زيارة "مشار" محاولة لنفخ الروح في الاتفاق الميت !!
الخلاف بين القيادات المسؤولة في الجنوب والشمال لم يكن بالأمر الجديد فاعتاد الناس حتى قبل الانفصال على مثل هذا النمط من التعامل بينهما ، وبعد ذلك تنشط الأطراف الوسيطة لنزع فتيل الأزمة داخل وخارج حدود الدولتين، وعلى ضوء هذا يبدو أن حكومة الجنوب، بعد أن أعلنت حكومة السودان وقف تصدير نفطها وتجميد اتفاقيات التعاون المشترك معها، قررت بعث نائب رئيس حكومتها الدكتور “رياك مشار” على رأس وفد وصف بالرفيع إلى السودان للتباحث مع حكومة السودان حول قرار إيقاف ضخ النفط ، حيث أشار الإعلام إلى أن حكومة الجنوب كشفت عن زيارة مرتقبة لنائب رئيس دولتها “رياك مشار” إلى الخرطوم لإجراء مناقشات معها للتراجع عن قرارها بوقف تصدير نفط الجنوب عبر الموانئ السودانية.
وقال وزير إعلام حكومة جنوب السودان “برنابا مريال” في تصريحات صحفية بجوبا إن مجلس وزراء حكومة الجنوب صادق على تكليف نائب الرئيس “رياك مشار” بزيارة الخرطوم مع وفد رفيع المستوى خلال الأيام القادمة، وعقد مباحثات مع النائب الأول لرئيس السوداني “علي عثمان محمد طه”.
وأضاف “مريال” أن هذه الزيارة ستبحث أزمة النفط الملتهبة بين البلدين، وإنقاذ مسار العلاقات الثنائية بين “جوبا” و”الخرطوم” من الانهيار.
ووفقاً لتأكيدات السفير الصيني في حكومة الجنوب عقب لقائه “مشار” بجوبا ينبغي أن يسبق الزيارة تشكيل لجنة رفيعة المستوى للتفاوض مع السودان، ويذكر أن دكتور “مشار” كان قد تم اختياره من قبل حكومة الجنوب لمتابعة سير تنفيذ اتفاقيات التعاون المشتركة بين حكومتي الشمال والجنوب مع نظيره في الحكومة السودانية النائب الأول لرئيس الجمهورية “علي عثمان” قبل هذه المستجدات التي أدت إلى إغلاق أنبوب النفط. كما أصبح شبه المعلوم بعد نشوب أي أزمة بين الدولتين بروز اسمَيْ “مشار” و”طه” للجلوس والتفاكر حول أبعاد الأزمة؛ والسبب ربما يعود للعلاقة التي تربط “مشار” برصفائه في حكومة الشمال، على الأقل لم تُرصد له مواقف صدامية معهم حينما كانوا شركاء في السلطة.
زيارة نائب رئيس حكومة الجنوب إلى السودان يمكن قراءتها في سياق رغبة “جوبا” في حل الأزمة والتوصل إلى حلول، وبالمقابل حكومة السودان جعلت الباب موارباً، وما يؤكد ذلك حديث وزير الإعلام الذي لم يستبعد فيه تراجع حكومته عن قرارها حال التزام حكومة الجنوب بعدم دعم الحركات المسلحة خلال (60) يوماً قبل تنفيذ عملية الإغلاق نهائياً.
كما قيل إن هناك زيارة تمت من قبل وزير النفط السوداني “عوض الجاز” أمس للجنوب بغرض التفاكر في هذه القضية. وبالعودة لزيارة “مشار” واستناداً على هذه الخلفية تصبح مسألة مرور النفط عبر أراضي الحكومة السودانية مربوطة بما يتمخض عنه لقاء (طه- مشار) وبالضرورة على ضوء وجود مشاركات خارجية أشارت إليها سفيرة “واشنطن” لدى الجنوب “سوزان بيج” حينما كشفت عن لجنة رفيعة المستوى تضم بلادها و”النرويج” و”بريطانيا” لحل القضايا الخلافية سبقها القائم بالأعمال الأمريكي لدى السودان “جوزيف استافورد” بلقاء وزير خارجية السودان “علي كرتي” لمناقشة ذات الموضوع، لكن دعونا نسأل هل يملك “طه” و”مشار” قرار حل هذه الأزمة، وما هي حدود التفويض الذي سيمنح لهما لأنه في حكومة السودان قرار تعليق تصدير نفط الجنوب عبر الشمال اتخذ من قبل أعلى سلطة في البلد وهو رئيس الجمهورية، والأستاذ “علي عثمان” منذ فترة طويلة صار بعيداً عن هذا الملف الشائك، وفي الجنوب لم يستطع الرئيس “سلفاكير” رئيس الجمهورية والقريب من تيار أولاد “أبيي” وقطاع الشمال إثناء جيشه الشعبي وبعض قياداته النافذة الممسكة بملف الجيش والسلطة من قرار دعم وإيواء الحركات المسلحة بما فيها الجبهة الثورية، فكيف يستطيع “مشار” الذي بدا أنه على خلاف مع “سلفاكير”؛ ولهذا السبب قام مؤخراً بتجريده من بعض المسؤوليات على خلفية ما أثير حول رغبة “مشار” في الترشح إلى منصب الرئاسة في الانتخابات القادمة، أما بالنسبة للقيادات الأخرى التي قلنا إنها قابضة على السلطة فليس هناك تفاهمات بينها والدكتور “مشار” الذي ينظر للأمور بمنظور علم السياسية وما ينبغي فعله لتفعيل المصالح التي تعين في إدارة دولاب الدولة، فيما لم يزل هؤلاء يعتمدون على الجيش والبندقية في حسم معاركهم، أضف إلى ذلك أن “رياك مشار” يمكن أن يسهم في تلطيف الأجواء بما يملكه من مقبولية لدى مسؤولي حكومة الشمال، لكن لا يستطيع الجزم أو البصم على التزام حكومة الجنوب بعدم دعم الجبهة الثورية لأنه لا يملك هذا القرار.
وهذا ما ذهب إليه الدكتور والمحلل المعروف “عمر عبد العزيز” في مهاتفة مع (المجهر) عندما قال: (دائماً ما يكون التزام الشخص الأول هو الأقوى في إشارة لسلفاكير إذا توفرت الإرادة السياسية)، ومضى في حديثه: (لا أتوقع أن تنجلي المعركة بين يوم وليلة، وإنما سيطول أجلها حتى ينجز حلفاء حكومة الجنوب شيئاً خلال مهلة (60) يوماً، ويكون الجنوب قد أعطى فرصة لحلفائه للعمل العسكري، وما يؤكد ذلك هو ما تقوم به هذه الحركات من هجوم في عدة جبهات). وأشار إلى أن الجنوب يمكن أن يكون جاداً مع نهاية المهلة. وبدوره اعتقد بروفيسور “حسن الساعوري” أن (“سلفاكير” وضح أنه لا يتمتع بالنفوذ القوي الذي يستطيع عبره الترجيح بكفة أولاد “قرنق” الذين ثبت أنهم أصحاب السلطة في الحكومة والجيش وهو- أي “سلفاكير”- لم يكن صاحب السلطة في حكومة الجنوب، ولا أعتقد أن “رياك” له هذه الميزات لكن الفرصة مفتوحة للمباصرة و”سلفاكير” حاول هذه المباصرة بإرسال نائبه “رياك مشار” لكن إلى أي مدى يستجيب الناس لهذه المباصرة سيبقى هذا هو المحك؟).
إلا أن “دكتور عبد اللطيف البوني” كانت له وجهة نظر مختلفة اعتقد خلالها أن مجرد تفكير حكومة الجنوب في بعث رجلها الثاني يعتبر عملاً إيجابياً يدل على أن حكومة الجنوب تسعى إلى التفاوض وبالمقابل فإن قرار حكومة السودان بإيقاف تصدير نفط الجنوب عبر أراضيها قد أثمر، وبعد ذلك يمكن أن يأتي سؤال القدرات والقراءات المرتبطة بإمكانية نجاح “مشار” في مهمته أو غير ذلك، وأضاف بقوله (نجاح “مشار” يعتمد على قدرته في تنفيذ ما سيتم الاتفاق حوله مع حكومة السودان وما يمكن أن يقدمه السودان من تنازلات في هذا الشأن خلال السقف الزمني).
وأخيراً يبقى الأمل معقوداً في ما يحمله “مشار” من تفويض، فإذا قررت حكومة الجنوب تقليل الدعم أو عدم الإجهار به ربما تنفرج الأزمة، أما إذا جاء “مشار” في زيارة شبيهة بالعلاقات العامة ستظل العلاقات تراوح مكانها.