الشهيد "دفع الله الحسين" .. رجل لا يتكرر
{ والحروف تظل عصية رافضة للانصياع والتطويع حينما يكون الفقد جللاً والمصيبة أعظم وأكبر من حجم التوقعات والاحتمالات البشرية، فتمارس هروبها ما بين الرفض والقبول لتؤكد أن الموضوع لم يكتمل بعد في العقل الباطن ليتم ترجمته إلى الواقع فينزل إلى مساحات الزوايا المختلفة علها تطيب الخواطر وترطب الجوف المحروق من هول المفاجأة وعظمة الفقد.
{ لم تمض شهور قلائل منذ أن أعلن “الطيب حسن بدوي” وزير الشباب والرياضه الولائي قراره بتشكيل مجلس تسيير للرياضة للجميع وتم اختياري عضواً فيه، وما زلت أذكر لقاءنا الأول مع المجموعة الجديدة والخوف والترقب من المسؤولية الملقاة على عاتقنا وعلى أكتافي على وجه التحديد، إذ إن العمل الإداري لم يكن يوماً ضمن اهتماماتي أو تجاربي رغم أنني قبلت التحدي وأيقنت أن النجاح سيكون حليفي خاصة بعد أن اطلعت على الأسماء المختارة وخبرتها الطويلة في المجالات المختلفة، فحينها تأكدت أن التجربة ستعينني علي التجهيز والاستعداد للقادم بشكل جيد وإيجابي، فكان التلاقي واللقاء الذي ضم مجموعة من خيرة الرجال والنساء في صالة واحدة في نادي النفط بقلب الخرطوم، وكان السيد الشهيد “دفع الله الحسين حاج محمد” الذي اختير رئيساً للاتحاد حضوراً أنيقاً، هادئاً بشوشاً، طيباً ورزيناً، يفرض احترامه على الجميع ويسرف في منح الفرص والتعاطي وحريص على منح الشباب فرصاً للانطلاق والتعلم حتى يكون المستقبل على أيديهم لبناء يتمدد يفيد البلاد والعباد.
{ جلس الشهيد “دفع الله” بخلقه وتدينه ورصانته واحترامه للحضور يوزع المداخلات والفرص ومن ثم عرف نفسه اسماً ثلاثياً ثم اكتفى ببعض الابتسامات الهادئة والواثقة والمتواضعة البعيدة عن الأنا والتعالي وحب الذات، وكأنه يريد أن يرسل رسالة إلى المنتمين حديثاً إلى إدارة الرياضة للجميع مفاده أن الإخلاص وحب العمل ونقاء السريرة وصفاء النفوس هي المؤدي الوحيد للنجاح، وقد كان رغم القيود التي وضعت أمامنا والمتاريس التي وجدناها لم تتكسر عزيمتنا ويقف حراكنا الجاد.
{ وتواصلت لقاءاتنا وحضورنا سوياً من أجل وضع الخطط والبرامج التي تعين على البدايات فكان حراكه أكبر وأعظم من كل المتواجدين، ظناً منه أن تحمل المسؤولية يتطلب أن تكون الأنفاس طويلة والصبر متمدداً من أجل أن تتم وضع اللمسات الأخيرة لهذا البنيان الذي شرعنا في وضع الأسس التي تعينه على أن يكون الأفضل في المستقبل.
{ ناقشته كثيراً في أمور مختلفة وتفهمت آراءه المتوازنة وردوده الدبلوماسية، وقد لمحت فيه صلاح شباب الجنة من خلال تدينه وزهده في الدنيا وحرصه على صلواته والتذكير بالرسول عليه أفضل الصلاة والسلام وسيرته العطرة وإيمانه القاطع بأن الدنيا دار فناء وأن الآخرة هي الخيار الأبدي الذي ينبغي أن نتدافع لأن نعد أنفسنا للتواجد فيه في نعيم يعيننا على أن نتحسس طعم العمل ونعضد على الحساب الذي أطل.
{ خرج يومها إلى هجليج حينما نادي المنادي وتقدم الصفوف هاشا وباشا، مؤمناً بالقضية وحريصاً على سلامة وطنه ومواطنيه، فكان السلاح هو العصا الذي يتوكأ عليها حتى تحررت المنطقة وعاد مع إخوانه معلناً النصر المبين، ليتكرر ذات السيناريو في أبوكرشولا ويهرع الشهيد “دفع الله” تاركاً نعيم الدنيا إلى حيث لقاء الله، طالباً للشهادة موقناً بنجاحه في حسابات الدنيا العصية متقدماً بصدر رحب لا يعرف إلا الشجاعة والثبات والرجولة، ليسقط شهيداً ضمن الشهداء رافعاً يديه بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله.
{ سقط الشهيد البار “دفع الله الحسين” في منتصف مايو الفائت وغادر الدنيا بذات الهدوء الذي جلس فيه عليها، ليوطد لدروس وعبر كبيرة المعاني والمفاهيم ظلت غائبة عنا تتساقط مع سقوط الأقنعة وانشغال الناس بالشيطان وأعماله النجسة. غادر “ود الحسين” مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً لنفقد أحد الركائز الشبابية التي كنا نعول عليها في المستقبل القريب لتفهمه وتعلمه وإدراكه للأشياء في ظل الاجتياح الذي سيطر على شبابنا من خلال ثقافات جديدة ومتجددة من الغرب البعيد.
{ فقدناك يا “ابن الحسين” وسيظل مقعدك فارغاً إلى حين يبعثون، لأن صفاتك ما زالت في ركن التاريخ لم تجدد منذ أمد بعيد، فالحابل قد اختلط بالنابل وتباينت التفاصيل وأسدل الستار على سيناريوهات الشيطان الأخرس، ولكنك قد فزت بالنصر المبين. (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ).