هاجس الأمن وانفلات المدن .. عاصفتان في وجهي "كاشا" و"جار النبي"!!
{ حطت طائرة (الأنتينوف) الروسية في مطار نيالا بأقدار كتبت، رغم محاولات الوالي “عبد الحميد كاشا”، والحديث المطوّل بين اللواء طيار “عبد الله صافي النور” وكابتن الطائرة لإثنائه عن قرار اتخذه بالعدول عن الهبوط في مطار الضعين (الترابي) لتعذّر الرؤية جرّاء الرياح التي هبت صباح السبت.. وتمسك كابتن الطائرة بموقفه، ولم يبالِ بسلطة الوالي، ورجاءات مدير شركة سودانير.. وما أن هبطت الطائرة فجأة في نيالا حتى تدافعت قيادات الولاية نحو والٍ سابق انتخبوه بإرادتهم، إلا أن مشيئة المركز وسطوته جعلت من “حماد إسماعيل” ومن بعده “آدم جار النبي” ولاةً على نيالا، وأزواجاً من غير موافقة العروس (بالإكراه) أو القوة الجبرية.. لأن سمات المجتمع الذكوري بكل سوءاتها تتجسّدها حالة السودان الراهنة!
ولو كان لنيالا لسان مغنٍ مثل “زرياب” الذي أطرب البصرة بالشام.. وأطرب “يزيد بن عبد الملك” غناء (خادمة) من بلاد فارس تدعى “سما”.. ولم تغنّ نيالا “لكاشا” رائعة الباشكاتب “ود الأمين” (نحن ما صدقنا إنك بي جلالك جيتنا زائر).
{ خرجت قيادات نيالا بين الدهشة والحسرة.. “حميدتي” و”حسين” قادة الرزيقات يوم الكريهة و”محمد عبد الرحمن مدلل” والغرفة التجارية والاتحادات الرياضية وسائقو (الأتوسات) والصحافيون واتحادهم.. ومواطنات من أحياء المدينة المرعوبة بالنهب والسلب، وهم يسألون: (منو والينا الجديد)؟! ولماذا لا يبقى “كاشا” هنا بعد أن ساقته إلينا الرياح لا (الريح)! وشتان ما بين الرياح التي تجري السحاب والريح التي تعصف بالحياة كما في القرآن الكريم.
{ نيالا تتزوج بلا حب!!
يتساءل قيادات نيالا بدهشة: من هو الوالي “آدم محمود جار النبي” ومن يقف وراء تعيينه؟! وهل الرجل في الخدمة العسكرية أم أحيل للتقاعد؟! ولماذا المجيء بوالٍ غير معروف لأهل المنطقة إلاّ النذر اليسير من سكان قريته في منطقة (برام)..
ولم يُعهد في الوالي “جار النبي” انشغال بالسياسة ولا قضية دارفور.. إذ ظلّ ضابطاً محترفاً في القوات المسلحة وله خبرة طويلة في معاهد تدريب المشاة وصقل الضباط وتأهيلهم، حتى أحداث هجليج الأخيرة، حيث شملته قرارات إعفاء وإحالة بعض الضباط للتقاعد، وكان من بين هؤلاء اللواء “آدم محمود جار النبي” الذي أخذ المهندس “السميح الصديق النور” على عاتقه التعريف به وتزكيته وتجميل وجهه، ومحاولة إقناع الرأي العام بأن “جار النبي” سينقذ (نيالا) من رعب انفلات الأمن والفوضى الضاربة في أحيائها، حتى بلغت الفوضى أن هاجمت موقف الجنينة في قلب نيالا الأسبوع الماضي عصابة ترتدي ملابس عسكرية وتمتطي سيارات لاندكروزر بدون لوحات.. وتسلب أجهزة الهاتف على طريقة عصابات (النيقرز) وترغم الأهالي عند تجريدهم من المال، والنساء من الحلي الذهبية، والفرار غرباً، والسيارات تمشي الهوينى.. وبات وصول الطوف التجاري من الخرطوم متعذراً جداً بعد احتلال قوات “مناوي” مناطق (لبدو) و(شعيرية) و(مهاجرية)، وبسط سيطرتهم على ثغور نيالا ودروبها.. والارتفاع في أسعار ضروريات الحياة حتى بلغ سعر جالون البنزين (35) جنيهاً، وأسطوانة الغاز (70) جنيهاً.. والإحساس بقهر الانفلات الأمني للأهالي، وحكايات وقصص عن القوات التي تم استيعابها من الحركات المتمردة، وقصص أخرى عن حرس الحدود!
والمؤتمر الوطني أضحى الحلقة الأضعف في نيالا، بعد أن حمله الوالي السابق “حماد إسماعيل” إلى قرار بالتمسك به، وهو متشبث بمقعده، حتى كانت المفاجأة أن طلبه الرئيس من الدوحة لقطع زيارته المعدة سلفاً للسعودية، لإبلاغه بنهاية فترته في نيالا.. ليأتي الوالي الجنرال القادم من القيادة العامة.. لتنتظره المدينة المكلومة ليفرج عنها الكروب ويشيح عن وجهها الكدر والعبوس.
فهل تبدأ قوة الوالي “جار النبي” من حيث اعتبرها المراقبون نقطة ضعفه، ألا وهي خلو صفحته من أية اهتمامات سياسية منظورة.. وابتعاده عن الجماهير، وانصرافه للشأن العسكريّ المحض.. وهل ولاية جنوب دارفور أزمتها في القيادة السياسية أم الوالي بثياب عسكرية؟! وهل الوالي القادم سينصرف للشأن السياسي أم الملفات الأمنية والعسكرية!
