تقارير

تحالف المعارضة و"التعزّز" بشوك "الإمام" .. كل الطرق لا تفضي إلى روما..

لم يهدأ (ثيرمومتر) العلاقة ما بين حزب الأمة القومي بزعامة “الصادق المهدي”، وتحالف قوى الإجماع الوطني المعارض برئاسة “فاروق أبوعيسى” هبوطاً وصعوداً في توصيف ما بين الطرفين من سجالٍ، لكنّه إلى الآن لم يشتدّ متجاوزاً حدّ المرونة، ليقطع (شعرة معاوية) التي يجتهد التحالف المعارض في الإبقاء عليها، في وقت تشير فيه تصريحات زعيم حزب الأمة القومي مؤخراً بأنه غير مهتمّ بـ (معاوية) أو (شعرته)، من واقع هجومه المستمر وانتقاداته اللاذعة لتحالف المعارضة في كل بيدر ونادٍ، للحد الذي طالب فيه بإعادة هيكلته وتسمية رئاسته.
وكان آخر فصول الأمر ،ما رشح على لسان عضو المكتب السياسي للحزب “عبد الحميد الفضل” في تصريحات الأربعاء الماضي بأن حزبه يسعى في اجتماع مزمع لمكتبه السياسي جدوى استمرار المشاركة في تحالف قوى الإجماع الوطني المعارض، إضافة لمناقشة مسودة قانون الصحافة والمطبوعات.
ولكن في المقابل لم يغير التحالف المعارض في نهجه الذي ارتسمه لنفسه ومحاولاته المستميتة  في الإبقاء على الحزب (العجوز) داخل منظومته المعارضة للنظام القائم، وهو يجتهد في صب (الماء) بدلاً عن (الزيت) لتلطيف الأجواء عند كل بادرة توتر، و(الأمة) أحد طرفيها ــ تطلّ برأسها داخل (حوشه) المتباين الأمزجة والاتجاهات والمواقف.
مسؤل الإعلام بتحالف المعارضة لم يفكر كثيراً وهو يقول لـ (المجهر): هو في زول عاقل عنده مخ بشتغل سياسة بيقصي حزب الأمة القومي من التحالف المعارض، واستطرد: صحيح كانت هناك أطروحات بهذا المعنى، لكنها حسمت، والآن (الأمة) يعمل في تحالف المعارضة بقوة.
“كمال عمر” لم ينسَ أن يشير إلى أن حزب البعث العربي الاشتراكي تنازل عن طلب سابق بتجميد عضوية حزب الأمة القومي في التحالف المعارض على خلفية تصريحات سابقة لزعيمه “الصادق المهدي” طالب فيها البعث العربي بتغيير رؤيته حول القومية العربية.
مسؤول الإعلام بالتحالف المعارض سعى بتصريحاته لـ (المجهر) لإخماد أزمة كانت قد نشبت بين (الأمة) و (البعث) أواخر مارس الماضي، هدد فيها (الثاني) باتخاذ إجراءات في مواجهة (الأول)، حال تمسك زعيمه “الصادق المهدي” بموقفه الرافض للاعتذار للبعث عن حديثه بأن مفاهيم الحزب الفكرية تحدث شرخاً في الوحدة الوطنية.
وكشف البعث عن رفض “المهدي” مقابلة اللجنة المشكلة من الهيئة العامة لقوى الإجماع الوطني، والتي قال: إن زيارتها كانت لاستيضاح “المهدي” حول تصريحاته تجاه التحالف والبعث على وجه الخصوص، وتمسّك “محمد ضياء الدين” الناطق الرسمي باسم حزب البعث بضرورة تقديم المهدي لاعتذار رسمي عمّا بدر منه تجاه البعث، وفقاً لما أسماه بقواعد العمل الجبهوي، واصفاً إياه بالحق المشروع والعادل.
ويبدو أن أحزاب المعارضة لم تجد مناصاً من (أشواك) حزب الأمة لـ (تتعزز) بها في صراعها الطويل ضد المؤتمر الوطني الحزب الحاكم بغية إسقاطه وإهالة التراب على أكثر من 23 عاماً فترة حكمه للبلاد.
وعلى هذا صم (التحالف المعارض) أذنيه من مطالبات بعض منسوبيه -في أوقات عديدة- بالاستغناء عن الحزب (العجوز) بوصفه خصماً على (المعارضة) من واقع اتهاماتها المتكررة له بمغازلة الحكومة بين الفينة والأخرى.
ويؤكد مصدر معارض رفيع -فضل حجب اسمه- أن أفعال وتصريحات “الصادق المهدي” يمكن أخذها كأدلة بعمله بشكل واضح ضدّ ميول ورغابات واتجاهات تحالف المعارضة، مشيراً إلى أن “المهدي” سبق أن طلب إعادة هيكلة التحالف المعارض بحسب أوزان الأحزاب ذلك المطلب الذي لم يجد قبولاً وسط أحزاب المعارضة، وطرح وثيقة الفجر الصادق متجاوزاً بها توقيعه على وثيقة تحالف المعارضة البديل الديمقراطي ووثيقة الجبهة الثورية المسلحة المسماة بالفجر الجديد.
وقال المصدر : إن (إمام الأنصار) دفع بتلك الوثيقة دون حتى عرضها على التحالف المعارض، وأشار إلى أن التباين والتعارض الواضح في الوثائق الثلاثة سيخلق (ربكة) في التحالف المعارض، وسيفتح الباب على مصراعيه للاتهامات التي لم تتوقف حول مصداقية تحالف حزب الأمة القومي مع القوى السياسية المعارضة.
ولكن الناطق باسم البعث العربي الاشتراكي “محمد ضياء الدين” قلل من مسلك وتأثير قيادة حزب الأمة القومي ممثلة في “الصادق المهدي” على التحالف المعارض، وهو يشير إلى أنهم حينما يتحدثون عن (الأمة القومي) يتحدثون عن كيان الأنصار وجماهير وطنية أخرى تقف مع الشعب السوداني ومناهضة الديكتاتورية والشمولية، لافتاً إلى أن (كيان الأنصار) و(جماهير حزب الأمة القومي طرفاً أصيلاً في المععارضة) وقال: ذهبنا أبعد من ذلك فبعد مشاركة الحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل) في الحكومة لم تنقطع علاقتنا بجماهير الحزب وقواه المناهضة لقرار رئيس الحزب مولانا “محمد عثمان المرغني” في المشاركة في السلطة، مشيراً إلى حرصهم على الاتفاق مع كل القوى السياسية، وأنه ليست لديهم مصلحة في إقصاء أي منها.
وعلق “ضياء الدين” في حديثه لـ (المجهر) : أي قيادة سياسية تذهب في موقف غير منسجم مع تطلعات الشعب السوداني في إحداث تغيير جذري في المشهد السياسي ستذهب بشكل فوقي ومعزول عن إرادة جماهيرها، أياً كانت قيادتها، مشيراً إلى أن “الصادق المهدي” إذا ما أراد أن يذهب للمؤتمر الوطني فإن جماهير الحزب ستظلّ كما ظلت قواعد الحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل).
كل ذلك ولم يكلف رئيس حزب الأمة القومي نفسه جهداً ليدفع عن نفسه اتهام أو يصدّ هجوماً، بل ازداد حدّة في مواقفه تجاه التحالف المعارض، غير آبهٍ بما يثار حول عزله من تحالف المعارضة، متمسكاً بضرورة إعادة هيكلة التحالف المعارض بحسب الوزن والحجم، كأنما يريد أن يوضح -بلغة العسكر- (البيان بالعمل) على قوة حزبه وتأثيره المباشر على الساحة السياسية، سواء تقارب مع الحزب الحاكم أو مع تحالف المعارضة الذي قال مسؤول إعلامه: هو في زول عاقل عنده مخ بشتغل سياسة بيقصي حزب الأمة القومي من التحالف المعارض؟.
