تبقى الأزمة!
} قبلت الحكومة مقترحات “أمبيكي” أم رفضتها! انساب البترول أم توقف؟ فتحت الحدود أو أغلقت.. ستظل العلاقة بين “الخرطوم” و”جوبا” متوترة ولها قابلية الانفجار ونشوب حرب حدودية تحطم اقتصاد الدولتين وتهلك ما تبقى من الأنفس.. وقابلية العلاقة بين البلدين للانفجار والتأزم سببها الحرب الحدودية في منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، وإقبال قيادات المنطقتين من السياسيين نحو جوبا كوجهة جديدة بديلة عن “القاهرة” و”طرابلس” حيث ظل السودان منذ عام 1956م، يضيق بالمعارضين من أبنائه فيلوذون بدول المهجر بحثاً عن الخلاص الشخصي بعد أن يفشلوا في الخلاص الجمعي!
وجوبا اليوم تحتضن أبناء المنطقتين من اللاجئين بسبب الحرب والمرتبطين بالجيش الشعبي منذ عام 1983م، وهؤلاء عددهم يفوق الـ(20) ألف مقاتل، فكيف تستقيم العلاقات بين الدولتين وكل أسباب التوتر والصراع شاخصة أمام عيون القيادات، ولكن من يقنع “أمبيكي” أولاً بأنه يحرث في البحر ويجدف في البر ويختار طريقاً خاطئاً لمعالجة قضية ينبغي علاجها.
} الأزمة بين “الخرطوم” و”جوبا” معلنة في الرأي العام، فلماذا ينتهج “أمبيكي” السرية في طرح خارطة حل الأزمة حيث لا يعرف أحد ماهية المقترحات التي تقدم بها “أمبيكي” لاحتواء التوتر الأخير؟ وهل تضمنت تلك المقترحات الأسباب الجوهرية للنزاع المتمثلة في قضايا جبال النوبة والنيل الأزرق ووضعية أبيي؟ أم لا يزال الرجل يمسح براحتيه على الصوف ولا يأبه لعنصر الزمن وتسلل المفردات القاتلة من أفواه السياسيين لشحن (بطاريات) الخلاف.. حتى تبدت ملامح شخصنة الأزمة بين القيادات هنا.. وهناك!
} إذا التزم الطرفان بقرار محكمة تحكيم لاهاي التي حددت بصفة قاطعة حدود أبيي.. وحسم الخلاف حول من يحق له التصويت في استفتاء أبيي، فإن القضية ستنقشع سحابات أزمتها.. أما النقاط الحدودية فهي قضية انصرافية لا معنى لها.. كل دول العالم لها خلافات حول الحدود ولكنها تتجه للتكامل لا التنافر وتبادل المصالح لا.. المقاطعة.
فليذهب الطرفان للتحكيم الدولي حول الحدود وليعش الشعبان في إخاء ومودة وتبادل مصالح.
} أما العقدة التي يستعصي حلها فهي قضية النزاع في المنطقتين بعد أن زج بقضية دارفور في أتون الصراع، وأصبحت الجبهة الثورية هي البديل لقطاع الشمال وترفض الحكومة مبدأ تقاسم السلطة مع حاملي السلاح، إلا إذا تفككوا لجماعات صغيرة.. ولا تعترف بالجبهة الثورية ولا تقبل بمشاركة لقطاع الشمال في المركز، وتسعى لحصره في (كراكير) جبال النوبة والنيل الأزرق، فهل المواقف المتباعدة يستطيع السيد “أمبيكي” سد الفجوة بينهما ورد الهوة التي تفصلها؟
إن قضية فك الارتباط بين الجنوب ومتمردي قطاع الشمال لا تشكل عقبة كبيرة إذا اتفقنا من حيث المبدأ ماذا يعني فك الارتباط؟ وهل إصدار “سلفاكير” لقرار بفصل كل أبناء جبال النوبة في الجيش الشعبي وطرده حتى الحدود سيحل المشكلة؟ وإذا كان عدد أبناء النوبة وحدهم في الجيش الشعبي (20) ألف، هل الحكومة السودانية قادرة على استيعاب هذا العدد في جيشها؟ وإذا كانت تملك المقدرة.. هل لها الرغبة؟
إن الأزمة إذا نظر إليها كأزمة عسكرية (استيعاب) وفك ارتباط وانتشار وغيرها من المفردات العسكرية ستطول المعاناة ولن تبلغ حلولاً في القرن الحالي.. فإذا وضعت القضية في مسارها الصحيح كقضية سياسية وأصبحت المؤسسة السياسية هي الحاكمة ولها الكلمة العليا فإن القضية يسهل حلها في ساعات ولكن، آه من لكن هذه!