اغتيال قادة حركة العدل والمساواة.. رسائل على بحار الدم البارد…!!
(لا صوت يعلو فوق صوت الرصاص والقتل) يبدو أن هذا هو الشعار الذي يحكم أدمغة قادة حركة العدل والمساواة جناح “جبريل إبراهيم” التي ربما وضعت نصب أعينها بعد أن وقع الفصيل الآخر اتفاق سلام مع الحكومة في العاصمة القطرية الدوحة هدفاً وحيداً لا ثاني له يتمثل في تصفية قادة الفصيل الموقع وقتلهم بلا هوادة ولا رحمة.. وهو تصعيد خطير للغاية ربما ينسف أية إشارات قد تلوح في الأفق في الإقليم الذي يعاني ويلات الحروب والنزوح منذ ما يقرب من عقد من الزمان.
مقتل قائد حركة العدل والمساواة “محمد بشر” وعشرين من أعوانه في كمين نصبه لهم فصيل “جبريل إبراهيم”- بحسب بيان جهاز الأمن والمخابرات الوطني- رغم فظاعته وجرمه البائن إلا أنه فعل ينطوي على أبعد من ذلك لجهة أنه يحتوي بعث رسائل في عدة اتجاهات رسائل تحمل في طياتها كثيراً من النوايا الظاهرة والمضمرة. فلم تمر فترة قصيرة جداً على مقتل نائب القائد العام لحركة العدل والمساواة القائد “صالح محمد جربو” الذي لقي مصرعه في كمين نصبته له مجموعة تتبع لفصيل “جبريل” بمنطقة “فوراوية” بولاية شمال دارفور، حتى قامت أمس الأول مجموعة مسلحة من حركة العدل والمساواة بنصب كمين مسلح لعدد من قيادات حركة العدل والمساواة الموقعة على وثيقة الدوحة لسلام دارفور في منطقة “بامينا” على الحدود بين ولاية شمال دارفور وتشاد.
وأسفر الكمين عن مقتل (20) قيادياً من حركة العدل والمساواة بينهم “محمد بشر” رئيس الحركة ونائبه و(18) شخصاً من قيادات الحركة.
أزمة كلية
بحسب الأنباء الواردة من جهاز الأمن والمخابرات الوطني فإن المهاجمين استولوا على سيارات (لاندكروزر استيشن) وثلاث عربات كبيرة تحمل وقودا وتعيينات إلى جانب عربة مدير الأمن التشادي، ورغم أن ما يمكن اعتباره (غنيمة وافرة) للحركة المتمردة، إلا أن هذا لا يبدو أنه مقصدهم الأساسي بقدر ما يعتبر مراقبون أن الحركة تنتوي إسقاط الاتفاقية التي وقعها أولئك القادة مع الحكومة بمقتل كل قادة الصف الأول والثاني في الحركة حتى يتم تشييع تلك الاتفاقية إلى مثواها..بيد أن رسائل أخرى أبلغ أثراً وأكثر خطورة كشف عنها لـ(المجهر) أستاذ العلوم السياسية بجامعة بحري د.”حمد عمر حاوي” الذي اعتبرها امتداداً لأزمات السودان التي تزيد يوماً بعد آخر، مشيراً إلى الوضع الآن بالسودان صار بالفعل ينم عن ما سماه بـ( أزمة السودان الكلية)، وأردف: (فعلاً هي أزمة وصلت لمرحلة أسوأ من كل الأوقات السابقة وهي أصعب من فترة الحرب مع الجنوب لاعتبارات أن الجنوب كان بعيداً عن بقية البلاد من ناحية إثنية وثقافية ودينية وأن غاية ما يمكن أن تصل له الحرب في الجنوب أن تفصل الجنوب أو تستأثر به بالإضافة إلى أن الحرب هناك لم تكن تهدد البلد بكاملها ولكن الآن أصبح التهديد للبلد وما لم ينتبه السودان للخطورة التي ينزلق نحوها، بالذات الحكومة التي هي مسؤولة أخلاقياً وما لم يتم تدارك الوضع يمكن أن تتورط البلد في صراعات أهلية).
موت اتفاقية الدوحة.