{ الضعين الجديدة تتعافى
حينما استضاف الرزيقات مؤتمر مصالحة بطون المسيرية ولم يجد د.”نافع علي نافع” مرفقاً حكومياً أو خاصاً لافتتاحه في زيارته للضعين.. صوب “نافع” خطابه نحو الجبهة الثورية ومتمردي دارفور.. وكتبتُ في (المجهر) مقالاً آثار غضب الحكوميين من أبناء شرق دارفور تحت عنوان (الضعين.. رجل دارفور المريض) أطلقت فيها النداء للرئيس للاهتمام بعلاج مرضى الولاية، كاهتمام الدولة بعلاج مرض الوالي.. وظن البعض أن المقال يستهدفهم، حالهم كحال بعض الحكوميين من جنوب كردفان الغاضبين على تناولي لمأساة قرية (أبو دكة)، رغم ثناء الوالي “هارون” على الزاوية، ولكن شتان بين الوالي “هارون” ووزرائه ومعتمديه.. وقد أثنى المهندس “عبد الله علي مسار” على المقال، وكذلك “حسبو محمد عبد الرحمن الطيب” الذي يفترض أن يتولى علاج أمراض الولايات..
وحينما أصبح “كاشا” خياراً أول لمنصب الوالي في الضعين، أشفق البعض عليه خوفاً من حملة (انتقامية) ضده لمواقفه الاستقلالية في التفكير الجهير!! واستبشر البعض بقدومه، وبلغ التفاعل الشعبي بقدوم “كاشا” أن تبرع المواطنون بـ (250) كبشاً من الضان و(150) ثوراً من الأبقار و(50) رأساً من الأبل و(250) ألف جنيه نقداً، لضيافته ومن معه يوم قدومه، وتبرع اتحاد النقل العام بكل تكاسي المدينة، وسيارات النقل، مجاناً لترحيل الجماهير.. والجميع ينتظرون قدوم ابن الضعين لتأمين المدينة من الخوف.. وإطعامهما من الجوع، مع أن خاصية الرزيقات لا تعرف الجوع..
وحينما اعتلى “كاشا” منصة الخطابة.. هتفت حتى النساء (الأمن الأمن)!! وقد حاولت عصابات النهب استقبال الوالي بمحاولة اغتيال التاجر “هارون عيسى” داخل الضعين، في تحدّ سافر جداً للسلطة.
واختبرت الجماعة المتفلتة – التي تروّع المواطنين – شعارات “كاشا” وتهديداته، بأن تربّصت بالعائدين من احتفالات الضعين، ونصبت (كميناً) لأحد قيادات المعاليا بعد مشاركته في احتفالية استقبال “كاشا”.. وحاولت غتياله وهو في طريقه لمنطقة (أبو كارنكا).. وصباح أمس ارتدى الوالي (لبس خمسة) وقاد بنفسه قوة من الجيش والشرطة وجهاز الأمن وقوات الدفاع الشعبي، (رافضاً) كل محاولات إثنائه عن مقاتلة المنفلتين بنفسه.. “وتقدم “كاشا” بعربة لاندكروزر (تاتشر) حتى منطقة الحادث، وتعقب الجناة، واستطاعت القوة القبض على العصابة ووثقوهم بالحبال، وطافت بهم أمس سيارة مكشوفة أحياء الضعين وسط ذهول الأهالي وزغاريد النساء.. ليرتقي “كاشا” لمرتبة البطل في عيون أهله وعشيرته.. وقد تعهد بتحمل حماية الطوف التجاري من بابنوسة حتى يبلغ نيالا كضريبة يدفعها (الرزيقات) و(البرقو) و(المعاليا).. وهي القبائل الثلاثة التي تشكل الوجود الكبير في شرق دارفور.. والرزيقات (البقارة) مصدر قوتهم في أعدادهم التي جعلتهم الآن القبيلة الأولى في السودان بعد انفصال الجنوب.. ولهم مرونة في انتماء الآخرين لهم.. ولا يبدو وجودهم في الحكومة المركزية مستغرباً بوزيري دولة ووزير اتحادي ومستشار “هلال”.. ولكن شرق دارفور في حقبة “كاشا” بكل الآمال والتطلعات الكبيرة تنتظر من المركز أن ينفق مما يحب (المال) لإعمار مدنها وبواديها.. وتفاعل الرزيقات والمعليا والبرقد مع “كاشا” في حاجة لتوظيف سياسي إذا لبت الحكومة أشواق وتطلعات الجماهير.
{ نجوم بعيدة وقريبة
شارك في احتفالية تنصيب وعرس “كاشا” رموز سياسية، يتقدمهم الفريق “آدم حامد موسى” رئيس مجلس الولاياتوالذي قد تفاجأ به دارفور المركز وتقدمه مرشحاً لمنصب رئيس! و”حسبو محمد عبد الرحمن” الوزير برئاسة الجمهورية و”صافي النور” و”سلمان سليمان الصافي” الوالي السابق والمرشح لولايتين معاً.. و”السميح الصديق” و”مسار”.. في غياب “نهار” والناظرين “محمود موسى مادبو” والناظر اللواء “جالس.. و”عمارة موسى كاشا”، وقيادات من صفوف المؤتمر الوطني الأمامية والخلفية، ولكن غابت المرأة من الوفد، وحضرت في ميدان الاستقبال البهيّ بطريقتها الخاصة.. وكان لوجود الزميل “الصادق الرزيقي” أثر في إخفاء أبعاد ثقافية واجتماعية.. وقد عبر “محمد عيسى عليوة” القيادي في حزب الأمة عن مخاوفه من استغلال “الطيب مصطفى” و(منبره) لشعبية “الصادق” في بادية أهله الرزيقات، وتحويلها كرصيد للمنبر الذي يصف نفسه بأنه للسلام العادل، ولكنّه يدعو للحرب ليل نهار!!