الرقابة و(دبنقا)!!
{ أخيراً اتخذت الحكومة قراراً يرفع الرقابة عن الصحف، وجاء رفع الرقابة من السلطة السياسية العليا بحسبانها الجهة التي قررت في البدء والمنتهى إخضاع الصحافة وجميع أجهزة الإعلام لرقابة الأجهزة الأمنية.
وقرار فرض الرقابة أو رفعها قرار سياسي وتنفيذي، ولكن كثيراً من الزملاء يحملون الأجهزة الأمنية وزر غيرها من أجهزة الدولة، بحكم أنها تتولى تنفيذ قرارات السلطة العليا في الدولة.. وما من صحيفة أغلقت إلا وكان وراءها قرار سياسي.. ورفع الرقابة عن الصحف في المناخ الحالي يمثل خطوة مهمة جداً لترتيب البيت الداخلي، فالصحافة السودانية (ماتت) واقفة بسبب الرقابة، وانصرف المتلقي عنها لوسائط إعلامية أخرى، كالمواقع الإلكترونية، وقد جاء في إحصاءات (اليونسكو) أن عدد السودانيين الزائرين للمواقع قد بلغ (10) ملايين زائر في اليوم، بينما لا يتجاوز المطبوع اليومي من الصحف (200) ألف نسخة.. وساهم في إثراء المواقع الإلكترونية وإقبال القراء عليها أن الصحافة أصبحت كالمنشورات الرسمية، فقدت مصداقيتها أمام القارئ الذي يشاهد بعينه تظاهرة اجتماعية، وتتعرض المدينة التي يسكنها لهجوم من التمرد، ويوم غد يقرأ الصحافة ولا أثر لما شاهده أو تعرض له، فكيف لمواطن مثل هذا أن يثق في أجهزة إعلامه الوطنية؟!
{ وحينما تفتح الدولة نوافذ الحريات وترفع القيود عن أجهزة الإعلام، فإنها تبعث برسالة طمأنينة لشعبها بأنها على خير وعافية نفسية وجسدية، وتجعل ضمير الصحفي الوطني أمام امتحان عسير: كيف يستغل مناخ الحريات لما يجمع ولا يفرق؟! وكيف يحمي المقدسات الوطنية؟!
وكم من قرار اتخذته الحكومة برفع الرقابة عن الصحف ثم تراجعت عنه سريعاً لإساءة بعضنا لمناخ الحريات وتوظيفه إما لمعارك شخصية أو تصفية حسابات أو موالاة التمرد المسلح بنشر أخباره وتمجيد قادته وتجميل وجوه تحارب الشعب السوداني في أعز ما يملك!!
{ في مناخ الرقابة على الإعلام الوطني أخذت إذاعة المتمردين التي تسمى (دبنفا) تبث سمومها ورعاية الحرب السوداء وسط قطاعات عريضة من الشعب، خاصة في القرى والمدن خارج الخرطوم.. وفق منهج (تخذيلي) للمقاتلين في الميدان وتحريضي للشعب لتفكيك وحدته وتمزيقه بإثارة الأحقاد والضغائن، والآن إذاعة (دبنقا) تجد رواجاً في كل ولايات غرب السودان، كردفان ودارفور.. لما تبثه من مواد محلية ومقابلات مع النازحين وحاملي السلاح، فلماذا تنصرف الدولة عن مواجهة إذاعة (دبنقا) وهي أخطر من كل حركات التمرد التي تحمل السلاح وأشد فتكاً من السلاح الذي بيد التمرد.. وهل من سبيل لمواجهة إذاعة تبث برامجها من هولندا ولكنها تملك شبكة مراسلين داخلية يتبرعون بنقل الأحداث وتلوينها وفق ما يخدم توجهات الإذاعة ومن يقف من وراءها أمامها؟!
{ التاريخ يعيد نفسه.. كانت إذاعة الجيش الشعبي منذ الثمانينيات وحتى سقوط نظام منقستو تمثل معول هدم ومنبراً دعائياً للتمرد الجنوبي، واليوم تنهض إذاعة (دبنقا) بذات المهمة ومعها (سودان راديو سيرفز)، والإذاعة القومية انصرف عنها المتلقي، وإذاعة دارفور الخاصة التي يملكها السفير “ماجد يوسف” تعوزها الإمكانيات، وإعلامنا الآخر يصدح بأصوات المادحين وفناني الطنبور وتراث الحقيبة.. و(دبنقا) تنخر في عظم البلاد وتفتتها لقبائل وجهات ضد جهات أخرى.. ما لكم ألا تسمعون؟!