إشراقة سيد محمود
الحرب الروسية على أوكرانيا .. التاريخ يواصل مسيرته
( الحياة معركة مستعرة بين قوات الخير، وجنود الشر وغرائز الطغيان. وما الرسالات السماوية، ونهضات المصلحين، والحركات التحريرية، إلا بعض مظاهر هذا النضال المحتدم. وقد كسبت الإنسانية كثيراً من المعارك. وهي ماتزال دائبة التقدم والظفر حتى تصل في نضالها إلى مستوى الكمال؛ الكمال الذي يتم فيه التوازن بين القوى المادية والقيم المعنوية فتعمل متعاونة متسقة في خدمة المجتمع وسعادته).
أحمد خير المحامي
كفاح جيل
إن الحرب الروسية على أوكرانيا يبدو وكأنها تقول وبعد صمت طويل إن التاريخ مستمر وانه لم ينته بمايخالف فرضية ( فرانسيس فوكوياما) في كتابه نهاية التاريخ.
لقد كاد العالم أن يستسلم لتلك النتيجة ، بل ان فوكوياما نفسه اتكأ على أريكة الرأسمالية مبتهجا بالنهاية السعيدة المتخيلة لديه بأن التاريخ انتهى، واستقر العالم على وسادة الرأسمالية الليبرالية كنظام أخير للفكر والاقتصاد.
وقد كان كل ما حولنا يشير فعلاً إلى نهاية التاريخ وإغلاق باب الصراع الايدولوجي إلى الأبد، معلناً سيادة القطب الواحد وتربعه على عرش الكون.
ثم فجأة يستيقظ الرأسماليون الليبراليون على صوت الدب الروسى الناهض من البيات الشتوى نافضاً عن فرائه السميك ثلجاً تراكم في شتاء طويل.
(فلاديمير بوتن) القائد الروحي لنهضة روسيا الشيوعية..يحاول تصحيح ومراجعة التاريخ او كما قالت العبارات الروسية الرسمية بعد اعلان الحرب.
إن مجرد دخول روسيا في هذه الحرب سيكون بمثابة اعادة الدوران لعجلة التاريخ.
أوكرانيا..لم تكن مجرد دولة اختلفت مع روسيا الكبيرة.
ولكنها المنطقة المتاخمة للمارد القديم وجزء من الاتحاد السوفيتي قبل سقوط جدار برلين وانهيار المعسكر الاشتراكي. وقد حاول الغرب المنتصر والمتوجس شرا من الشيوعية ان يجعل من اكرانيا سورا يحول دون تمدد النفوذ الروسي .
فمالت اوكرانيا غرباً إلى اوربا حليفة النظام الراسمالي الامريكي الذي امدها بصناعة حربية متقدمة وجعل اراضيها محطة للتجسس على روسيا وقد ذكر (بوتين ) هذا بنبرة واضح فيها الغضب والرفض للسلوك الاوكراني المهدد لبلاده والذي جعل من روسيا سجنا حددت له الجدران الاوكرانية.
روسيا بالطبع لم تقبل من أوكرانيا أن تكو ن مهدداً لأمن روسيا القومي او جسرا لاعدائها. وعدت محاولتها الانضمام الي حلف الناتو خطا احمر لايمكن السكوت عليه.
العالم يتابع الان في دهشة نهضة الروس ومحاولة استعادة التاريخ..
المستشار الالماني يقول..( لن نسمح لروسيا باعادتنا الي رجعية القرن ال١٩)
والناتو يقول(..لن نسمح لروسيا بالاعتداء على قيم الحرية .والديمقراطية)… عبارات كافية لتوضح
عودة الصراع القديم….وحرب النظريات والايدلوجيا حول قيادة العالم.
هنا يتبادر سؤال مهم عن بقية العالم؛ اين العالم الثالث وافريقيا والشعوب المقهورة..من هذا؟
هل هذه الحرب لاتعنيه في شي؟
هل ينتظر انتصاراً لروسيا..يعيد اتزان العالم وتصحيح التاريخ ودوران عجلته..مما يرفع الظلم والفقر عن العالم؟
ام هل يرقب انتصارا لأوكرانيا وحلفائها اوربا وامريكا وحلفهم العسكري الناتو، ليظل التاريخ متوقفا منتهية مسيرته حتى تقوم القيامة.
ام هل يأمل في نفاذ صبر بوتن واطلاق صافرته لقوات الردع النووي كما هدد لتنطلق حربا عالمية يرتاح على اثرها المعذبون في الارض؟
وثمة سؤال اكثر اهمية للعالم الاسلامي والمسلمين ..
هل انتصار الغرب الراسمالي.. في حقبة القرن العشرين كان في مصلحة الاسلام والمسلمين ؟ باعتبار ان الشيوعية الماركسية هي العلمانية المضادة للدين؟
وهل تأكد للعالم الاسلامى ان الرأسمالية الامريكية الليبرالية هي نصيرة للدين والتدين..؟؟
(فوكوياما)..يرى في كتابه نهاية التاريخ بانه لا توجد ايدلوجية تنافس الديمقراطية الليبرالية باستثناء الاسلام حيث يقول ان الاسلام ( باعتباره ايدلوجية متجانسة ومنتظمة ..مع دلالته الخاصة في الاخلاق ومذهبه في السياسة والعدالة الاجتماعية) وهو بهذا يكون المهدد الوحيد للنظام الليبرالي.
فى ضوء هذا فإن العالم الاسلامي
يحتاج الان أن يفكر…ويمعن النظر..
هل محاولة اعادة حركة التاريخ هذه الممثله في الحرب الروسية على اكرانيا قد تعيد صراع التوازن للعالم
هل هذا في مصلحة الاسلام والمسلمين؟
والعالم المقهور أجمعه، باعتبار ان الاسلام لاقى ظلما ومحاولات لاقصائه عن خارطة العالم…لأنه الروح المهددة لمادية العالم.
وقد اعترف بهذا كثير من المفكرين الامريكيين
الذين تحدثوا عن عدم تماشي النظام الراسمالي مع الميتافيزيقيا والتي تشمل اي روحانيات او اعتناق للأديان او ايمان بالغيبيات.
الان روسيا تحارب الغرب الامريكي وحلفائه الاوربيين في الميدان الاوكراني.
وبالرغم من أن اوربا شهدت قبل ذلك عهد التنوير وقيم الثورة الفرنسية من اخاء ومساواة وعدالة، الا انها انتهجت فيما بعد نهجا مخالفا لعقيدتها التنويرية واستسلمت تماما للارض الجديدة .. امريكا ..كمرشدة وقائدة للعالم الراسمالي المناقض تماماً لقيم المساواة والعدالة الاجتماعية.حتى قيمة الحرية التي يوصف بها المجتمع الراسمالي نفسه. هي حرية مشروطة بعدم المساوة. وقد اكد على ذلك المفكر الامريكي( شارلس ويتاكار) فقد قال ( ان الامل في مساواة اقتصادية وهم وخيال…ان الاحرار غير متساويين اقتصايا، فالعدل الاقتصادي نقيض الحرية ونفى لها).
الان هذه الحرب اما ستمهد لعودة القطبين..والحرب الباردة مجددا..والتوازن العالمي.. مما يعني مواصلة التاريخ .
ويعود البحث مجددا عن فكرة دائرية التاريخ. والتي ترى انتصارات وانهزامات متداولة او متبادلة في دائرة مستمرة يكون البقاء فيها للاصلح لفترة تمتد بطول صلاحه وخيره للبشرية.
وقد أشار القران الكريم الي دائرية احداث التاريخ وتغيرها بين النصر والهزيمة تبعا للصمود في الحق والخير ؛ وردت الاشارة في سورة آل عمران الآية ١٤٠ قوله تعالى ( و تلك الايام نداولها بين الناس). صدق الله العظيم.
وختاما
يظل السؤال قائما
هل تنقسم الشعوب المقهورة بين المعسكرين؟ ام تنحاز الي تصحيح التاريخ؟
و اعادة التوازن والعدالة والمساواة .؟؟
ام تختار اعادة مجد عدم الانحياز.؟؟