(مؤامرة) جديدة في "أبيي"
{ أشتم رائحة (مؤامرة) خبيثة في حادثة “أبيي”، وتبدو (محبوكة) بأياد (خارجية) استخباراتية طويلة، عاونتها – بعلم أو بدون علم – أطراف (شمالية) و(جنوبية) في تنفيذ عملية المواجهة المؤسفة غير المبررة من الطرفين، التي أودت بحياة ناظر دينكا نقوك “كوال مجوك” وعدد من مرافقيه، ونحو (17) شخصاً من قبيلة (المسيرية) أمس الأول.
{ جهات دولية مهمة، على رأسها “إسرائيل”، لم يعجبها تنفيذ اتفاق التعاون المشترك بين السودان والجنوب، وتريد أن تعود الدولتان مرة أخرى إلى مربع (الحرب).. والحريق.. وتوقف عملية صادر البترول.. ولهذا من الطبيعي أن يعمل جهاز (الموساد)، وبالتأكيد له (عملاء) و(مصادر) و(محطة) في “الخرطوم” وأخرى في “جوبا”.. وما اعتداءات الطيران الحربي الإسرائيلي أربع مرات على شرق السودان، وخاصة على مصنع “اليرموك” في الخرطوم، إلا تأكيد، لا شك بعده، على وجود (محطة) استخباراتية تعمل لصالح دولة الكيان الصهيوني، أما محطة “جوبا”، فهي (معلومة) و(معلنة) والمسؤول عنها معروف، يسهر في فنادق “جوبا” كل مساء، يتمختر ولا يتخفى!!
{ هناك أطراف (داخلية) في السودان والجنوب على حد سواء، غير مرتاحة لإجراءات (التطبيع) بين البلدين.. أهم هذه الأطراف، السياسيون من أبناء قبيلة (دينكا نقوك)، يقابلهم أبناء قبيلة (المسيرية) المنتمون لكافة الأحزاب والتشكيلات السودانية، من (المؤتمر الوطني) إلى (حزب الأمة) وإلى (الحركة الشعبية – قطاع الشمال).
{ بعض أفراد (المسيرية) و(الدينكا) يعتقدون أن الحكومتين تجاهلتا قضية (أبيي)، وأهملتاها، أو جمدتاها، إلى حين الوصول إلى اتفاق التسوية النهائية.
{ في ظل هذه الأجواء، مع وجود عنصر (خارجي) يتربص بالاتفاق، والتهدئة، مع وجود طرف (أجنبي) آخر على الأرض، يتمثل في قوات (اليونسيفا) التابعة للأمم المتحدة، وهي قوة (إثيوبية) بالكامل، يمكن (اختراق) عدد (محدود) من أفرادها ولو (ثلاثة جنود وضابط) بواسطة أي جهاز مخابرات دولي بإمكانيات عالية، وأذرع ممتدة، للتغطية على أية (عملية) تستهدف تفجير الأوضاع في “أبيي”، وبالتالي تفجير الحدود بين السودان والجنوب، والعودة إلى (مربع الحرب) بصورة أفظع.
{ لا أؤمن كثيراً بنظرية (المؤامرة)، ولا أحبذ تعليق أخطاء (العرب) بصفة عامة، والسودان بصفة خاصة، على (شماعة) جاهزة اسمها “إسرائيل”، لكنني أستطيع أن أجزم، استناداً إلى القراءة أعلاه، وخلفيات المشهد خلال الأسابيع الماضية، أن جريمة اغتيال ناظر (الدينكا)، وعدد من (المسيرية)، بوجود أفراد من قوات (اليونيسفا)، هي عملية (مدبرة) ومقصودة، وتشبه في تفاصيلها، عمليات استخباراتية منشورة ومشهورة، ابتداءً من (فكرة) زيارة (الناظر) لمناطق في شمال “أبيي” يسيطر عليها (المسيرية)، وانتهاءً باغتياله، وهناك يقفز سؤال: من الذي أقنع الناظر “كوال” بتنفيذ هذه (الفكرة)، ولماذا وافقت قيادة القوات الإثيوبية على السماح له بالزيارة، بل ومرافقته، في ظل أجواء ملتهبة واتهامات متبادلة وشكوى من (المسيرية) باحتجاز الدينكا لأبقارهم جنوب “أبيي”؟! لماذا جاءت هذه الزيارة والموافقة عليها في هذا التوقيت بالذات؟! هناك طرف (جنوبي) وآخر (أجنبي) وراء تنفيذ النصف الأول من مخطط الجريمة!!
{ مجموعة (المسيرية)، التي كانت في موقع الحدث، أيضاً (متورطة) في المخطط، ولو بدون علم، فكيف يتم الاعتداء على (ناظر)، مهما كانت الأسباب؟! فأعراف القبائل ظلت مرعيَّة بين (الدينكا) و(المسيرية)، وظل كبار المسيرية يتحدثون للإعلام عن العلاقة التاريخية العميقة بين الناظر “بابو نمر”، والناظر “دينق مجوك” منذ عقود طويلة، فما الذي جد الآن؟! يمكن أن نفهم أن يسقط ضحايا في اشتباكات بين أفراد من القبيلتين ليس من بينهم (نظار) ولا (عمد)، وقد حدثت كثيراً خلال الست سنوات الماضية، فما الذي أدى إلى تطور الأمر لهذا (الحد) في هذه (الحالة) بالذات، علماً بأن ناظر الدينكا لم يكن (قائداً) لمتحرك من (المقاتلين) في هذه الزيارة؟!!
{ أسئلة.. وأسئلة.. وكلها (تجريمية) للطرفين وللقوة الإثيوبية.. فلا نحتاج أن نجرم (الموساد)، فهي – أصلاً – مجرمة وهذا حقلها.. وميدانها!!
{ يجب أن تدين حكومة السودان وبشدة هذه (الجريمة) البشعة التي سقط جراءها ضحايا من القبيلتين ومن القوة الإثيوبية، وقد فعلت الخارجية وأصدرت بياناً أمس يدين مقتل الناظر.
{ قضية “أبيي” قضية دولة.. وليس (قبيلة)، ولا هي من ممتلكات (عشيرة) لتحدد أن تذهب أرضها للسودان أو للجنوب، هذا ما يجب أن يقوله الرئيس “البشير” بقوة وشدة لأهلنا (المسيرية)، وذات الرسالة يجب أن يبلغها الرئيس “سلفاكير” لزعماء “دينكا نقوك”.
{ عزاؤنا مرفوع إلى أهل وأسرة الناظر الراحل “كوال مجوك”، وإلى أسر القتلى من قبيلة (المسيرية).
{ حفظ الله بلادنا من شر الفتن ما ظهر منها وما بطن.