رأي

خطل المادة (149) من القانون الجنائي.. ما زال الدم ينزف!!

اللوحة التراجيدية السوداء تتراءى أمام الناظر كطيف شاحب في الفضاء يعزف أوركسترا المواويل الحزينة، وتعكس ملامح الألم والدموع المخضبة بالجهل والتحقير الإنساني.
إنه خطل المشرع الذي رسم المادة (149) في القانون الجنائي، فقد كان قاسياً ومتجبراً على حقوق المرأة من خلال رؤية كلاسيكية لا يمكن وصفها إلا بتجسيد الفكر القديم الذي كان معادياً للنساء في القرون الوسطى.
وبذات القدر، فقد كانت اللوحة البليغة ماثلة للعيان تعكس الجهود المضنية والتحركات الواعية من بعض دهاقنة المجتمع المدني والخبراء والاختصاصيين، وهم يناطحون الصخر ويفجون الصعاب في محاولة للوصول إلى الغايات المنشودة المتمثلة في إيجاد المعالجات الذكية للظلم الواقع على المرأة السودانية، وإضاءة المصابيح حول العنف الذي يستهدف النوع الاجتماعي، فضلاً عن فك الطلاسم والمفاهيم المغلوطة المتعلقة باتفاقية (سيداو).
كانت هنالك الأستاذة “منال عبد الحليم” وهي سيدة متألقة في بلاط القضايا الإنسانية وعالم المجتمع المدني، وقد اتسم حديثها بالشفافية وإيقاعات المحاججة عن حقوق النساء في الاتفاقيات الدولية وإزاحة المكنونات الفائتة على الكثيرين حول جدوى وأبعاد اتفاقية (سيداو)، فيما قطع الأستاذ “محمد عبد السلام” أشواطاً بعيدة في مجالات الاتفاقيات والمعاهدات والمواثيق الدولية وكان موفقاً وحاذقاً.
وفي الصورة المقطعية انبرت الأستاذة “فهيمة عبد الحفيظ” تتحدث بالمنطق والحجة عن خطورة أشكال التمييز ضد المرأة، وطالبت الدولة بمراجعة القرارات والسياسات حيال الظلم والتقصير الذي يواجه المرأة.
أما اللفتة الساطعة فقد تأطرت في إفادات الأستاذة المتألقة “زينب عباس” عندما تناولت بالدقة أبعاد دور المحكمة الجنائية الدولية في محاكمة مرتكبي جرائم الحرب والإبادة الجماعية والانتهاكات الدولية والمخالفات ضد الإنسانية، حيث أشارت إلى ما حدث في رواندا ويوغسلافيا السابقة.
وفي الإطار ركزت الأستاذة “ليمياء الجيلي” بأسلوب مبتكر على قضايا المناصرة من خلال حملة إعلامية مبرمجة تصل إلى صناع القرار بمنهج سلس يؤدي في نهاية المطاف إلى إمكانية استرداد الحقوق ورفع الحيف.
أما الأستاذة “مديحة عبد الله” فقد اتسم حديثها بالجرأة والقوة حول تطبيق الأسلوب الأمثل لتسليط الأضواء على قضايا العنف وممارسات التحقير والاستهانة بالمرأة، وطالبت بكثيف الخطوات العملية وخلق وسائل الضغط الناجعة لإيقاف المنهج الصارخ المعادي للنساء في المجتمع السوداني.
المحصلة.. لقد تناثرت كبسولات التلاقح الفكري والتبادل المعرفي في ذلك الجو الصحي والمناخ الفخيم بين هؤلاء العلماء ورموز المجتمع المدني، وهم يركزون على بيت القصيد وموطن الداء المتمثل في المادة (149) من القانون الجنائي المليئة بالألغاز والأشواك والمفاهيم المطاطة، فقد جاءت مصممة على محاربة المرأة والحد من دورها الإنساني والنوعي كأنها كماشة على رقاب النساء.
وبالفعل كانت هنالك جاذبية كهربائية في تلك المداولات والمناقشات للوصول إلى آلية واضحة تساعد على تغيير المادة (149) من القانون الجنائي.. فالدم ما زال ينزف من فرط الظلم والاستهداف الذي يحاصر المرأة في مفاهميم تلك المادة.
الصورة الفاعلة عكست ماكينة الحوار الناجح حول فلسفة العدالة المستندة إلى النوع الاجتماعي، فقد كانت متحركات المداولات والمحاججة قائمة على إزالة الركام عن وجه المرأة وقوانين التعسف والظلم في المجتمع من خلال سلاح الإعلام الفريد.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية