رأي

مين علمك يا فراش

أخي الحبيب وصديقي “عبد الوهاب هلاوي” أسمح لي أن اكتب عنك هذه السطور لقراء (المجهر) وإن شاء الله يوم شكرك ما يجي.. وليه بكتب عنك؟ من غير ليه! لكن تأتي ضرورة الكتابة لأنني أطالع وأتصفح ديوانك (حاجة آمنة) أشعار بالعامية، وأظنه ديوانك الأول الذي فرحت به غاية الفرح كالأطفال وهم يفرحون بهدايا الأعياد، فالتهنئة لكم أخي الحبيب رفيق الصبا والشيخوخة بإذن الله، والعقبى نفرح جميعاً بديوانك الثاني في القريب العاجل.. لا أعلم سادتي وسيداتي القراء متى تعرفت أو التقيت “بهلاوي” لكن الذي أعلمه علم اليقين في سبعينيات القرن الماضي، وكلانا في معية الصبا ونضارة الشباب، وكان قد سبقني إلى ساحة الغناء عبر بوابة الراحل المقيم العندليب الأسمر “زيدان إبراهيم” له الرحمة والمغفرة، وكلانا مدين “لزيدان” باعتباره سبباً في ولوجنا ساحة الغناء الجميل لأنه دفعنا دفعاً إلى النجومية بتقديمه بداياتنا الأولى من أغنيات نظمناها في بدايات تعاطينا الشعر الغنائي بعامية أهل السودان.. قال عنه الشاعر العظيم المرحوم “محمد عثمان كجراي” والقارئ المتذوق لهذا الشعر يحس بأن هذا الشاعر يملك قدراً كبيراً من حرية التعبير عن تجربته الشعرية الشعورية ويلمس فيه فنية التعبير الرائع وشفافيته وبساطته التي تجعله يتسرب إلى القلوب ويهز المشاعر بانفعالاته الصادقة البعيدة عن مزالق الصنعة والزيف، إذن نحن أمام شهادة أدلى بها أحد كبار شعرائنا الذين رحلوا عن دنيانا الفانية وتركوا بصمتهم الشعرية في الثقافة السودانية، والراحل “كجراي” كتب تلك الشهادة في العام 1971م، بكسلا حينما كان “هلاوي” طالباً، وكتب عنه صديقنا الشاعر “مختار دفع الله” في العام 2013م، الآتي في منتصف سبعينيات القرن الماضي كان التقائي به.. شاباً رقيقاً.. مهذباً ينثال إنسانية ويتدفق عذوبة وبساطة وتواضعاً لذا كان لابد لقصائده من أن تأتي معبرة عن هذه السمات النبيلة فكانت أغنياته بمضامينها الرقيقة ملامسة لوجدان الإنسان السوداني ومعبرة عن نبضه وآماله وأحلامه وطموحاته.. فالقصيدة عند “عبد الوهاب هلاوي” تعبير صادق عما يدور في مجتمعه.. أما الحقيقة التي لا مراء فيها، هي أننا أنا وأبناء جيلي – اتكأنا عل تجربة “هلاوي” وتوكأنا عليها في بواكير صبانا الشعري فكانت النبع والمنهل.. وحسبي في الترف أنني تلميذه، هذه شهادة شاعر بقامة الصديق مختار دفع الله” في حق “هلاوي” ولعمري أتت شهادته مبرأة غير مجروحة لأن “مختار” يصغرنا سناً بسنوات قليلة وظهر كشاعر غنائي بعدنا بقليل وكان مولوده الأول أغنية (خبر سفر) تلك التي لحنها الموسيقار الراحل الرائد الفاتح كسلاوي” (وتقول لي بي طيب خاطر، ميعادك بكره وتسافر؟ أريتك يا زماني تغيب وما تظهر شمس باكر) سجلها بصوته الفنان الذي أضاعته الغربة “أزهري الأمين” ولفت وقتها بصوته الندي ساحات الطرب حينما سجل تلك الأغنية وأتمنى أن يعود لساحة الغناء في غياب الأصوات الجميلة في ساحة الغناء هذه الأيام.. وقتها كان الراحل “زيدان إبراهيم” يشق طريقه بقوة صعوداً في سلم نجومية الغنائي السوداني وكان هو الأقرب إلينا وجداناً وحساً.. فالرجل كان موهوباً حتى النخاع بدأ حياته الفنية وهو طالب بالمرحلة الثانوية وتفرغ تماماً للغناء وعانى الويلات للوصول إلى مايكروفون هنا أم درمان وحينما وصل أبت نفسه إلا أن يأخذ بأيدي المغمورين من شعراء كان “هلاوي” وشخصي من بين هؤلاء، ومن المبتدئين من الملحنين كان سعادة العميد أخي الموسيقار الملحن “عمر الشاعر” والراحل الصديق الرائد الموسيقار الملحن “الفاتح كسلاوي” يا سبحان الله.. عمر الشاعر و”كسلاوي” و”هلاوي” من شباب كسلا الوريفة، وكنت من مدينة الدويم وكأنه كان يراهن على موهبتنا وقد صدق حدسه إذ لمعت أغنية (مين علمك يا فراش تعبد عيون القاش) من نظم “هلاوي” وألحان “زيدان” وفي ظني أن هذه الأغنية كانت المفتاح لبداية مسيرة “هلاوي” العظيم في حديقة الغناء السوداني الحديث.. وقتها جاء “هلاوي” خجلاً مع ابن عمه بالزي المدرسي ليقدم فراش القاش “لزيدان” وكانت أغنية (باب الريدة وانسد) التي نظمتها وأنا تلميذ بالمرحلة الثانوية والتي صنع لها “عمر الشاعر” لحناً جميلاً رائعاً وصنع الراحل “كسلاوي” من نظمي (ليه كل العذاب.. ليه كل الألم) التي صدح بها “زيدان” هي و(في بعدك يا غالي أضناني الألم) من نظم أستاذنا اللواء “عوض أحمد خليفة” رحم الله “زيدان” فقد كان همزة وصلنا في عوالم الإبداع لم يقدمنا إلى دنيا الإبداع فقط، بل جعل لنا منزله المستأجر بحي العباسية بأم درمان متكأً وواحة لم يبخل علينا من فيض حبه وتقديره لنا.. وجميل جداً غلاف ديوان “هلاوي” فقد جعل صورة والدته زينة وبركة للديوان الذي أهداه إلى روح أمه ووالده وأخته شادية وأخيه د. “حاتم” وجميعهم في ذمة المغفور الرحيم. وقدم للديوان زميلنا وصديقنا الإعلامي المتميز “يس إبراهيم” مقدمة رائعة لم يترك “هلاوي” موضوعاً من المواضيع المهمة إلا صاغ فيه أغنيات.. كتب للأطفال عدداً مقدراً من الأغنيات (بترسم ليه في الحيطة).. (أختي الكبيرة).. (يا طالع الشجرة).. إلخ.. وكتب الأغنية القصيرة والتي عرفت بالمشعل كتب (مليون سلام لي ذكرتك ومن نمولي لي حلفا.. الخ) و”لزيدان” وحده نظم (فراش القاش).. (لو تعرف اللهفة) (عشان خاطر عيون حلوين) و(لو مني مستني الملام) لحنها الصديق الفنان “يوسف السماني” وأداها الراحل “مصطفى سيد أحمد” وعدد كبير من الأغنيات عبر عدد كبير من الفنانين.. مبروك نيابة عن أسرة (المجهر).

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية