تغييرات الولاة (1)
{ لا قداسة لصناديق الانتخابات بعد إعفاء ولاة منتخبين وتعيين آخرين مكانهم، ربما لا يكونون مثلهم في الطاعة وتنفيذ توجيهات المركز والالتزام الصارم جداً بسياسات الحزب، حتى لو تعارضت مع رغبات المواطنين وتطلعاتهم.. فإن ذهب ولاة كردفان المنتخبون “هارون” و”زاكي الدين” في التغييرات القادمة مع حلول فصل الخريف، فقد ذهب من قبلهم “كرم الله عباس الشيخ” والشرتاي “جعفر” و”كاشا”، رغم بكاء “نيالا” ونحيبها على رجل أحبته وأحبها وعشق حتى بعيره ناقتها!!
{ إذا كان الوالي القادم لولاية غرب كردفان قد اتضحت هويته بعد أن وضع د. “عيسى بشري” ثقته في (نديده) “أحمد صالح صلوحة”.. وتذكر الرجلان أواصر القربى وفاضت دموعهما بعد طول جفاء وبعاد وتنافس، فإن شمال كردفان التي عادت لحجمها الطبيعي ما قبل “نيفاشا” باتت أقرب للجنرال “محمد بشير سليمان”، ولكن ماذا عن جنوب كردفان التي سعى واليها “أحمد هارون” كادحاً إلى القصر كدحاً لعودة ولاية غرب كردفان، وهو سعي محسوب بدقة، فالرجل (انتاشته) السهام على جانبيه وتربص بوجوده المتربصون، ووضعه التمرد هدفاً للاغتيال منذ واقعة (الكتمة) وحتى اليوم.. و”هارون” القارئ والمثقف يعلم أن إعادة غرب كردفان تعني كتابة تأشيرة لخروجه من “كادوقلي” بعد أن تجاوز بها (مطبات) هوائية كثيرة، وصمد في الأعاصير ولم يفزع أو يجزع والمدينة تتعرض للحصار وضرب الصواريخ، ولكنه صبر حتى اليوم، وبدا الرجل زاهداً في البقاء لفترة أخرى. وما بين خشية التولي والهروب يوم الزحف وبين تحقيق رغبات بعض السياسيين المحليين والمركزيين بات الرجل ينتظر متى تعلن رئاسة الجمهورية المراسيم الجديدة لقيام الولايات.
{ في الأوساط السياسية للنخب (الجنوب كردفانية) تصطرع تيارات وتتحالف مجموعات من أجل الظفر بمقعد من (نار) في ولاية تعتمد على المركز بنسبة (100%) ليطعمها من الجوع ويؤمنها من الخوف. وأبرز الأسماء التي تجري على الألسن في الأيام الماضية أن تعود السلطة للجنرال “مركزو”، بعد أن نزعت عنه باتفاق “نيفاشا” لتذهب للحركة الشعبية.. وارتضى “مركزو”، طاعة لأولي الأمر، من عصبة المركز من أولي البأس، أن يتقلب ما بين وزير دولة إلى عضوية البرلمان، واحتفظ بعلاقات حميمة مع المرجعيات العليا في الدولة، الشيء الذي أهله لخلافة “مكي بلايل” كشخصية متفق عليها وسط النخب النوبية والقبائل العربية. ونجاح أي والٍ في جنوب كردفان رهين بعلاقاته الرأسية في المركز ومدى ثقة الخرطوم فيه وتعبيره عنها، لتمنحه المال وتحميه من أفيالٍ تتصارع على أرضٍ، عشبُها بللته مياهُ الأمطار!
وعودة “مركزو” تمثل قلقاً موجعاً للتمرد لخبرته العسكرية في القتال وجسارته في الميدان، وسياسياً يعبر الرجل عن النوبة أكثر من كل قادة الحركة الشعبية قطاع الشمال. فهل يكتب د. “نافع” قصة (الماضي الذي يعود)، بعد أن كتب ابن “فاطمة اليوسف” مؤسسة مجلة (روز اليوسف) الأديب “إحسان عبد القدوس” روايته الشهيرة (الماضي لا يعود)؟! وفي السودان تتجدد القيادات وتبعث أحياناً من مراقد قديمة.. فالصادق المهدي كان رئيساً للوزراء عام 1966م ورئيساً للوزراء عام 1986م ويطمح في رئاسة السودان عام 2015م.. فكيف لا يعود “مركزو” الذي خلعته “نيفاشا” من منصب الوالي عام 2005م ليعود بعد ثماني سنوات لمكتبه القديم ريثما (يتفق) المؤتمر الوطني وقطاع الشمال على شراكة جديدة؟! ونواصل..