عن اعتقال أبي ظُلماً
وعدواناً.. أقول لكم!
د. سوزان مأمون حُميدة
لم يدر بخُلدي، وأنا على سفرٍ لبضعة أسابيع خارج السودان، أن يُعتقل أبي البروفسور مأمون محمد علي حُميدة للمرة الثانية، هذه المرة من قبل لجنة إزالة التمكين – وما أدراك وما إزالة التمكين! – يوم الخميس 16 سبتمبر (أيلول) 2021، بعد الساعة العاشرة مساءً، مما يعني استهدافٌ مقصودٌ، بأن يمضي البروفسور مأمون حُميدة عطلة نهاية الأسبوع (الجمعة والسبت) دون التفكير في الإفراج عنه، بضمانٍ أو غيره! وتذكرتُ أمرَ منشورٍ قضائيٍ، قرأته منذ أمدٍ غير بعيدٍ، أصدره الأستاذ عبد العزيز شدو وزير العدل والنائب العام في تسعينات القرن الماضي، يقضي بألا يُعتقل شخصٌ بعد دوام يوم الخميس، إلا أن يكون مطلوباً في جنايةٍ كُبرى، لتفادي حبسه في الحراسات أثناء عطلة نهاية الأسبوع! وفي حال أبي تعدت الأيام إلى أسابيعٍ، وما زلنا صبراً وتجلداً في الانتظار، أن يقضي اللهُ أمراً كان مفعولاً!
عندما بلغني النبأ العظيم المفجع، المتعلق بأمر الاعتقال، كان كل همي وتفكيري في العودة إلى السودان، حيثُ كانت وما زالت الأيام تمضي ثقالاً عليَّ وهو حبيسٌ، وعلى أسرتي وأصدقاء أبي وتلاميذه وعارفي علمه وفضله. فانخرطتُ فور عودتي، مع بقية إخوتي وآخرين في العمل جاهدين لفك أسره، ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً. وأعلم علم اليقين، أن أبي ليس متهماً في تُهمةٍ بعينها، ولكنه مستهدفٌ في شخصه، من بعض المتربصين من خصوم الكيد والمكر، والحقد والحسد، تصديقاً لقول الله تعالى: “أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيماً”. فما أصدق الشاعر العربي عمر بن أبي ربيعة حين قال، وكأنه في بيته هذا كان يعني أبي:
حَسَدٌ حُمِّلنَهُ مِن أَجلِها وَقَديماً كانَ في الناسِ الحَسَد
فعن اعتقال أبي أقول لكم: إن القبض على أبي تم بواسطة نيابة إزالة التمكين، بعد العاشرة من مساء يوم الخميس 16 سبتمبر 2021، على الرغم من أن السلطات كانت قد أطلقت سراحه – بعد طول حبسٍ – في 13 فبراير (شباط) من العام الماضي. فقد أُقتيد أبي إلى رئاسة شرطة المباحث والتحقيقات الفيدرالية في الخرطوم بحري، حيثُ أمضى فيها عطلة نهاية الأسبوع الذي أعقب يوم اعتقاله، وما زال حبيساً فيها إلى يوم الناس هذا! وفوجئ يوم الاثنين 20 سبتمبر 2021، يسأله المتحري عن أسئلةٍ مكرورةٍ، سُئل عنها مراراً وتكراراً طوال تلكم العشرة أشهرٍ التي أمضاها حبيساً مظلوماً. وبدأتُ وإخوتي ومحاميي أبي رحلة الطواف والسعي ما بين مقر لجنة إزالة التمكين وديوان النائب العام، لمعرفة حيثيات البلاغ، والاستعداد لتقديم الدفوعات القانونية عليه، ولكن يبدو ليّ أن الأمر ليس أمراً قانونياً، بل مكايدات سياسية، واستهداف سياسي، أُستخدمت فيه حبائل القانون، لإنفاذ مآرب سياسية، وإن كان أبي ليس بالسياسي المحترف، بقدر ما كان المهني الذي أراد أن يخدم بعلمه وخبرته في مجالات الطب والطبابة، وطنه ومواطنه، لكن لعن الله الحسد، “.. ومن شر حاسدٍ إذا حسد”!
