هل تستقر الأوضاع في وسط أفريقيا ؟: رحيل إدريس ديبي .. مستقبل تشاد على حافة المجهول
انجامينا – وكالات – meo
يمثل مقتل الرئيس التشادي إدريس ديبي إتنو عبوراً إلى المجهول بالنسبة إلى 16 مليون تشادي عاشوا أكثر من 30 عاما تحت حكم هذا الرجل الذي قتل أثناء تفقده لقواته المنشغلة في تفقد المتمردين وذلك بعيد انتخابه لولاية سادسة، وفي حدث هز جمهورية التشاد وينذر باضطرابات أمنية في تهدد استقرار بلدان مجاورة مربكة أصلا مثل ليبيا والسودان ودولا إفريقية كلها تعاني تمرد الجماعات الإرهابية والميليشيات المسلحة، وهو ما يمكن أن ينعكس على أمن المنطقة برمتها.
ويرى بعض المحللين أن تأثير مقتل الرئيس التشادي وعدم الاستقرار في تشاد قد يؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار في المنطقة بأكملها، لدور ديبي الرئيسي في محاربة الإرهاب في المنطقة.
ويقول المحلل السياسي السوداني عبدالله رزق، إن غياب ديبي سيشكل خسارة كبيرة لحركات الكفاح المسلح بدارفور، التي أصبحت جزءا من نسيج السلطة الانتقالية في السودان بعد مفاوضات جوبا، والتي فقدت من قبل، مواطئ أقدامها في ليبيا ( في الإشارة للحركات المسلحة).
وأضاف “مثلما يشكل خسارة كبيرة لتحالف المعارضة في جمهورية إفريقيا الوسطي، الذي يتزعمه الرئيس الأسبق فرانسوا بوزيزيه، والذي حملته الرماح التشادية، في وقت سابق، لقمة السلطة في بانغي”.
وأشار إلى أن مقتل الرئيس ديبي ينعش نظرية المؤامرة بشأن إعادة ترتيب المنطقة من جديد، وأن الفوضى هي الأقرب لملء الفراغ الذي خلفه مقتل ديبي، على مستوى تشاد، ومستوى الإقليم، والساحل الإفريقي.
شهدت تشاد عبر تاريخها سلسلة من حركات التمرد القادمة من الشمال من ليبيا أو السودان المجاور. وكان إدريس ديبي نفسه على رأس قوات من المتمردين اقتحمت العاصمة نجامينا.
وخلال عطلة نهاية الأسبوع، انضم إلى ابنه محمد لقيادة القتال في الشمال ضد تحالف المتمردين.
وأعلن الجيش التشادي الإثنين أنه تمكن من سحق المتمردين، لكن شائعات تحدثت عن قتال عنيف أدى إلى سقوط العديد من القتلى والجرحى من الجانبين.
ولم يعترف الجيش سوى بستة قتلى في صفوفه وقال أنه قتل أكثر من 300 من مقاتلي “العدو”.
في جبل تيبستي على الحدود مع ليبيا، ولكن أيضًا في الشمال الشرقي المتاخم للسودان، يواجه المتمردون التشاديون الجيش باستمرار من قواعدهم الخلفية في البلدين.
وفي فبراير/شباط 2019 أوقف قصف جوي فرنسي بطلب من نجامينا، المتمردين القادمين من ليبيا لمحاولة إسقاط النظام.
وفي ذات الشهر من العام 2008 وصلوا إلى أبواب القصر الرئاسي قبل صدهم بفضل دعم فرنسا العسكري أيضا.
ويعكس مقتل الرئيس التشادي مدى خطر المتمردين المتواجدين على الحدود الليبية والسودانية للتشاد ويشكل هذا التحول خطرا على أمن تلك الدول المجاورة وأمن المنطقة ككل.
ويترقب السودانيون التطورات المتسارعة التي تشهدها الجارة تشاد، غداة مقتل إدريس ديبي متأثرا بجروح أصيب بها أثناء تواجده في ساحة المعارك بمواجهة متمردين شمالي البلاد.
