مرضى الفشل الكلوي… هل تطول رحلة المعاناة؟ (2)
هنا فقط عندما نتوقف.. تبدو الأمور أكثر سوءاً… إحصاءات مخيفة دفعت بها منظمة الصحة العالمية في دراسة أصدرتها حديثاً تؤكد أن ما بين (7000) إلى (1000) حالة فشل كلوي يتم اكتشافها سنوياً بالبلاد! وهنا فقط تبدو الأمور أكثر صعوبة حال علمنا أن ما يفوق الـ(80%) من مرضى الفشل الكلوي يعجزون عن توفير أبسط احتياجات الغسيل، وقد (نتسمر) في أماكننا إذا علمنا أن قائمة المنتظرين على مقاعد الغسيل داخل ولاية الخرطوم وحدها فاق (500) ألف مريض!
معاناتهم تتمدد فوق أجسادهم وتتعداها إلى ذويهم.. مرضى الكلى ما زالت آلامهم تتجدد يوماً بعد آخر إثر تزايد أعداد مرضى الفشل الكلوي وازدياد معدلات الإصابة تدريجياً بالبلاد.. وربما تتوالى تلك التراجيديا عندما يقابل هذه الزيادة تدنٍ في الخدمات وتقلص واضح في الميزانيات المرصودة من الجهات الداعمة لمرضى الكلى.. المستشفيات ومراكز الغسيل تعاني من نقص حاد في عدد ماكينات الغسيل ناهيك عن الحديث عن حداثتها، ليصبح ذلك مدعاة إلى أن يصبح أمر إضرابات واحتجاجات مرضى الفشل الكلوي على الشوارع الرئيسة مألوفاً بسبب عدم صرف المرتبات أو مطالبات المرضى للدولة بتوفير عدد من مراكز الغسيل للإيفاء باحتياجاتهم، إذ تعتذر مراكز غسيل الكلى لعدد من مرضى الطوارئ المحتاجين لإجراء الغسيل الكلوي بسبب عدم وجود أماكن للجلوس على ماكينات الغسيل والخضوع لإجرائه الأمر الذي أكده لـ(المجهر) مدير عام المنظمة القومية لمرضى الفشل الكلوي “محمد مالك عثمان”.
ماكينات في انتظار إذن الدخول
محاولات عديدة أجراها عدد من الأطباء والخيرين على رأسهم الدكتور “هشام” اختصاصي جراحة الكلى بالمركز القومي لأمراض وجراحة الكلى بمخاطبته عدد من المنظمات والجهات الخيرية بالخارج بضرورة دعم مرضى الفشل الكلوي وإدخال عدد من أجهزة الغسيل للمرضى والمحتاجين، وقد وجدت مبادرته تجاوباً من عدد من المنظمات والمراكز الطبية التي أرسلت عدد (117) ماكينة غسيل مستعملة تمت إعادة تصنيعها في 2011م من عدد من الدول الأوربية وتجمع اتحادات الطلاب السودانيين المقيمين بـ(القاهرة) ووصلت إلى ميناء بورتسودان منذ أكثر من سبعة أشهر، حيث رفضت الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس الإفراج عنها والسماح بدخولها إلى البلاد، معللة تصرفها بأن قرارات مجلس الوزراء تمنع إدخال أجهزة طبية مستخدمة نهائياً تخوفاً من إدخال أمراض أو ملوثات وأوبئة مختلفة مثل أمراض الايدز والتهاب الكبد الوبائي وأمراض أخرى.
ورغم أن تلك الأجهزة تتمتع بخاصية التعقيم الذاتي كون أن الدم يمر عبر سير طبي منفصل يتم تغييره كلياً بعد كل جلسة غسيل، وبالتالي لا يمكن أن يتسبب الجهاز في إحداث نقل للمرض، بدليل أن عدداً كبيراً من مرضى الفشل الكلوي مصابون فعلياً بأمراض مزمنة ومعدية عديدة من بينها (الايدز) و(التهاب الكبد الوبائي)، وهم فعلياً من المداومين على استخدام تلك الأجهزة داخل عدد كبير من مراكز الغسيل في العاصمة والولايات، إلا أن حتمية استخدامهم للماكينات لا تتسبب في انتشار المرض لمن يجلس بعدهم لإجراء الغسيل على ذات الماكينة.
ومن جانب آخر، فإن أنواع الماكينات المستخدمة في إجراء الغسيل حالياً وصفها مختصون جميعها بـ(خرد طبية) كونها تجاوزت مدة استخدامها التي حددت بعدد من الساعات تتراوح ما بين الأربعة إلى الخمسة آلاف ساعة كحد أقصى مع الأخذ بعين الاعتبار أن غالبية الأجهزة يرجع تاريخ تصنيعها إلى أوائل وأواخر التسعينيات، وزاد من تدهور حالتها الاستخدام المتتالي لها بصورة دائمة خلال اليوم، فلا مجال إطلاقاً لإيقاف الماكينة خاصة وأن عدد الأجهزة الموجودة لا يغطي جميع احتياجات ومتطلبات المرضى، إذ تصل نسبة العجز تقريباً إلى ما يقارب الـ(50%) من المرضى.
فريق متخصص
المجلس القومي للصيدلة والسموم شكَّل لجنة مكونة من عدد من المهندسين الطبيين من بينهم المهندس “عبد الكريم حسن” أوكلت إليهم مهمة السفر إلى بورتسودان، لمعاينة الماكينات ورفع تقرير مفصل بذلك، بعد أن رفض رئيس الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس المكلف بمعاينة الأجهزة الإفراج عنها واعتبرها غير صالحة للاستخدام وملوثة بالأمراض، إلا أن ما توصلت إليه اللجنة من خلال المعاينة كان غير ذلك، إذ أشارت إلى أن عدد الأجهزة حوالي (117) ماكينة جميعها بحالة ممتازة، وأشار المهندس “عبد الكريم حسن” إلى أن جميع هذه الماكينات تتفوق من ناحية الحداثة على الأجهزة الموجودة بالمراكز حالياً، إذ يرجع تاريخ صناعة الأجهزة إلى ما بين العام 2005م إلى 2009م وتم تأهيلها جميعاً في العام 2012م، وأشار إلى أن غالبية الأجهزة مستوردة من (المانيا) و(السويد) من قبل شركات تصنيع أجهزة طبية عالمية من ماركات (CAMBRO) وأجهزة أخرى متوفرة لدى الوكلاء الموجودين مثل شركة (الربوة) و(باماس) الطبية، وأشار إلى أن الشحنة تحتوي عدد (37) ماكينة مرسلة من قبل اتحاد الدول العربية بالتعاون مع جامعة الدول العربية وبحالة ممتازة جداً، وأكد المهندس عضو لجنة المواصفات والمقاييس أن إدخال الماكينات للمراكز من شأنه أن يفي باحتياجات آلاف المرضى بالعاصمة والولايات، وإذا تم تشغيل هذه الماكينات بنظام الثلاث ورديات يومياً ستدعم حوالي (468) مريض وتفي باحتياجات (1404) حال إجراء ثلاث جلسات بالأسبوع، الأمر الذي جعل من المرضى والعاملين في الحقل الطبي يطالبون السلطات والجهات الرقابية والصحية المناط بها العمل ضرورة الإفراج الفوري عنها.
توقيع وزير المالية المانع الوحيد
والمنظمة القومية لمرضى الكلى بالسودان بالتعاون مع مجلس الصداقة الشعبية والعالمية وضعت تصوراً شاملاً ومتكاملاً لمشروع إنشاء مستشفى تخصصي لعلاج وزراعة الكلى بالمجان والقيام بالبحوث والدراسات المتخصصة وتدريب الأطباء، يكون هذا المستشفى هو الأفضل من نوعه في السودان وإفريقيا بعد أن صدقت الحكومة بقطعة أرض للمستشفى بالخرطوم بحري مساحتها (7680) متر تم تسليمها وتسجيلها ملكاً حراً باسم المنظمة، كما وعدت وزارة الصحة الاتحادية بتوفير الكادر الطبي والإداري وتوفير المرتبات المنظمة، وأعدت الخرائط والتقديرات اللازمة للبناء، بجانب توفير المعدات بكلفة بلغت (36) مليون دولار، توضح الخرائط أن مساحة المستشفى (3000) متر تحوي عدد (4) عنابر للاستصفاء الدموي وعنبري غسيل (بروتوني) وقسم لأشعة الموجات الصوتية وقسم للمناظير وتفتيت الحصاوي ومعامل مختلفة وغرف عمليات وعناية مركزة وعنابر متنوعة لعدد (140) مريضاً ووحدات تنقية، جميع هذه الدراسات قدمتها المنظمة إلى البنك الإسلامي للتنمية بـ(جدة) مرفقة بخطاب من المشير “عبد الرحمن سوار الذهب” راعي المنظمة ليصل رد (البنك الإسلامي) حاملاً الأمل، مؤكداً إمكانية البنك للمساهمة في تمويل مشروع إنشاء المستشفى بشرط الإفادة بطلب رسمي عن طريق معالي وزير المالية والاقتصاد الوطني محافظ البنك الإسلامي للتنمية عن جمهورية السودان.
المنظمة بدورها خاطبت الوزير “علي محمود عبد الرسول” وقدمت له صورة من رد البنك المرسل عبر القنصلية العامة لجمهورية السودان بـ(جدة)، إلا أن الوزير لم ينظر في أمر الطلب بعد رغم تجاوز مدته العامين.