(أبوكرشولا) ..روايات بطعم الدم والدموع ورائحة البارود !
الساعة السادسة وعشر دقائق، والحاجة “حليمة محمود” تجر رجليها اللتين أثقلتهما السنين والمرض جراً، صلت (الصبح حاضر) وتستعد لوضع جسمها النحيل على صفحة سريرها القديم بالقرب من سور منزل ابنها (أحمد ود حامد) والتمتمة بأورادها وأذكارها التي تعودت عليها عقب كل صلاة، لكنها لم تدرِ أن صباح (السبت) لم يكن كغيره من أيام الله السبعة التي دأبت الحاجة “حليمة” على كرها منذ فترة ليست بالقصيرة ودعت فيها رفيق دربها و(أبو عيالها ) الحاج “حامد ود المهدي” وانتقلت للعيش مع ابنها الوحيد (أحمد) وسط (5) بنات في ناحية من نواحي مدينة (أبوكرشولا) بمحلية “رشاد” بولاية جنوب كردفان .
وما إن ارتمت الحاجة (حليمة) ببطء وعنف خفيف على السرير، إلا ونهضت فزعة على صوت دوي هائل لم تألفه آذانها طيلة سنين حياتها التي تجاوزت الـثمانين خريفاً، ارتفع معه صراخ حفيدها (الطاهر) ذي الأربعة أشهر قبل أن تضمه أمه (نعمة) بين ضلوعها ومحاولتها جاهدة الاحتماء به وحمايته بإدخاله بين أحشائها اتقاء دوي الأصوات الذي شق سكون ذاك الصباح الأليم.
صرخ الجميع، الطفل، الجدة والأم و(البنتان) (زنوبة) ثلاث سنوات و(فطومة) لم يجدن مكاناً آمناً من بطن أمهن فهرعن إليها وهن يجتهدن في العودة اليها مجدداً رغم جهلهن أنهن جئن من نفس المكان الذي تمنى (الطاهر) أن لا يخرج منه ، ورب الأسرة (أحمد) لم يكن بالمنزل، فقد رحل بعيدًا في رحلة البحث عن لقمة العيش التي كان يصارع لتوفيرها للبنتين والولد وزوجته وأمه.
ثوانٍ، دقائق، ساعات، اجتهدت الجدة كثيراً وزوجة ابنها في طمأنت الصغار الذين شخصت أبصارهم للسماء وآذانهم للفضاء، ولكن دون جدوى، الصراخ كان يأتي من الخارج وعبارات (جوكم) ..(جوكم) ترسم ملامح لغزوٍ بات وشيكاً .
“نعمة” قفزت خارج المنزل وطفلها بين يديها بعد أن تركت أم زوجها (العجوزة) تجرجر أرجلها، والصغار أمامها يتقافزون يصرخون (زينب) و(فاطمة)، عند الباب سقطت الجدة على الأرض وتكومت جثة هامدة بعد أن اخترقتها عدة رصاصات، لم تنتبه “نعمة” التي نوت أن تسابق الريح فراراً بجلدها وجلد صغارها،فما عاد بمقدور الحاجة (حليمة) أن تصلي الصبح حاضر ولن تحلب شياه اللبن لصغارها الذين لم يفيقوا من هول الصدمة.
فى طريق الفرار فارق (الطاهر) الحياة عطشاً وربما لشيء آخر لكن أمه لم تعرف أو تجاهلت ذلك إلا بعد ساعات وهي تقاوم للوصول وصغارها إلى مكان لا يسمع فيه صوت الانفجار والقنابل ولا أزيز الطلقات، ولكن دون فائدة ،حتى بعد أن تيقنت أن ابنها فارق الحياة أصرت على أن تحمله بين يديها وهي تأمل في أن يكون ما غشيه مجرد (غيبوبة) سرعان ما يفيق منها ولكن هيهات، حملت وهناً على وهن لمسيرة يومين ومن خلفها بنتاها والخوف والهلع لا يفسح مكاناً للبكاء أو الكلام أو الأكل أو الشرب.
من على البعد لاح لهن شبح عربة (كارو) رويداً رويداً، وما إن اقترب منهن حتى تبرع صاحبها وهو ينهر حماره ويتعجله بإكمال المهمة وإيصال الأسرة المكلومة لأقرب تجمع للناس بعد أن اختفى صوت المدافع وأزيز الرصاص والحاجة (حليمة) والطفل (الطاهر) ذي الأربعة أشهر الذي غادر دون أي ذنب جناه سوى أنه كان من أهل مدينة يصلي أهلها (الصبح حاضر) ويكسرونه بأوراد من شر العين والمرض والعوز وقهر الرجال ، وربما لم يكروا أورادهم ذاك الصباح وعربات التمرد تجوب ديارهم وتعمل فيهم القتل والتنكيل.
عدة روايات وللظلم وجه واحد
“حواء الأمام” لم تزد في أنها وعند سماع دوي المدافع وأزيز الرصاص خرجت بملابسها التي لم تخلعها بعد أن أدت فريضة الصبح وقفزت خارجة وهي لا تدري وجهة أو أمر أبنائها الخمسة “خديجة” أكبرهم (12) سنة و”محمد” أصغرهم تحمله بين يديها، قالت: (الخلعة والخوف لم أنتبه إلا وأنا أجري (مرقت بروحي) وتفرقنا جميعاً، الحمد لله بعد مسيرة يومين وصلت حلة (إبراهيم) وهناك أخبرني بعضهم أن مجموعة من الأطفال بالناحية الأخرى ذهبت ووجدت أبنائى من بينهم وأبناء أخواتي، تحركنا بعدها إلى “الرهد”، بنرجع لو الوضع اتحسن وجبتوا جيش (كتير)، ما عندنا قعاد هنا.
الطفل “حمزة محمد أحمد” سألته لم يكن يريد التحدث لأحد، أشاح بوجهه بعيداً عني ألححت عليه واستعطفته ليحكي لي ما شاهده حتى ننقله ليعلم العالم أي جرم ارتكب هؤلاء، بعد جهد كبير قال ودموعه تقاوم لتسقط ويقاوم هو لإبقائها في مكانها لأنه رجل والرجل لا يبكي، قال بصوت متهدج غاضب وكأنما يراهم أمامه: (كانوا في عربية فيها “دوشكا” كتار ضبحوا الزول قدامي، ياخي ديل اغتصبوا البنات وساقوا واحدات معاهم وهن بصرخن) ثم موجة من البكاء الصامت استطاعت فيه دموعه أن تغتصب (رجالته) وتسقط على الأرض وهو ينظر إليها .
مأساة أخرى …(سليمة) أصيبت أختها برصاصة أثناء فرارهم من المنزل الذي يقطنون فيه لوحدهما بعد أن مات الأب والام وغادر الأخ في رحلة البحث عن لقمة العيش إلى مكان ما داخل حدود السودان، تبكي وهي تتحدث (الحمد لله لو كان قبضونا كان ضيعونا الله لا يرحمهم دنيا وآخرة، يوم كامل أنا شايلة أختي مرة تقعد ومرة نمشي.. ربطنا الدم من رجلها بقطعة قماش من توبي والحمد لله ود حلال لقانا ووصلنا المستشفى في الرهد).
ولـ”رقية عبيد” ذات الثلاثين من العمر ستة من البنين والبنات أكبرهم حكمة (18) سنة وأصغرهم تحمله بين يديها ابنها (زين العابدين) سنة ونص ــ بحسب تحديد عمر الطفل المريض، قالت لـ (المجهر): (كنا ما دايرين نطلع لكن الضرب بقة كتير وخفنا شديد والناس كلها طلعت وبقت حربة، بالردمية ما تمشوا أحدهم حذرنا خرجنا وبعد مسير حوالي الساعتين وجدنا (لوري) شالنا للرهد ،ما بنقعد هنا دي حالة اضطرار)، مشينا يومين لا زاد ولا ماء.
الطفل “حمدان إبراهيم” بمعية عدد من الصبية داخل معسكر “خديجة بنت خويلد” بأم روابة التي اتخذتها المحلية مأوى للمتأثرين من الأحداث روى لـ (المجهر): (كنت في حلة “عمر قولي” عندنا مناسبة معايا أخواتى الاثنين، سمعنا هناك الضرب، جريت أختي مسكتني ملصت ليها الفنيلة وجريت أشوف أمي الحصل ليها شنو، في الطريق لاقيتهم قلت ليهم أمشوا أنا ماشي نطلع حاجاتي وجريت، شفت مرة راقدة في الأرض رأسها ما في والدم مغطيها رجعت ولحقت أهلي في (الحجير) لقينا عربية منها إلى حلة “إبراهيم” و”الرهد”) .
