الـ (100) يوم بحسابات السياسة
{ إسقاط أي نظام حاكم في أي دولة، ليس بالضرورة أن يحتاج إلى (مئة يوم).. فقد نظام (مايو) حكمه وسقطت سلطة الرئيس الراحل المشير “جعفر محمد نميري” بعد (9) أيام فقط من اندلاع انتفاضة الشعب في 27 مارس 1985، ليعلن الفريق أول “عبد الرحمن محمد حسن سوار الذهب”، القائد العام للقوات المسلحة السودانية، في يوم السادس من أبريل، الانحياز للشعب وتسلم السلطة في البلاد لمدة عام لحين قيام الانتخابات العامة. وفي “مصر” تنحى الرئيس الفريق طيار “محمد حسني مبارك” من منصب رئيس الجمهورية بعد (ثلاثين عاماً) على كرسي الرئاسة في أكبر بلد عربي، بعد ثورة ميدان التحرير التي استمرت (16) يوماً فقط، ليخرج الرئيس في اليوم (السابع عشر) معلناً (التنحي) في خطاب تأريخي مؤثر!!
{ إذن، تبدو لي المعارضة السودانية عاجزة ومرتجفة وهي تؤكد على حقيقة برنامج الـ (100) يوم لإسقاط النظام الحاكم، بعد أن أعلنه إنابة عنها الدكتور “نافع علي نافع” مساعد رئيس الجمهورية نائب رئيس حزب المؤتمر الوطني!
{ قبل أن تعد المعارضة برنامجاً من (مئة يوم) أو (ثلاثمائة يوم) لإسقاط حكم الرئيس “البشير”، فإن عليها أن تُصمم برنامجاً فعالاً مدته (ستون يوماً) لإحداث (تغيير) حقيقي في أفكار وهياكل وقيادة أحزاب المعارضة نفسها.
{ إذا سقط النظام فجأة، بترتيب رباني، وقبل انقضاء (المئة يوم)، ودون حاجة إلى قوات (الجبهة الثورية) أو برنامج (هيئة التحالف)، فكيف ومن سيحكم السودان؟!
{ هل ستمارس القوى السياسية (التجريب) و(التدريب) في بلد لا يحتمل أي تجاريب جديدة، ولو لشهر واحد!!
{ ليست هناك قيادة سياسية (ملهمة) الآن في الساحة السياسية السودانية، فيلتف الناس حولها لتكون مشروعاً للبديل.
{ في “مصر” سقط “مبارك”، لأن الدكتور “البرادعي” بدا في أذهان وأحلام وآمال ملايين الشباب المصري، رمزاً مناسباً لقيادة (التغيير)، فالتفوا حوله، وتجمعوا خلفه انطلاقاً من صفحات “الفيس بوك”، وانفتاحاً على (ميدان التحرير). “البرادعي” كان (مفتاح) الثورة، لكنه انسحب من سباق المراحل النهائية!!
{ ولم يكن الدكتور “محمد مرسي” في هامش قائمة الاحتمالات لبدلاء “مبارك”.. لم يكن له ذكر، ولا سيرة، ولا كان مرشح (الإخوان) الأول لرئاسة الجمهورية.
{ الأقدار هي التي جعلت الدكتور “مرسي” رئيساً بديلاً للمهندس “خيرت الشاطر” النائب الأول للمرشد، والمرشح الأول لجماعة الإخوان لمنصب رئيس الجمهورية في انتخابات 2012، قبل أن تستبعده لجنة الانتخابات.
{ ليس هناك (ملهم) سياسي في السودان ليكون (الخليفة) المنتظر، أو البديل الموضوعي، ولهذا ستنتظر المعارضة كثيراً (بحسابات السياسة) إلى أن يأتي أوان (المنتظر)، أما بحسابات الأقدار، فإنه – وحده لا شريك له – يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء.
{ الأولوية ينبغي أن تكون لقيادة ثورة التغيير في أحزاب (الأمة القومي) و(الاتحادي الديمقراطي) و(الشعبي) و(الشيوعي) لإقامة مؤتمراتها العامة، وتقديم قيادات مختلفة.. مفكرة ومجددة وشابة. وحين تبلغ أحزاب المعارضة درجة معقولة من الممارسة السياسية (الديمقراطية) الراشدة داخل أجهزتها ومواعينها، فإن (النظام) سيتيغير تلقائياً ودون حاجة إلى مجهود وبرامج.
{ لا يمكن أن يسمح عاقل في بلادنا بإسقاط النظام ليكون البديل (الجبهة الثورية) بسلاحها ومليشياتها، وقيادتها المتواضعة فكراً وثقافة وسياسية.
{ بالله عليكم.. كيف يمكن أن يسمح شعبنا الواعي بأن يحكم بلادنا “عقار” و”مناوي” و”عبد الواحد” و”الحلو”؟! إذا كانت المسألة “دارفور” و”كردفان” و”النيل الأزرق” فإن من أبناء هذه الولايات علماء وعقلاء وساسة كبار، يحكمون أو يعارضون، ودونكم دكتور “السيسي”، ومولانا “دوسة” و”تابيتا بطرس”، و”منير شيخ الدين” وغيرهم في الداخل والخارج.
{ (البديل الملهم) غير موجود الآن، ولن يأتي إلا بممارسة سياسية حقيقية داخل الأحزاب تنتج جيلاً جديداً، وتثمر فكراً وقيادة.