لم تكتف حركة “جبريل” بمقتل نائب الحركة المنشقة عنها “جربو” في سعيها لقبر اتفاقية الدوحة الموقعة مع الحكومة وربما رأت أن موتها يكمن في القضاء كلياً على ما تبقى من القادة، ثم تصيدت الأوقات حتى فاجأت كل قادة الحركة مجتمعين في مكان واحد، وهو الأمر الذي دعا “عبد الله آدم خاطر” إلى وصف ما حدث بالمحزن والمؤسف في آن، وتابع في حديثه لـ(المجهر) أنه أياً كانت الدوافع أو كان الفاعلون فإنها تقلل من المصداقية وسط الحركات المسلحة، ومن الناحية الثانية فإن الوثيقة التي وقعوا عليها هى عبارة عن وثيقة مساندة لوثيقة الدوحة ولا يوجد سبب يمكن أن نقول على أساسه أن الاتفاقية سقطت نهائياً بمقتل قادة العدل والمساواة الذين وقعوا على الاتفاق بين الحكومة والحركة، إلا أن د.”حاوي” مضى إلى التأكيد بأن مقتل أولئك القادة لا يجعل لها أي مكان في الأرض وأضاف: (مقتل قيادات الصف الأول بهذا الحجم وبهذا الوزن والموقع في الحركة يكون قد قضى على أي أمل في أن يكون للاتفاقية أثر على الأرض التي كان من الممكن أن يكون لديها أثر نفسي وإعلامي عن طريق الوسطاء والحكومة ومساعدة هؤلاء للتسويق للاتفاقية، وأردف: (كان ممكن يكون عندها أثر قليل لكن بعد هذه الحادثة عملياً الاتفاقية ماتت).
إلا أن مسؤول مكتب متابعة إنفاذ سلام دارفور الدكتور “أمين حسن عمر” قال في تصريح لـ(المجهر): (نحن على اتصال مع قيادات حركة العدل والمساواة الموقعين على الاتفاق والموجودين حالياً في الميدان لبحث مسألة تنفيذ الاتفاقية وعلى اتصال مع قيادات الحركة الميدانية والسياسية). وأكد أن حماية وفد حركة العدل والمساواة مسؤولية القوات المشتركة وليس مسؤولية الحكومة، وأضاف:(كان يتوقع أن تتولى القوات المشتركة حماية المجموعة عند وصولها لموقع هذه القوات في الحدود ).
امتداد لعمليات الجبهة الثورية
يعتقد مراقبون إن مقتل قادة حركة العدل والمساواة لا يمكن النظر اليه بعيداً عن تصعيد الجبهة الثورية لعملياتها في جنوب كردفان ومن الممكن اعتباره امتداداً لتلك العمليات وهو الأمر الذي أكده “عبد الله آدم خاطر” الذي أوضح أنه في حال ثبت أن من قام بتلك العمليات هي قوات حركة العدل والمساواة فصيل “جبريل إبراهيم” فإنه سيكون متسقاً مع عمليات الجبهة في جنوب كردفان.
السلام في المحك
يثور السؤال القوى؛ هل بمقتل هؤلاء القادة يود فصيل “جبريل” أن يلقي في روع الجميع أن أوان التفاوض والحلول السلمية قد مضى إلى غير رجعة؟. يعتقد د.”حمد” أن قادة الحركة فصيل “جبريل” دائماً ما يقولون إنهم قادة سلام وليس حرب كما أنهم لا يعتقدون أن اللغة الوحيدة هي لغة السلاح ولكنهم يعتقدون أنه ليس لديهم ثقة في الحكومة ولا في المؤتمر الوطني وأنها أي الحكومة غير جادة في تلبية مطالبهم وحتى في المفاوضات تسعى لإضعافهم أو تفتيتهم، بينما يرى “خاطر” أن الحركة تود إلى حد كبير بعث رسالة يمكن أن تصل للأطراف ليس معناها نهائي لكن العملية السلمية أصبحت التيار الرئيسي لغالبية أهالي دارفور وحتى العدل والمساواة غير الموقعة والحركات غير الموقعة مطلوبة بشدة للتعامل مع التجربة السلمية.
انتشار رقعة الحرب واستحداث سياسة الاغتيالات قد يفضي إلى أن تكون البلاد على شفا حفرة من جهنم تلتهم في جوفها كثيراً من قيم التعايش السلمي أو قد يقود إلى تشظٍّ جديد….أمر نبه له د.”حاوي” قائلاً:( التغيير الديمغرافي يحدث الآن وعندما نتحدث عن نازحين حجمهم بالآلاف من منطقة “أبوكرشولا” إلى “الرهد” نجد أن جنوب كردفان أفرغت من جميع العناصر التي كانت تمنحها الصبغة القومية عملياً، جنوب كردفان أصبحت جبال النوبة بعد خروج جميع التجار والوافدين أصبحت ديمغرافياً جبال النوبة، وحتى إذا تم اكتساحها بالجيش في ظل تمزق نسيج إجتماعي وتغيير هجرة قبائل عربية من المنطقة لن تعود كمنطقة قومية).
وعن مآلات الحل يستطرد قائلاً:
لا يمكن أن تحل مشاكل البلاد بالقطاعي المشكلة الأصلية في والحل هنا في الخرطوم والمطلوب هو تغيير الذهنية والسياسات في أن يصير النظام ذا صبغة قومية وأن يستوعب كل الناس.