الطفل “محمد علي” ذو الـ(13) سنة، في ذات المكان من ضمن (332) طفلاً من جملة حوالي الـ(500 ) نازح قصدوا “أم روابة” ، حكى لي روايته، كان يتحدث وكأنما لا يريد أن يتذكر ما مر به من فظائع رغم صغر سنه وقلة تجربته، غشيته حالة من الرجفة وهو يقول في بطء شديد وكلمات مبعثرة بالكاد استطعت لملمتها، شفتهم مقعدين (3) في الواطة وبسألوا فيهم انتوا مؤتمر وطني قالوا (آااي) ضبحوهم قدامى بالسونكي من وراء، ما شافوني جريت إلى حلة “عمر قولي” ومنها لي يومين ماشى بي كرعينى لا من وصلت محل ما عرفته شفت ناس كتار رفعوني في بوكس وجابوني هنا .
حتى مدينة “أم روابة” التي احتسبت (10) قتلى وضربت محطة كهربائها لم تنجُ من فظائع المتمردين والمندسين من أهلها، ومأساة محطة كهرباء “أم روابة” تقول إن أحدهم جاء إلى المحطة وهو يرتدي ملابس ضابط شرطة برتبة النقيب من أبناء المنطقة ومن إثنية محددة رفعوا له التمام فاستدرجهم وكانوا (7) من حراسها من الشرطة بينهم ضابط برتبة الملازم إلى الخارج ليسقطوا برصاص الغدر والخيانة .
الطابور الخامس ..
المندسين، الخونة، الطابور الخامس، تبادل استخدامها كل من روى لنا تفاصيل ما حدث من العائدين من (أبوكرشولا)، بيد أنهم كانوا يعنون بها مجموعة من أبناء المنطقة من إثنية محددة كانت من ضمن المهاجمين وكانت تدلهم على أماكن تواجد القيادات الأهلية وقيادات المؤتمر الوطني ورموز المجتمع في المنطقة وعلى هذا كانوا يقتحمون المنازل بحثاً عنهم لتصفيتهم، وأن مجموعة أخرى من أبناء (أبوكرشولا) ما إن دخلت القوات إلا وقد اتخذوا مواقعهم في (لبها) وتسلحوا استعداداً لقتل أو نهب أو اغتصاب جيران وإخوان (الأمس) أعداء اليوم دون أن يرتد طرفهم عن قسوة وفظاعة ما ارتكبوه .
يعرفونهم بالاسم (فلان ود فلان) كان يبحث عن (فلان ود فلان)- قالها بعد أن طلب مني أن لا أذكر اسمه- إنهم هموا بقتله ولكن وجد معهم من شفع له فحبسوه ثم أخلوا سبيله بعد عدة أيام شريطة أن لا يغادر المنطقة لكنه لم يستجب وتسلل خارجاً منها، مشيراً إلى أنه رأي جثة أخ معتمد “رشاد” مضرجاً بدمائه على الطريق، وأوضح أن الرائحة النتنة التي بدأت في الانبعاث تحكي عن مجموعات من البشر تعفنت جثثهم وهم على قارعة الطريق.
أحد رجال الشرطة من الذين عايشوا لحظات الهجوم على “أم روابة” ويدعى (م ع م) رفض الحديث للصحفيين استجابة للتعليمات، ولكنه رضخ أمام إلحاحي شريطة أن لا أذكر اسمه، قال : (كان معهم بنات حوالي (7) إلى (8) يرتدون الكاكي، كل عناصر الطابور الخامس رأيناهم بأعيننا ومنهم من كان جزءاً من قوات الشرطة وفصل لسوء السلوك)، واستطرد: (الطابور الخامس دة أخطر حاجة زول تأكل معاه بالنهار يقتلك بالليل) واسترسل..بعضهم ذهب لأهله وبعضهم ذهب لتصفية حسابات قديمة مع أهل “أم روابة”، قدموا كل المعلومات عن المدينة وأهلها لم يمكثوا كثيراً غادروا بعد حوالي الثلاث ساعات ونصف الساعة .
مسلسل الدم والدموع ..
رواية أخرى تحمل نفس ملامح الغدر والخيانة، يرويها بكل أسف وهو ينفخ في الهواء محاولا طرده وكان يريد أن يلحق بخاله، الذي أشار إلى أنهم قتلوه لأنه يحمل بطاقة رقم وطني. مدير ديوان الزكاة بـ (أبوكرشولا) “كمبال العبيد محمد” تحت شجرة بديوان الزكاة بالرهد، أحد شهود العيان، قال لـ(المجهر) إن المتمردين كانوا يحملون قوائم بأسماء قيادات المنطقة وزعاماتها ويقتلون كل من يعثرون عليه، قتلوا (خالهم) “العالم محمد أبكر” بمدفع (أربجي)، وبرصاصة في رأسه فارق “إسماعيل محمد صالح” الحياة ،ولم يكن لديه في الدنيا إلا راتبه الحكومي عن عمله كسائق.
“كمبال العبيد” تأسف لفترة من عمره قضاها بين بعض من ظن أنهم إخوانه ليكتشف بعدها أنهم أعداء غلاظ يضمرون له أشد العداوة، قال: (كانوا يقتلون أي زول مؤتمر وطني وأي زول عربي دون تمييز، أخبرني أحدهم إن من نهب داري التي غادرتها في اليوم الثاني للضربة من كنت أسامره قبل ساعات من الهجوم، كانت لدي معلومات قبل الهجوم بنحو يوم عليه قمت بإخراجهم وأهلي الذين جاءوا ليحتفلوا معنا بزواج أخي الأصغر في مدينة “أبوكرشولا” ولكنه زواج لم تكتمل مراسمه، غادر أهلي مساء وبقيت وحدي لاستجلاء الأمر والدفاع عن ممتلكاتي، ولكن القوة المهاجمة كانت فوق تصوري ورصاصات كلاشي، ورغم ذلك قررت البقاء، كانوا يحومون حول المنزل وكنت أرقبهم من على الحائط إلى أن حل الليل، بقيت ساهراً وسلاحي في يدي ومع اتصالات أهلي عبر الهاتف قررت الرحيل ، حوالي السابعة ونصف من صباح الأحد ركبت (موتري) وخرجت من الباب الخلفي إلى وصلت بالقرب من حلة “إبراهيم” ومن هناك جاءت عربة أقلتني للرهد).
“يوسف سليمان” قال لـ (المجهر) دون تردد من داخل إحدى المدارس بالرهد: (الناس ديل أى زول لا بس كاكي قتلوه، وأي زول مؤتمر وطني بقتلوه، وبقتلوا جنس معين)، قاطعته لو كنت مؤتمر وطني من جنسهم بكتلوني؟ رد بسرعة: (لا لا ، واسترسل.. نهبوا السوق وكسروا المتاجر، كان هناك من يعاونهم من أهل المنطقة ورحلت البضائع إلى قرى مجاورة ، منعونا من الخروج وسرقوا الموبايلات).
سالته..اغتصبوا بنات، رد يا زول أسكت ديل أي حاجة عملوها إن قلت اغتصاب في، سرقة فى، قتل فى، ذبح في كله حقيقة).
كان يتحدث كما لو أنه مصاب بالحمى لا يكاد يصمت “حمزة محمد” من نفس المكان ..قال لـ (المجهر ): (مشينا كم يوم بي رجلينا هرباً منهم، شاهدت امرأة ميتة على الطريق ونصفها ما في، ما خلوا حاجة ما عملوها قتلوا واغتصبوا النسوان وف اتنين ساقوهم معاهم بي الرجالة من الشارع أنا كنت متدسي جريت سكوني، الطيران جاء تلبوا من العربية وجروا على جوة) .
يواصل .. كانوا يصيحون “قبل ما نطلع أي زول نقبضو داير يهرب بنضبحو من الأضان للأضان، جريت أنا وأمي أي زول جرى في اتجاه بالليل ما شفتها لي هسي قالوا ما ماتت الحمد لله) .
بيوت الله وخوارق خلاوى (أسد) ..
الإحصائيات الأولية للحكومة تشير إلى تدمير أكثر من (30) مسجداً وخلوة ، ولكن ما حدث في مجمع خلاوى طريق الحق الإسلامي للشيخ “محمد عبد الله الأسد” بمنطقة “الله كريم” بالقرب من الطريق القومي، كان أغرب للخيال وعربة من عربات التمرد توجه مدفعها للخلوة عقب صلاة الصبح بحوالي ربع ساعة، وقبل أن تخرج قاذفتها تنفجر وينفجر ما في أحشائها وتطير أشلاء من عليها في الفضاء وصوت هائل يدفع (12) عربة مدججة بالسلاح كانت العربة المنكوبة إحداها، تطوق المسيد من ثلاث جهات وتمطره بوابل من كل ما فيها من رشاشات ومدافع وقاذفات دون أن يصاب أي من تلاميذ الخلوة الـ(375) بأذى باستثناء جروح طفيفة ــ هكذا سرد الشيخ إلينا تفاصيل ما لحق بمجمعه الإسلامي قبل أن يطلب من أحد شهود العيان من تلاميذه أن يحكي لنا بالتفصيل ما شاهده.
وقف “محمد آدم” (13) سنة في هدوء وقال: (كنت أركض لمعرفة أحوال الشيخ وإخراج الصبية حتى لا يصابوا بأذى، من الناحية الجنوبية للمجمع لحقت بي عربة بها مجموعة ملثمة قالوا لي أرجع رفضت ضربوا في جنبتي اليمين (3) رصاصات في هدومي مباشرة لم أتأثر بها رفعوني معهم في العربة ونزلوني بعد مسافة وقالوا لي أمشي، واحد فيهم نشن فيني عديل وأطلق رصاصة قام غبار كثيف ولم أصب غادروا وعدت للاطمئنان على صحة أبوي الشيخ وأخواني والحمد لله لم يصب أحد منهم بأذى) .
العم “جبريل” قام من مجلسه ليريني كيف نالت الرصاصة من (عراقيه) ولم تنل من جسده إلا خدش بسيط. وفي تعليقه على ما حدث قال الشيخ “أسد” إنه ومنذ أن بدء الضرب أمر تلاميذه بالإكثار من قراءة سورة يس، وقال: (يس وراء يس مرات ما نسمع قرايتنا من دوي القاذفات والرصاص ولكننا لم نتوقف والحمد لله لم يصب أي تلميذ رغم أن الهجوم استمر لأكثر من نصف الساعة قبل أن يعودوا أدراجهم).
وزيرة الشئون الاجتماعية بولاية شمال كردفان أكدت أن ما قامت القوات المتمردة من عناصر حركات دارفور والحركة الشعبية قطاع الشمال لم يحدث في حرب (البوسنة) من تعذيب وتقتيل بمختلف الطرق للنساء والأطفال ،وقالت إن (29) طفلاً تم إنقاذهم كانوا يستخدمون كدروع بشرية اتقاء هجمات القوات الحكومية، وأشارت إلى أنهم ساروا لمسافة 40 كلم وأن من بينهم من كان في عمر الثالثة، وأشارت إلى أن المعتدين عاثوا فسادا في منطقة “أبوكرشولا”، وشددت على ضرورة إرجاع المنطقة في أقرب وقت .
ثم ماذا بعد؟
في معسكرات النزوح (بأم روابة) و(الرهد) و (أم دورين) عشرات من الروايات لأطفال ورجال ونساء، بطعم الدم والدموع ورائحة البارود، تشعر بالإعياء والغبن والمرارة وأنت تسمعها، سمعنا بعضها وما زال بعضها حبيس الصدور، نقلنا بعضها وما زال بعضها حبيس أوراقنا وآلة التصوير لدينا، كل الروايات تجعل من الدين أو اللون أو الانتماء السياسي هدفاً لسونكي المتمردين في (أبوكرشولا) ورصاصهم بل قذائفهم، غض النظر عن النوع والعمر، ممارسة تسقط كافة دعاوى الدفاع عن الهامش والمهمشين وترمى بها تحت عجلات العربات المسلحة مضرجة بدماء أهل الهامش من أطفال ونساء ورجال وحاجة أكثر من (23) نازحاً يلتحفون السماء ويفترشون الأرض، وآخرين ما زالوا في عداد المفقودين .