلين لم يتجاوزا الثامنة من عمريهما، تعاركا بما فيه الكفاية، ثم انقض أحدهما على الآخر بصورة فيها كثير من التشفي والغل، ثم أقدم على استخدام حجر كبير وأراد أن يهشم به رأس صديقه بصورة تدعو للاستغراب. وحينها حاولت أن اتدخل بعد أن اصطف الأطفال الحاضرون للمشكلة في صفين متوازيين، وحاولت عبثاً أن أثنيه عن ما يقوم به، وطلبت منه أن يتريث ويعفو عند المقدرة، لأن القرآن الكريم ورسوله يطالبان بذلك، ثم دلفت لمنطقة يبدو أنها بركان متجدد أصابني بالذهول وأنا أستمع لكلمات الطفل عندما طالبته بالاعتذار لأخيه قائلاً (ما بعتذر ده “…..” ساي) وقال كلمة عنصرية.
{ تمالكت نفسي واعتذرت للطفل (المضروب) وغادرت المكان وفي مخيلتي ملايين الأسئلة والاستفسارات حول العنصرية وأزماتها،  التي تبين أنها واحدة من المشاكل التي تواجه السودان الآن، وذلك من خلال تربية معيبة تشبعت بموجبها الأجيال وتمخضت من خلال مشاهد نراها في أماكن مختلفة تبلورت وتمحورت وصنعت غبنا داخلياً ساهم بشكل كبير في كل المشاكل التي يتعرض لها السودان،  ودونكم ما سمعناه من إخوتنا الجنوبيين أبان الانفصال، وأذكر أن العاملة في منزلنا قد قالت لي صراحة (انتو جنا عرب ديل ما بنقعد معاكم لأنكم حقارين)!! فحينها أدركت حجم الإحساس بالظلم والاحتقار الذي تكتنزه “شول” في دواخلها تجاهنا في الشمال الأمر الذي سارع بالانفصال بالأغلبيه.
{ والسؤال الذي يسيطر على كل الجلسات المختلفة يدور في مفهوم واحد يؤطر لذات المعنى (جنسك شنو)؟! مما يعطي إحساساً بأننا جميعنا مشاركون في ما نراه الآن من أوضاع متقلبة وأزمات طاحنة ساهمنا فيها بقدر كبير، وليكن النظر بتمعن في أحداث دارفور والطريقة التي يتحدث بها “عبد الواحد” ومن قبله الدكتور “خليل إبراهيم” وغيرهما من أبناء الغرب، ثم أركن قليلاً إلى “الحلو” وما يردده في كل المجالس والإذاعات، ومن ثم ضع تصريحات بعض مسؤولينا علي ذات الطاولة.. ستجد أن السبب الأساسي لأزمات السودان في العنصرية المفروضة من خلال تربية غير سليمة أسست لهذه المفاهيم التي صنعت هوة واسعة استوعبت كل مشاكل البلاد.
{ الزواج نفسه الذي يعتبر سنة شرعية قد أحيطت بذات المفاهيم، وقيد بهذه العبارات العقيمة، للدرجة التي أضحت واحدة من أهم شروط وبنود الاتفاق الذي حلله الله من أجل تكريس واستمرار الحياة في كوكب الأرض، مما يعني ضمنياً أن ما يدور في السودان نتيجة لمخططات غير معلنة تشربناها بلا وعي ونفذناها بغباء نحسد عليه.
{ العنصرية التي شاهدناها في الأفلام والمسلسلات الأجنبية لم تتجاوز بعض الخطوط، بل أقرت بالآدمية البشرية، وأكدت حرية الأديان وسمحت بالتزاوج، وحاولت في كثير من الأحيان أن تترك الأبواب مشرعة من أجل إصلاحات تعينهم على تطوير بلادهم طالما أن الفكر والعقل هما من يحركان البني آدم.
{ تربع “أوباما” على عرش أمريكا ليغلق هذا الباب الواسع في أكبر دولة في العالم، لأن المطروح في أرض الواقع بين أن الأحقية لمن يقدم عطاءه المجيد بعيداً عن الانتماء العرقي أو الديني، وفي المنحى ذاته قد سارت فرنسا وغيرها من دول العالم من حولنا.
{ في السودان القضية العنصرية تتطور يوماً بعد الآخر وتصنع مساحات كبيرة بين الشماليين وغيرهم من الأجناس، الأمر الذي ساهم في تعميق الجراحات والشعور بالإهانة والذل والبحث في مخارج للتفشي والانتقام، مما جعل البلاد على فوه بركان قادم.
{ العنصرية والجهوية والتفاخر بالأنساب واحدة من الأزمات الحقيقية في السودان، وأرجو أن ينتبه القائمون على الأمر لاستيعاب هذه التفاصيل التي ستكلف السودان كثيراً حسب وجهه نظري، لأن الحراك الإسرائيلي قد تناول هذه الجزئية واستخدمها بذكاء من أجل تقطيع أجزاء السودان والقضاء عليه ليتمكن من نهب الثروات التي ننعم بها.
{ فكروا جيداً قبل الطوفان القادم.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية