رأي

من أطلق الرصاصة على صديقي؟!!

التجانى حاج موسى

قبل أيام قليلة، حدثتكم عن صديق عمري “شرحبيل التجاني” القاضي الذي أصيب بطلق ناري عند مدخل مدينة أم بدة محطة ود البشير” الردمية” حينما كان واقفاً في صف الرغيف.. وقتها كان الوقت قبيل المغرب قبل يومين من عيد رمضان.. ويا له من عيد محبوسين في منازلنا غصباً.. الرصاصة التي اخترقت جسد صديقي كانت ضمن رصاص متناثر، والكر والفر بين العسكر الذين كانوا يعملون في إزالة المتاريس.. ويا لها من وسيلة احتجاج تمنع الحركة وتشل العديد من النشاط الإنساني.. وسيلة ضغط.. صابنها!! حمدنا الله أن الرصاصة دخلت ناحية المحسن وخرجت من الظهر ولم تتلف أي عضوٍ حيوي.. ثم كان موضوع سرير المستشفى.. مستوصف بالعرضة وآخر بشارع الأربعين ثم مستشفى الشرطة، ما في كلام آخر نظام ونظافة تمام.. هناك أخبرنا الطبيب أن الرصاصة هشمت عظمة البلية ويمكن إزالتها بعملية بسيطة تستبدل فيها العظمة المهشمة بأخرى اصطناعية (بلية) ،حدد الطبيب ظهر (السبت) الماضي ميعاداً للعملية فذهبنا مجموعة من أصدقاء صديقي “شرحبيل” الناشط الثقافي الراقي عف اللسان حسن السجايا أفضلنا قاطبة.. كان هو الذي ينسق منتدانا الشهير (منتدى الحروف) الذي يضم كوكبة نيرة من أهل الفكر والثقافة والفنون منهم على سبيل المثال الشعراء “هلاوي” د.”محمد فرح شادول” الفريق “عمر قدور” “الفاتح حمدتو” “محمد نجيب محمد علي” “بشرى سليمان” “كمال الجزولي” “إسماعيل الأعيسر” ومن أهل الإعلام “شكر الله خلف الله” “عوض أحمدان” ومن الفنانين “أبو عركي البخيت” و”عوض كسلا” و”حسون” و”عادل التجاني” وعدد مهول من الفضليات الإعلاميات والأديبات والشاعرات، و”مصطفى أبو العزائم” ومن ذكرتهم على سبيل المثال “ود عز الدين هلاوي” والعميد الموسيقار “عمر الشاعر” و”عبد القادر” و”عبد المنعم الكتيابي”.. المهم من ذكرتهم على سبيل المثال، كلنا كنا نستعد لنقيم حفل معافاته.. وقبيل إجراء العملية بدقائق طمأننا الجراح بأنها عملية سهلة.. لكن الذي حدث أنه رحل وفارق الحياة بعد دقائق من دخوله غرفة العمليات ظهر (السبت) الماضي.. والكل في وجوم وحزنٍ وبكاء وذهول ولكم أن تتصوروا حزن الفراق بالنسبة لي وأنا صديقه لأكثر من أربعين عاماً!! وجمعنا الراحل في خيمة العزاء كل يعزي الآخر بالنحيب والبكاء!! يا لرحيلك السهل السريع يشبهك ذلك الرحيل.. فقد كنت سهلاً مريحاً حساساً رقيقاً في حركاتك وسكناتك يرحمك الله وهنيئاً لروحك الشهيدة، ألم تغادرنا إلا بسبب تلك الرصاصة الطائشة التي لا نعلم حتى الآن من أطلقها!! متى تسكت البندقية عن إطلاق الرصاص في هذا البلد الذي كان إلى وقت قريب هادئاً وجميلاً وأهله مثال الطيبة والكرم، ومتى تنام الخرطوم هادئة مطمئنة، وأنا الذي غنيت لها ونظمت (يا جمال النيل والخرطوم بالليل.. يا راضعة من نيلين حضنوكي من أزمان يا قبلة الزائرين يا درة السودان)، أمست الخرطوم عاصمة مفزوعة تحيطها وتسد طرقاتها المتاريس ويطلق أبناؤها الرصاص يردون به أخوانهم وأخواتهم وقائمة شهدائهم تتكاثر