ولكن السؤال الذي يفرض نفسه ويجرّ من خلفه قطاراً من الأسئلة: ماذا يريد “الصادق المهدي” من تحالف المعارضة الذي قسم أحزابه ما بين (الطرور) و (الصندل).. تلك المقولة التي أطلقها “الصاق المهدي”، واضطرّ بعدها إلى تفنيدها، مشيراً إلى أن المقصود أن ينتبه (الإعلام) ويفرق بين حزب له رؤى وأفكار، وحضور فاعل، وآخر خامل ليست له أفكار، ويعتمد على أسماء وعناوين فقط.
واعتبر (الإمام) في تصريح سابق 19 فبراير الماضي أن تسمية قوى الإجماع الوطني للمعارضة (فضفاضة)، مشيراً إلى أنهم اقترحوا أن يكون الاسم (قوى الإجماع الجديد أو القوى الديمقراطية) وجدد الحديث حول أهمية وجود هيكلة لضبط الأمور، معتبراً أن الهيكل الحالي فضفاض ويحتاج لعملية إصلاح يحدد كيفية اتخاذ القرار وتنفيذه.
المحلل السياسي وعميد كلية الاقتصاد “حسن حاج علي” رأى أن طابع علاقة “الصادق المهدي” يغلب عليها (التكتيك)، مشيراً إلى أن رئيس حزب الأمة جزء من المعارضة ورجله مع الحكومة، ولم يستبعد أن يكون وراء مطالبته بإعادة هيكلة تحالف المعارضة السعي للسيطرة على التحالف المعارض، وقال لـ (المجهر): إنه تكتيك لاستغلال قوى المعارضة ككرت ضغط على المؤتمر الوطني، ربما للحصول على نصيب مقدر في (كيكة) السلطة مستقبلاً، وأضاف أن وجود حزب الأمة في مقدمة المعارضة سيجعل موقفه التفاوضي قوياً مستقبلاً، ووجوده مع المعارضة ككرت ضغط أكثر من كونه معارضة لإسقاط النظام القائم.
ورفض “حسن” تسمية مشاركة نجل “الصادق المهدي” العقيد “عبد الرحمن” في السلطة بمنصب مساعد لرئيس الجمهورية بأنه موقف شخصي لا يمثل حزب الأمة، وقال: رغم ما قيل عن مشاركة “عبدالرحمن” إلا أنها مشاركة رسمية، وليست شخصية بأي حال من الأحوال.
ولعل أحزاب تحالف المعارضة في إصرارها بالتمسك  بعلاقتها مع رئيس حزب الأمة القومي ومن خلفه حزبه العجوز مدفوعة بوزن (الأمة) المؤثر على الساحة السياسية، وربما يبرهن ذلك نتائج سلسلة (جمع الغضب) التي انطلقت من مسجد الأنصار بودنوباوي بأمدرمان، مطلع يوليو الماضي، والتي استطاعت -بحسب مراقبين- إحراج النظام، وكادت تتحول لاحتجاجات عامة.
وأشارت مصادر حينها إلى أن عدداً من رموز حزب الأمة ساهمت إلى حدٍ كبير في وقف حراك تلك المظاهرات الاحتجاجية، دبجت ببيان من هيئة شئون الأنصار، أعلنت فيه تبرؤها من تنظيم تلك المظاهرات الاحتجاجية، الأمر الذي فتح الباب واسعاً للتشكيك في موقف حزب الأمة من إسقاط النظام القائم، الذي وضعته أحزاب تحالف المعارضة هدفاً استراتيجياً لها.
وعطفاً على ما سبق فإن مستقبل العلاقة بين الأمة القومي والمعارضة يبشر بحالة استقطاب حادة تضرب الساحة السياسية، كلٌّ يسحب باتجاه ما يراه صواباً، ما بين الرضا بجزء من سلطة يديرها المؤتمر الوطني أو الاستمرار في طريق إسقاط النظام الذي جاهرت بعض أحزاب المعارضة بأنه هدف استراتيجيّ، وفضلت أخرى اللعب عليه.
وعليه فإن الطرق إلى السلطة كل السلطة ربما لن توصل إليها.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية