الخرطوم وجوبا.. التفاوض أعلى فوهة البركان!!
بينما يحزم رئيس هيئة استخبارات الجيش الشعبي، رئيس جانب دولة جنوب السودان باللجنة الأمنية المشتركة اللواء “ماج بول” حقائبه أمس الأول متأهباً لزيارة الخرطوم عبر طائرة مارسلاند ظهر أمس على رأس وفد أمني عالٍ بدعوة من وزير الدفاع الفريق أول ركن مهندس “عبد الرحيم محمد حسين” لمناقشة ما جاء في مذكرة التفاهم الموقعة في فبراير للعام 2012م والخاصة ببحث مجالات التعاون وعدم الاعتداء وحسم تواجد القوات والحركات المسلحة ما وراء المنطقة العازلة منزوعة السلاح بين البلدين، استبق جهاز الأمن والمخابرات الوطني في الخرطوم تلك الزيارة بأصداره بياناً أكد فيه أن جوبا دعمت المتمردين ضد الخرطوم عقب اتفاق التعاون بأعداد من سيارات الدفع الرباعي سلمت مؤخراً لحركة “مني أركوي مناوي” ومتمردي قطاع الشمال ويجرى الآن تسليم أعداد أخرى من السيارات لحركة العدل و”عبد العزيز الحلو”، ولكن الرابط في ذلك الدعم أن المتهم بتوصيله والإشراف عليه هو الفريق “ماج بول” مسؤول الاستخبارات بالجيش الشعبي، إذ أوردت الصحف بالأمس أنه يشرف على عمليات إمداد قوات الحركة الشعبية في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق بالأسلحة والذخائر عبر منطقة “الجاو” ومعسكر “ديدا” للنازحين حيث يتم إيصال الدعم لمتمردي قطاع الشمال باعتباره دعماً للجبهة الثورية من أبناء النوبة بالخارج وفقاً لمصادر مقربة من “الحلو”. ودعا جهاز الأمن الوطني حكومة الجنوب للكف عن التورط في دعم المتمردين السودانيين باعتبار أنه يهدد سير تنفيذ جميع اتفاقيات التعاون.
ميزان الذهب
وصل اللواء “ماج بول” ووفده إلى الخرطوم ووجد تلك العبارات الحادة التي أوردها بيان جهاز الأمن والمخابرات الوطني ممهوراً بتوقيع مدير ادارة الإعلام بالجهاز تتصدر صحف الخرطوم وتوضع أمامه ليس في دهاليز التفاوض والحوار وإنما في الهواء الطلق، وربما أرادت استباق زيارة الفريق “ماج بول” للخرطوم والضغط عليه من خلال تلك الاتهامات لتقديم أكبر قدر من التنازلات عبر الاعتراف بغرض الوصول إلى تسوية مرضية للطرفين، سيما وأن حكومة الجنوب أرادت خلال الأيام الماضية الاستفادة من حادثة مقتل ناظر دينكا نقول السلطان “كوال دينق مجوك” من خلال تصعيدها دولياً واستخدامها كرتاً للضغط على الخرطوم، ولكن مراقبين يقولون إن اختلاط الكروت ووصول متمردي دولة جنوب السودان بقيادة الجنرال “ديفيد ياو ياو” وسيطرتهم على منطقة جبل “بوما” القريبة من عاصمة دولة جنوب السودان “جوبا”، جعل الكثير من العمليات يعاد الحساب فيها بموازين الذهب.
ووفقاً للأجهزة الأمنية فإن دعم دولة الجنوب للحركة الشعبية قطاع الشمال والجبهة الثورية قد شمل توفير كميات من الأسلحة والذخائر واستمرار عمليات التدريب بمعسكرات “راجا” و”طمبرة” ومناطق “نيم” و”فارينق” بولاية الوحدة في مسعى لتكوين قوة أخرى والدفع بها إلى داخل السودان، كما تم مع القوات التي هاجمت مناطق “أم روابة” و”أبوكرشولا” وشمل الدعم توفير الوقود وفتح مستشفيات عسكرية داخل الجنوب لاستقبال جرحى المتمردين السودانيين، ووفقاً لجهاز الأمن والمخابرات الوطني فإن حكومة جنوب السودان استخرجت وثائق سفر اضطرارية لعدد من جرحى حركات التمرد ممن تم إخلاؤهم من جنوب كردفان ونقلتهم إلى مستشفيات ببعض الدول الأفريقية، هذا بالإضافة إلى تخصيص منازل ببعض أحياء العاصمة “جوبا” لاستضافة قادة ميدانيين وعسكريين من حركات دارفور وقطاع الشمال. وأكد جهاز الأمن أن حكومة الجنوب وفرت أموالاً لمقابلة قوات المتمرد “عبد العزيز الحلو” وقوات “مني أركوي مناوي” إلى جانب سماح سلطات جنوب السودان لقادة المتمردين السودانيين بالتحرك والتواجد في منطقة “الجاو” على الحدود بين ولاية الوحدة وولاية جنوب كردفان لتتحرك قيادات التمرد بين مناطق “بانتيو” و”ربكونا” و”فارينق” و”فنجق” و”نيم”.