يوماً بعد يوم!! لماذا وكيف ولِمَ؟! وكل علامات الاستفهام والتعجب تعقد ألسنة الجميع!! هل هي لعنة أصابت بلدنا الذي قالوا عنه يوما إنه سلة غذاء العالم!! وإن احتياطي الماء في هذه الدنيا من أنهاره العذبة ومن مياهه الجوفية!! وكنوز الخيرات التي لا حصر لها متوفرة فيه!! ترى!! أ لهذه الأسباب ألبوا علينا التناحر والشجار!! والآن يبحث أهل القضاء عن من أطلق الرصاص ومن أشعل نار الشقاق والخلاف!! ونسمع عن شجار هنا وإخماد انقلاب هناك ونهب وذبح وحرائق تلتهم أشياءنا التي شيدناها من مؤسسات!!
والحق عز وجل أطعمنا من جوع وآمنا من خوف!! لكننا صرنا نصنع الخوف ونسرق الطعام ابتغاء عرض دنيا زائل!! وفارقت الابتسامة وجوهنا السمراء وصرنا نعادي بعضنا البعض، وصنعنا معسكرات عداء هذا إسلامي وهذا يساري وهذا معارض وهذا مع النظام!! أين النظام؟! وهذا يمثلني وذاك لا يمثلني!! وعسكرية لا!! ومدنية أيوه!! وتكنوقراط حكومة كويسة وعساكر لا!! ويسار ويمين ووسط.. والأمر في جملته إهدار لوطن من أجمل أوطان الدنيا ، شهد ميلاد حضارة الإنسانية وإنسانه مؤمن بالله والفطرة لا يحتاج إلى من يعلمه أصول الدين.. فالأمر في فهمي المتواضع أشعلنا غريزة الأنا والأنانية والجشع وحب المال الحرام وابتغاء عرض الدنيا ونسيان اليوم الآخر.. والحكومة يا جماعة الخير ناس شوية من أهل البلد شرفاء يسيرون دفة الحياة ليطعموننا حلالاً ويؤمنوننا من الخوف.. زمان العمدة وشيخ الحلة وإمام الجامع يفعلون ذلك ولم يتلق سوى آيات من القرآن وأحاديث من السنة أصلت فيهم أعرافاً وتقاليد وقيماً خيرة كانت وقوداً لإنسان السودان الذي كان يتمرغ في النعيم حتى ستينيات القرن الماضي!!
من أطلق الرصاص؟! ومن يدفع بالوطن إلى الهاوية.. والرحمة والمغفرة من عند الله لصديقي والبركة في ذريته.
في ظني كان لسة
تعيش سنين وسنين
وأحلامنا تتحقق
ونسعد مع الباقين..
والإخوة والحبان
وزمرة الحلوين
تاري القدر قدر
ترحل مع الراحلين
طوفان من الأحزان
ودموعنا مالية العين
وبعد الرحيل أها كيف؟!
كيف نحتمل بعدين؟!
يا “شرحبيل” يا زول
ذي نفحة الياسمين
يا عُشرة طيبة أظن
موروثة من طيبين
يا هادئ..
يا حساس..
والله كلك زين
ما شفت زيك زول
لا الفاتو
لا الجايين!!
أهلك وناس البيت
بالحسرة حزنانين
أما الصحاب، أسكت،
لي هسه محتارين..
يا “شرحبيل”!! قول لي:
مين البلم الناس
للمنتدى بعدين؟!
ومنو البنقرش ليَّ
وأغني لإبراهيم؟!
ومنو البزبط بوش
شان يطعم المسكين؟!
ومنو البلم (الشير)
لي علاج مريض وحزين؟!
رحلت معاك حاجات
ما أظن تعود بعدين
الصدق والإخلاص
والعفة والإحساس
الكانو مرسومين
في وجهك الممراح
دايماً بشوش ورزين
ارتاح يا صاحبي هناك
كم كنت بتعاني
شان تسعد الباقين
والله يشهد ليك
ملاك وإنساني
أهو شاءت الأقدار
تسبب الطلقة
في أجلك المحتوم
أصلو العمر فاني
في يوم عصيب معلوم
ارتاح هناك أخوي
في جنة الرضوان
أصلك شهيد الآن
وموعود مؤكد أكيد
بي رحمة الرحمن
والبركة في الخليت
يا صاحبي يا إنسان

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية