أسماء مدن وأحياء لم تبددها القرارات السياسية!!
يحظى السودان بكنوز تاريخية وإرث ثقافي واجتماعي ضخم تضيق بطون الكتب بمحتواه، بجانب جغرافية مكان راسخة لم تبددها الأيام والسنين والقرارات السياسية. وقد حازت العاصمة الخرطوم على نصيب الأسد من ذلك الإرث، وهي تبتلع في كرشها عدداً مقدراً من الأحياء، كل منها يخط سطراً من سطور التاريخ، سيما النضالي والبطولي، وانبثق عنه التاريخ الحديث، مخلفاً أروع القصص والبطولات، لسيرة رجال خلُدت أسماؤهم، لذا كان حرياً بالحكومات المتعاقبة وضع هذه المنظومة نصب الأعين، فما كان منها إلا أن دمغتها بأسماء على بعض الشوارع والأحياء.. لكن ووفقاً لسياسات الحكومات التي تتعاقب، فقد صاحب تلك الشوارع والأحياء والمدن تغيير حركي للاسم، من عهد لآخر، والشواهد على ذلك كثيرة، لكن وبرغم تغيير اللافتات الوليدة، إلا أن الألسنة تبقى أبداً (تنده) باسم البكاري منها وتتجاوز بذلك القرارات السياسية التي بدلت الاسم، ليبقى جغرافياً المكان بالاسم الأول.
(المجهر) حاولت التركيز في هذه المحطة على أسماء الأحياء والمدن، فرصدت عدداً منها بخاصة تلك ذات المدلولات التي تم شجبها ومن ثم حجبها.
{ من (أمبدة) إلى (أم درمان الجديدة) وبالعكس
ونبدأ مشوار البحث عن المدن والأحياء التي تبدد القرارات السياسية اسمها القديم رغم تغيير المستندات الخاصة بها، ولمحلية أمبدة الحالية الواقعة في ولاية الخرطوم قصة اسم قبيل أن يتم تعديله من قبل حكومة الإنقاذ إلى أم درمان الجديدة، فقد سميت على الأمير “أمبدة” وهو أحد أمراء المهدية وقوادها، وأسرته تقيم في نفس المكان عند بئر الخليفة عندما أمر بحفرها لتشرب منها سرايا العرضي، ثم تهدمت البئر وأصلحها “مبدي” وكحلها وأقام عندها، فأطلق الناس على المكان اسم “مبدي”، ومن هنا كان الاسم، لكن واقع الحالة رفض قبول الاسم الجديد وطفق الناس يندهون بالاسم القديم إلى أن اضطرت الحكومة إلى العودة للاسم الأصل (أمبدة) وصار اسماً راسخاً لم تستطع القرارات السياسية تبديله.
{ (كوبر) وقصة تغيير الاسم
أيضاً، في عهد ثورة الإنقاذ بدأت السلطات في مراجعة عدد من أسماء الأحياء والمدن والشوارع من باب التأصيل وكنس آثار المستعمر، الذي سميت باسمه بعض المعالم المكانية، فحي كوبر الشهير الذي أطلق على اسم أحد رجالات الإنجليز يدعى (كُوبر) رأت تغييره إلى مسمى (عمر المختار)، وهذا الاسم رغم كتابته على خطوط المواصلات إلا أنه لم يصمد أمام الاسم الأصل فظل (الكمسنجية) يندهون (كوبر.. نفر) بالرغم من أن العربة مكتوب عليها (الخرطوم- عمر المختار).
{ (مايو) من اسم ثورة “نميري” إلى حي (النصر)
في جنوب الخرطوم (الحزام الأخضر) حيث اسم حي مايو الشهير، الذي سمي على اسم ثورة 25 مايو بعد أن قامت بتخطيطه وتمليك المواطنين الذين قطنوا هناك بسياسة الأمر الواقع، ورأت ثورة الإنقاذ تغيير الاسم بعد الإضافات التي أدخلتها على الحي وصار الاسم الجديد في الوثائق الرسمية حي (النصر)، ولكن المواطنين تمسكوا بالاسم الأول إلى أن اضطرت السلطة الولائية إلى تقديم بعض التنازل عن الاسم وعادت وكتبت على مركبات الترحيل (المواصلات) (الخرطوم – مايو).. وهكذا تبدد الاسم الجديد.
{ من (سفاهة) إلى (سماحة).. ومن (عد الغنم) إلى (عد الفرسان)
ومن الخرطوم نقفز إلى ولاية جنوب دارفور، حيث مدينة (عد الفرسان) التي كانت تسمى في الماضي (عد الغنم).. وفي منطقة بحر العرب كان اسم مدينة (سفاهة) في الحدود مع دولة جنوب السودان، حالياً رأت الحكومة تأصيل الاسم وتغييره إلى اسم (سماحة) فبات اسماً على الأوراق الرسمية، وأخذ قسطاً من الشهرة إلا أن أهالي المنطقة أصروا على إطلاق الاسم الأول.. وحي (العشش) تم تحويله إلى موقع آخر وسمت السلطات الحي بـ(الإنقاذ)، ولكن على رغم الاسم الجديد إلا أنك تسمع أحد سكان الحي في ونسة وهو يقول: (نحنا من سكان العشش القدام).