عكف أبي منذ إطلاق سراحه في 13 فبراير 2020، على العمل جاهداً في تطوير جامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا، تدريساً وبحثاً وإدارةً، فانداحت أوجه نشاطات الجامعة – الأكاديمية وغير الأكاديمية – تترى في المنابر الصحافية والإعلامية، بصورةٍ فيها قدرٌ من الاستدامة، لا سيما وأن الجامعة تحتفل هذا العام بيوبيلها الفضي، بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها، مما أوغر صدور أُناسٍ حاسدين، وزُمرة أعداء النجاح، فأجمعوا كيدهم على مؤسسها!
وفي يوم الأربعاء 8 سبتمبر 2021، اتصلت البروفسور انتصار الزين صغيرون وزيرة التعليم العالي والبحث العلمي هاتفياً، بالبروفسور مأمون حُميدة رئيس مجلس أمناء جامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا، للتأكد من وجوده في الجامعة، مُبدية رغبتها في زيارة معارض الكتاب والفنون التشكيلية والفنون التراثية، وجانب من الندوات الثقافية، وبالفعل حضرت ذات اليوم. وأعربت عن انبهارها بإبداعات طلاب جامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا، المتمثلة في مشاركتهم في معرض الفنون التشكيلية من خلال لوحات فنية رائعة، تُبرز مواهبهم وإبداعاتهم غير الأكاديمية. وأمضت الوزيرة وقتاً طيباً في الحديث مع بعض الطلاب والطالبات، وعددٍ من أساتذة الجامعة، حيثُ أُلتقطت الصور التذكارية لها خلال هذه الزيارة، وودعت الوزيرة بمثل ما أُستقبلت من حفاوةٍ وترحابٍ.
واعتبر مراقبون أن اعتقال البروفسور مأمون حُميدة، جاء بسبب نشاطه الأخير وزيارة وزيرة التعليم العالي والبحث العلمي له في الجامعة، على الرغم من أن هنالك أصواتاً كُثر ردت على تلكم الحملة الجائرة، بأن زيارة الوزيرة إلى جامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا، تقع ضمن مهامها الإشرافية على الجامعات الخاصة.
ونما إلى علمنا، أن البروفسور انتصار الزين صغيرون وزيرة التعليم العالي والبحث العلمي، كانت قد أخطرت الدكتور عبد الله آدم حمدوك رئيس الوزراء، بعزمها على زيارة جامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا، ولم يعترض على ذلك! فأراد بعضهم أن يشتط في استنكاره لزيارة الوزيرة لجامعة تقع ضمن اختصاص إشراف وزارتها عليها مع جامعاتٍ أُخر!
أخلص إلى أن اعتقال أبي الراهن، كيدٌ واستهدافٌ سياسيٌ، لا علاقة له بالقانون، وحُجتي في ذلكم، أنه ما أن انتهت الإفادات المطلوبة في البلاغ الكيدي الذي أُعتقل بسببه يوم الخميس 16 سبتمبر 2021، فإذا بلجنة إزالة التمكين تقدم بلاغاً آخر! والغريب في الأمر، أنه تم التحقيق فيه، وانتهى الأمر آنذاك بالإفراج عنه بضمانةٍ! وأجمع القانونيون على أن إعادة هذا البلاغ الذي حُقق فيه من قبل، إجراءٌ مخالفٌ للقانون، وفيه عِوارٌ قانونيٌ واضح! وفوجئ البروفسور مأمون حُميدة بتوجيه بلاغٍٍ آخرٍ في مواجهته يتعلق بتقويض النظام الدستوري، مما يُرجح أنه كيدٌ سياسيٌ آخر، لتعطيل إجراءات الإفراج عنه بضمانةٍ، بعد استكمال التحريات كافة!
ختاماً، تطالب أسرة البروفسور مأمون حُميدة وأصدقاؤه وزملاؤه وطلابه، من النائب العام والأجهزة العدلية الأخرى، بتصحيح العوار القانوني، ورفع الظلم من البروفسور مأمون حُميدة وجميع المظلومين في حراسات نيابة إزالة التمكين.
*استشارية أمراض الدم