ويرى الخبير العسكري اللواء (م) “يونس محمود” في حديثه لـ(المجهر) أن الغرض الأساسي الذي أرادت الأجهزة الأمنية في السودان توصيله بإعلانها لتلك المعلومات هو الحفاظ على مصالح السودان العليا وأمنه التي يرى اللواء يونس أنها أهم من مراعاة الاعتبارات الدبلوماسية، ويقول إنه وبرغم الترحيب الرسمي بالزائر من قادة استخبارات دولة الجنوب، لكن الاجهزة الأمنية السودانية من واجبها إرسال رسائل للرأي العام السوداني بأن قضية دعم دولة الجنوب للمتمردين ما تزال مستمرة بالشاهد والدليل الذي قال اللواء “يونس” إن الأجهزة الأمنية قطعاً تمتلكه، وستضعه أمام طاولة رئيس هيئة مخابرات الجنوب من خلال الاجتماعات التي تعقد معه لمناقشة قضية وقف الدعم والايواء.
ورغم أن وصول الجنرال “ماج بول” للخرطوم يأتي لتفصيل بنود اتفاق تم التوصل إليه مؤخراً بين البلدين، إلا أن الخبير العسكري اللواء “يونس محمود” يرى أن دولة جنوب السودان تظل ترعى الحركات المتمردة سراً وجهراً رغم التوقيعات الكثيرة بين مسؤولي البلدين على الاتفاقات السياسية والاقتصادية والأمنية، ويقول إن إصرار الجنوب على توفير ذلك الدعم مرده إلى تقديراتها لمصالحها ومصالح بعض الدول الإقليمية التي تأتي كلها بحسب اللواء “يونس” استجابة لفاعل خارجي يكره أو يغري أو يرغم دولة الجنوب بعدم قطع ذلك الدعم عن الحركات المتمردة، ويقول “يونس” إن قطع الدعم عن الحركات يمثل نهاية لها، بجانب كونه يعني تسجيل عمر جديد للحكومة والدولة السودانية بشكلها الذي لا يعجب أولئك –بحسب اللواء “يونس”.
عنصر أمن
وتستبق زيارة رئيس هيئة استخبارات دولة الجنوب الفريق “ماج بول” للخرطوم زيارة أخرى مقرر لها (الأربعاء) المقبل يقوم بها رئيس دولة جنوب السودان “سلفاكير ميارديت” إلى الخرطوم لتدشين وصول نفط الجنوب إلى ميناء بورتسودان، ومناقشة القضايا العالقة مع الرئيس “البشير”، فيما يرافق “سلفاكير” وزراء النفط، المالية، الدفاع والداخلية بدولة الجنوب.
لكن اللواء (م) “عبد الرحمن الأرباب” يرى في حديثه لـ(المجهر) أن زيارة الفريق “ماج بول” الغرض منها تهيئة المناخ لزيارة رئيس دولة الجنوب الفريق أول “سلفاكير ميارديت” للخرطوم للجلوس مع الرئيس “البشير” بغرض تجاوز العقبات العالقة بين الدولتين. ويقول الأرباب إن وصول النفط إلى بورتسودان يمثل نجاحاً اقتصادياً وسياسياً للطرفين ويمكنهما من تحقيق تقدم كبير في عنصر الأمن وتحقيق السلام وإخراس الكثير من الألسن التي تتحدث عن إيواء كل طرف لحركات مسلحة تقاتل الطرف الآخر –بحسب اللواء “الأرباب”. ويذهب إلى أن استباق جهاز الأمن والمخابرات السوداني للزيارة بتوضيح تلك الحقائق والمعلومات ونشر تحفظات واتهامات الخرطوم في مواجهة “جوبا” تهدف الى وضع النقاط على الحروف وتأكيد وجود الإمداد المستمر والدعم الخارجي للمتمردين السودانيين، وإثبات أن ذلك الدعم تقدمه حكومة الجنوب أو يأتي عبرها، ويقول “الأرباب” إن حكومة الجنوب درجت على إطلاق الوعود دون الوفاء بتنفيذها فيما يتعلق بوقف الدعم والإيواء للحركات المتمردة.
رسالة مزدوجة
ويرى اللواء “الأرباب” أن الحكومة والأجهزة الأمنية قصدت من توفير تلك المعلومات ونشرها إرسال رسالة ذات شقين الأول لدولة الجنوب والمجتمع الدولي، والثانية للمواطنين السودانيين بأن القوات المسلحة لا تقاتل متمردين عليها وإنما تقاتل دولة أو مجموعة دول. ويؤكد “الأرباب” أن الغرض من نشر تلك المعلومات في جانب آخر هو توثيقها من خلال النشر لتصبح معروفة ومعترف بها لدى الرأي العام والمجتمع الدولي على حد السواء، ويقول إن تأخر تحرير منطقة “أبوكرشولا” ودخلوها تقف وراءه عمليات الدعم والإخلاء والإمداد الذي تقدمه حكومة الجنوب للعناصر المتمردة في جنوب كردفان.