ويبدو السودان أكثر تأثرا بمجريات الأحداث باعتبار أن تشاد الجارة الغربية له، وتتاخم إقليم دارفور الذي يعاني من هشاشة أمنية وعدم استقرار منذ عقود.
ويشهد إقليم دارفور نزاعا مسلحا بين الجيش السوداني والحركات المسلحة، خلف 300 ألف قتيل وشرد نحو 2.5 مليون شخص، الآلاف منهم لجؤوا إلى تشاد، بحسب إحصائيات أممية.
حذر وترقب
وحذر حاكم ولاية غرب دارفور محمد عبدالله الدومة الأربعاء، من دخول لاجئين تشاديين إلى ولايته الواقعة غربي السودان، مضيفا أن حكومة ولايته “تتحسب لكل شيء، والأجهزة المختصة ستتخذ إجراءات (لم يحددها) في غضون الساعات القادمة لتأمين الحدود بين البلدين”.
فيما دعت وزارة الخارجية السودانية كل الأطراف في تشاد إلى التهدئة ووقف القتال.
وقالت في بيان الثلاثاء “نتابع بقلق بالغ تطوُّراتِ الأحداث في الشقيقة تشاد، والصراع المحتدم بين القوات الحكومية وقوات المعارضة على السلطة”.
والثلاثاء بحث بيرتس فولكر رئيس بعثة الأمم المتحدة المتكاملة في السودان “يونيتامس”، مع نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي”، تطورات الأوضاع في تشاد، على خلفية مقتل ديبي، والمعارك التي تدور بين الحكومية والمعارضة، ومدى تأثير ذلك على الأوضاع في السودان والمنطقة.
وبحسب بيان أصدره المجلس أكد فولكر وحميدتي على أهمية التهدئة حفاظاً على استقرار تشاد.
قلق الخرطوم
والخرطوم لديها الحق في القلق مما يحدث في تشاد، بحسب كثير من المراقبين، استنادا على وقائع سابقة، فالحدود بينهما لم تشهد استقرارا إلا عقب توقيع اتفاق بين حكومتي السودان وتشاد عام 2009 ألزمهما بوقف أي دعم للمتمردين من البلد الآخر، كما نشر البلدان قوات مشتركة لحفظ الحدود.
وتنتشر قوات سودانية تشادية مشتركة في نحو 20 موقع بين البلدين لتأمين الحدود، ومنع أي طرف من دعم المتمردين في الطرف الآخر، حيث كان البلدان يتبادلان اتهامات في هذا الشأن.
وحذر رئيس حزب الأمة مبارك الفاضل، من تأثر السودان بحالة عدم استقرار الأوضاع فيها بعد مقتل الرئيس ديبي، واستمرار الصراع الدائر بين العرب والقبائل الإفريقية، بحسب وكالة الأنباء السودانية.
وقال الفاضل الثلاثاء “عدم الاستقرار في تشاد ينعكس تلقائياً على السودان ويسبب عدم الاستقرار في دارفور”.
وقال إن الرئيس ديبي خلق استقرارا في تشاد وكان حريصاً على السلام والمصالحة بين العرب والقبائل الإفريقية في دارفور لأنها تنعكس على المصالحة بين العرب والقبائل الإفريقية في تشاد.
وبين حين وآخر تشهد مناطق عدة في دارفور اقتتالا دمويا بين القبائل العربية والإفريقية، ضمن صراعات على الأرض والموارد ومسارات الرعي.
ثلاثون عاما من الحكم في تشاد لديبي بعد انقلاب عسكري
ثلاثون عاما من الحكم في تشاد لديبي بعد انقلاب عسكري
وكان إدريس ديبي إنتو العسكري البالغ من العمر 68 عاما، متمردا قبل أن يستولي على السلطة بقوة السلاح في 1990. ولم يكف عن الظهور ببزة عسكرية وعن تقديم نفسه “كمحارب”.
وقد أصيب بجروح خطيرة عندما توجه إلى الجبهة ليقود بنفسه القتال ضد رتل من المتمردين المتسللين من ليبيا.
وكان ديبي أطاح حسين حبري (حكم من 1982 إلى عام 1990) بعدما كان قائد الجيش في عهده. وقام الحرس الرئاسي لسنوات بقمع أي معارضة بقوة قبل أن يخفف من تشدد نظامه ويفتحه لتعددية حزبية “مضبوطة”، على حد قول الخبراء.
وقد تمت ترقيته إلى رتبة مشير في أغسطس/آب الماضي بسبب إنجازات عسكرية بعد أن قاد شخصياً قبل عام هجوماً في عمق نيجيريا المجاورة لملاحقة جهاديي بوكو حرام الذين جاءوا لمهاجمة ثكنة عسكرية تشادية.
ويشارك الجيش التشادي في قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في مالي بواحدة من فرقها الرئيسية ويعتبر الأكثر خبرة في القوة المشتركة لمجموعة دول الساحل الخمس التي تضم موريتانيا ومالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد.
تسلم الحكم مباشرة بعد مقتل الرئيس التشادي مجلس عسكري بقيادة نجله الذي يمسك بكامل السلطات من غير أن تكون له خبرة في السياسة.
كان الجنرال الشاب محمّد إدريس ديبي يظهر بصورة متكررة إلى جانب والده ومكلّفاً تنسيق أمنه الخاص، حتى في التنقلات المحدودة، وقد عرِف بنظاراته السوداء الداكنة التي أخفت عينين لا يعرفهما الناس كثيراً، كما هي الحال مع ماضيه وشخصيته.
عقب رحيل والده كان الجنرال ذو النجوم الأربع في السابعة والثلاثين على رأس الحرس الرئاسي النافذ. ويبدو أنّه صار بحكم الأمر الواقع الرجل القوي الجديد للبلاد، ما أثار مفاجأة إذ كان خبراء يشيرون إلى أنّ الرئيس الراحل لم يختار خلفاً له ولم يهتم كثيراً بالمسألة.
إلى ذلك نددت أحزاب المعارضة الرئيسية في تشاد الأربعاء بـ”انقلاب مؤسساتي” غداة تولي محمد ادريس ديبي السلطة في البلاد بعد وفاة والده الرئيس إدريس ديبي اتنو.
ودعا حوالى ثلاثين “حزبا سياسيا في المعارضة الديمقراطية إلى مرحلة انتقالية يقودها مدنيون عبر حوار شامل”، وفق ما جاء في بيان.
الرجل القوي الجديد في تشاد:
ويتولى محمد ادريس ديبي “مهام رئيس الجمهورية” ومنصب “القائد الأعلى للقوات المسلحة” على رأس مجلس عسكري انتقالي، ممسكا بكامل مقاليد الحكم تقريبا.
وأورد البيان أن المعارضة “تدعو سكان تشاد إلى عدم الانصياع للقرارات غير القانونية وغير الشرعية والمخالفة للتنظيمات التي اتخذها المجلس العسكري الانتقالي، ولا سيما ميثاق الانتقال وحظر التجول وإغلاق الحدود”.
وبين الموقعين حزب صالح كبزابو خصم إدريس ديبي “التاريخي”، وحزب سوكسيه ماسرا أحد أشد معارضي نظام الرئيس السابق.
كما وجهت هذه الأحزاب “تحذيرا” إلى فرنسا، القوة المستعمرة السابقة والتي دعمت ديبي منذ وصوله إلى السلطة عام 1990 على رأس حركة تمرد، طالبة منها “عدم التدخل في شؤون تشاد الداخلية”.
ودعت أخيرا الأسرة الدولية إلى “مؤازرة الشعب التشادي لإعادة دولة القانون والديمقراطية”.
وعين محمد إدريس ديبي الثلاثاء 14 جنرالا يُعرف أنهم من بين الأكثر ولاء لرئيس الدولة أعضاء في المجلس العسكري الانتقالي الذي أكد أن مؤسسات جديدة ستُشكل بعد انتخابات “حرة وديمقراطية” في غضون عام ونصف العام.
اكن المتمردين الذين يشنون هجوما ضد النظام التشادي منذ تسعة أيام توعدوا بالتقدم نحو نجامينا ورفضوا “بشكل قاطع” هذا المجلس العسكري.