أخبار

أين الداء؟!

{ حينما تتعرض منطقة ما  لهجوم عسكري من قبل المتمردين في جنوب كردفان، يتساءل حتي كبار المسؤولين في الدولة: وأين “أحمد هارون”؟! وعندما تهاجم حركات التمرد إحدى القرى أو المدن في شمال دارفور، يتساءلون أيضاً: وأين “عثمان كبر”؟! وإذا شح الماء ونضب في صنابيره بمدينة بورتسودان، قفز السؤال عن “محمد طاهر ايلا”.
تلك هي عقلية إعلاء شأن الأفراد فوق المؤسسات والأجهزة، وجعل كل مصائر الأمم والشعوب رهينة بالأشخاص، وتلك مدرسة شخصنة الشأن العام، وهي التي تخرج كل يوم تلاميذ يرددون أسئلة على شاكلة: إن السودان سينتهي به المطاف للتمزق والتصدع وذهاب ريحه إذا تخلى “البشير” عن السلطة في هذا (المنعطف التاريخي)، كما يزعمون، وحينما يضيق أفق الرؤية وتنسد الدروب يفرغ المواطن أحزانه وخيباته تعبيراً سالباً، كما حدث في مدينة “أم روابة” عشية زيارة الوالي لها جراء اجتياح التمرد للمدينة، حيث تظاهر السكان منددين بالذي حدث، والوالي المسكين لا يد له في ما جرى. كما طالب بعض السياسيين بانتهازية وسلوك غير رشيد واستغلال لظروف الأوضاع الأمنية الأخيرة، بإقالة ولاة كردفان وتعيين حكام عسكريين مكانهم، كأن الولاة هم من يقاتلون ويخوضون المعارك ويحققون الانتصار. وحينما كان “أحمد هارون” يقف على خط النار ويتقدم مع القوات المسلحة ويصرف كل جهده في دعم القوات المسلحة، واتخذ من مقر الفرقة الرابعة عشرة إقامة دائمة له، على خطى الشهيد “إبراهيم شمس الدين”، ثارالبعض في وجهه واعتبروه معيقاً للعمليات ومتدخلاً في شؤون غيره، ونسبوا إليه أي إخفاق، واتهموه بسلب سلطات غيره، وقالوا عنه الكثير، والآن يتساءلون عن دوره و(أبوكرشولا) تحت الاحتلال.. ويتعرض فيها الأهالي لأبشع أنواع التصفيات، ولكن (أبو كرشولا) تقع تحت اختصاصات الفرقة الخامسة – الأبيض، وليس الفرقة الرابعة عشرة – كادقلي، وليس منطقياً أن نطالب “معتصم زاكي الدين” بتحرير (أبو كرشولا) لأن الولاة مهمتهم ليست قيادة الجيوش ولا خوض العمليات، بل هم قادة سياسيون ينحصر دورهم في تعبئة القواعد وحشد إرادة القتال وشحذ الهمم وتوفير بعض احتياجات المقاتلين، ولكن الشأن العسكري ومن يقرر في العلميات يخص وزارة الدفاع والقيادة العامة، وليس السياسيين في الولايات.
{ في خضم مناخ الإحباط يلوح في الافق ضوء في آخر النفق، من خلال الضربات الموجعة التي تلقتها الحركة الشعبية مساء أمس (الاثنين) في مناطق متفرقة بمسارح العمليات على يد القوات الجوية التي نفذت بدقة متناهية مقاصدها التي سيعلم عنها الرأي العام الكثير حينما تفصح هي عن نتائج ما قامت به، وسط أنباء عن مقتل قائد كبير في الجبهة الثورية بالقرب من (جبل أبو الحسن). وحتى تستبين خيوط الفجر القادم فإن المؤسسات والجماعة هي من يصنع التاريخ، وليس الأشخاص مهما كان دورهم وحماسهم وقدراتهم الذاتية، لأن أجهزة الدولة هي التي عليها الرجاء والأمل في تحقيق المقاصد، وليس الأشخاص، مع أهمية القائد. وكثير منا يتربص بما يراه خطأ، وإن أصاب البعض، وفي مثل هذا التوقيت، وبلادنا تتعرض لنكبات، وشعبنا في محنة، يبقى التماسك والصبر هو مفتاح النصر القريب، والأمم والشعوب تمتحن في ثباتها وعزيمتها وقدرتها على صد العدوان، ولولا الصبر لسقطت الإنقاذ منذ تسعينيات القرن الماضي، ولكن في الصبر الفرج.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية