تقارير

خطاب رئيس الجمهورية أمام البرلمان….رسائل لاكثر من عنوان …!!!

حالة السكون والإنصات الوقتي الذي كان عليه المجلس صباح أمس تحول إلى هدير يضج بالتصفيق والتكبير والرئيس “عمر البشير” يختم خطابه معلناً في نهايته (إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين)، مجدداً الالتزام بتعيئة المناخ للقوى السياسية كافة التي دعاها إلى إعلان استعدادها للحوار الجاد والتفاهم حول الآليات التي تنظم ذلك الحوار، مقدماً شكره للقوى التي سارعت لحوار الجاد، مؤكداً أن السودان وطن يسع الجميع، ولهذا لم يكن غريباً أن سارع عدد من النواب والدستوريين الذين تحدثوا إلى (المجهر) بعد حديث الرئيس مباشرة إلى اعتبار أن الخطوة تأتي متسقة مع الدعوة التي أطلقها النائب الأول لرئيس الجمهورية “علي عثمان محمد طه” للحوار خلال الأيام القليلة الفائتة. ولاقى إعلان الرئيس إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين ترحيباً واسعاً من ألوان الطيف السياسي كافة.
 رغم أن مجمل الأحاديث وتحليلات النواب والصحافيين انصبت ظهيرة أمس في أروقة المجلس الوطني حول قرار الرئيس إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، إلا أن (الجرد) السنوي الذي قدمه الرئيس ظهر أمس لحكومته خلال العام المنصرم حوى عدة إشارات اعتبرها نواب ودستوريون تحدثوا لـ(المجهر) مهمة للغاية سواءً كانت عسكرية بالحديث للقوات المسلحة أو اقتصادية أو اجتماعية أو إعلامية أو غيرها من متقاطعات الحياة السودانية، وهو الأمر الذي عبر عنه أمس الفريق “مهدي بابو نمر” لـ(المجهر) بقوله إن الرئيس تناول كل الأشياء المهمة فقد تحدث عن الأمن القومي والقوات المسلحة وعلاقاتنا الخارجية وإعادة غرب دارفور والتعدين وحديثه عن المنشآت الاقتصادية مثل تعدين الذهب وسكر النيل الأبيض وتعلية خزان الروصيرص.
إطلاق سراح المعتقلين…تهيئة المناخ للحوار
الترحيب الكبير الذي وجده إعلان البشير بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين جعل عدداً كبيراً من النواب لا يكتمون غبطتهم. فقد اعتبر النائب البرلماني “موسى هلال” في حديثه لـ(المجهر) أن القرار فيه موجهات للمصلحة العامة. بينما اعتبرت “إشراقة سيد محمود” وزيرة التنمية والموارد البشرية أن إطلاق سراح المعتقلين سوف يدعم الوفاق السياسي ويمهد لجبهة وطنية حقيقية، وقالت إنها دعوة حقيقية ومخلصة للحوار مع أبناء الوطن الواحد. بينما يرى “إسماعيل الحاج موسى” رئيس اللجنة القانونية بمجلس الولايات في حديثه لـ(المجهر) أن الخطوة ستدعم فرص الحوار وتمهد الطريق لذلك وتوفر المطلوبات لدعم الوحدة برغم كل ما يحيط بالبلاد من عداوات ومشاكل، وتابع:( لا يمكن أن تخرج البلد من كل ذلك وتحقق مراميها في الوحدة والتنمية إلا إذا تساوت الكتوف وتشابكت الأيدي وصفت النوايا). والأمر ذاته اتفق فيه معه النائب “عمر سليمان آدم” من حزب الأمة الفيدرالي والمهندس “عبد الله مسار” اللذان تحدثا للصحيفة مشيدين بالقرار.
 ورغم الترحيب الواسع بخطوة الرئيس في إطلاق سراح المعتقلين السياسيين إلا أن النائب عن دائرة تلس “عماد الدين البشرى” اعتبر أن الخطوة وحدها غير كافية ما لم يصحبه إطلاق الحريات العامة والصحف لتمهيد الساحة للحوار الوطنى الجاد، وهو ما سانده عليه “إسماعيل حسين” رئيس كتلة المؤتمر الشعبي بالبرلمان الذي وصف الخطوة بالطيبة، إلا أنه عاد وقال إنها غير كافية.
الاقتصاد يسيطر على معظم الخطاب

أجمع عدد ممن تحدثوا لـ(المجهر) من اقتصاديين ومراقبين على أن خطاب الرئيس حوى حزمة إشارات بشأن الاقتصاد الذي أكد فيه أن العام السابق شهد اكتمال ثلاثة مشاريع تنموية كبرى وهي تعلية خزان الروصيرص بتكلفة بلغت أربعمائة مليون دولار، وافتتاح مصنع سكر النيل الأبيض بطاقة تصميمية لإنتاج (450) ألف طن في السنة، وافتتاح مصفاة الذهب المتميزة وتمويل مشروعات تنمية قومية وولائية لولايات دارفور بما يفوق (389) مليون دولار منها (800) مليون لصندوق سلطة دارفور الإقليمية. وأضاف: (رغم الإفرازات السالبة التي نجمت عن انفصال الجنوب نجحت الإدارة الاقتصادية بانتهاج وسائل إيرادات ذاتية خالصة في الإيفاء بالتزامات الحكومة الاتحادية والولائية وتوفير المواد البترولية والقمح وكذا تحقيق وفرة في سلعة السكر كما حافظ الاقتصاد السوداني على معدل نمو موجب في الناتج المحلي الإجمالي بنهاية العام 2011 بلغ (1.4%) وسيتضاعف معدل النمو بالسياسة المتبعة من (1.4%) إلى (3.6%) بنسبة زيادة (157%))، وتابع: (لقد أدهش أداء الاقتصاد السوداني كثيراً من المحللين الاقتصاديين الذين كانوا يتوقعون انهياراً بعد انفصال الجنوب). كما أوضح الرئيس أنه تم اكتشاف (178) مربعاً لإنتاج المعادن منها (138) لإنتاج الذهب، فيما بلغت نسبة النمو في الإنتاج الزراعي خلال العام (5.7%) مقارنة بالعام السابق، كما طرح السودان مبادرة الأمن الغذائى العربي وتم رفع الطاقة الكهربائية بنسبة زيادة (11.4%) وتنفيذ مشروعات لترقية الإنتاج الحيواني أدت إلى زيادة الصادرات من الماشية السودانية بلغت (3.6) ملايين رأس عادت على البلاد بنقد أجنبي (527) مليون دولار، فيما تواصل الأداء خلال العام الماضي وفق الغايات الإستراتيجية. ونجحت وزارة النفط في إمداد مستقر لكل احتياجات السودان من المشتقات البترولية بالإضافة إلى إحداث تغييرات إيجابية في مجال السكر والاستثمار والنقل والطرق والجسور والسياحة.
 وتلك الإشارات الاقتصادية المهمة في الاقتصاد دعت الخبير الاقتصادي، رئيس اللجنة الاقتصادية بالمجلس الوطني السابق “بابكر محمد توم” إلى وصف ما تم إنجازه بالقوي، منوهاً إلى الطفرة الكبيرة في مجال الإنتاج الزراعي وحجم الزيادة في الدخل القومي والاهتمام الذي حدث من خلال توجيه الموارد في المواقع الاقتصادية والإشارة للبرنامج الثلاثي. ووصف توم في حديثه لـ(المجهر) أداء الاقتصاد بالمبشر وهم يستقبلون الموسم الزراعي القادم متوقعاً حدوث أكثر من ذلك في مشاريع الجزيرة والمشاريع المروية والاهتمام بالمشاريع القومية والفئات المستهدفة في المناطق الزراعية والبنيات الأساسية والاهتمام بالتنمية الريفية.
وحوى خطاب الرئيس اهتماماً متعاظماً بالأمن القومي والقوات المسلحة وأشار إلى أن القوات المسلحة مستمرة في مهامها الدفاعية وفي تطوير وتحديث قدراتها وتجهيزاتها مستفيدة من التقدم العلمي الذي تتوفر لها عبر معاهدها وأكاديمياتها، وتم إنشاء عدد من القواعد الجوية والمهابط في مختلف الاتجاهات الإستراتيجية بأنحاء السودان، كما حافظ جهاز الأمن والمخابرات الوطني على حماية الثغور وتوفير المعلومات وتحليلها، ونجح في كشف ومتابعة المخططات التي هدفت إلى تقويض الأمن والسلام الاجتماعي، وشهدت البلاد استقراراً ملحوظاً وانخفاضاً في معدلات الجريمة بنسبة (9.7%) من العام السابق، ونجحت شرطة الدفاع المدني ببسالة في إخماد الحريق الذي سببته الغارة الإسرائيلية المجرمة التي استهدفت مجمع اليرموك.
 ولعل حديث الرئيس في هذا الجانب هو ما حفز الفريق “مهدي بابو نمر” إلى الاستفاضة في مدح خطاب الرئيس بقوله إنه أعجب جداً بحديث الرئيس عن القوات المسلحة وأنها الدرع الحامي لهذا البلد وسوف تحافظ على سلامة هذا البلد.
بناء فكري وعقلي
وتطرق رئيس الجمهورية في خطابه إلى التنمية الفكرية وبناء القدرات العقلية قائلاً: (لقد شهدت بلادنا خلال الفترة الماضية نشاطات عديدة نحو البناء الفكري والعقدي للأمة انتظمت الجامعات ومجامع البحوث والدراسات والوزارات دارت فيها نقاشات حول تنزيل أحكام وأصول الفقه والشريعة على السياسات والقضايا اليومية للمواطن والدولة، كما نشطت حركة بناء المساجد، وتأهيل الأئمة والدعاة، وتم تكثيف البرامج في الفضائيات والإذاعات لبسط الفقه الميسر الذي يعين على إشاعة روح التسامح والتعايش الذي يهدف إلى زيادة مساحة التدين في مجتمعنا، والحفاظ على القيم النبيلة، ونحمد الله تعالى أننا في الوقت الذي تشهد فيه المنطقة حولنا موجاتٍ من التطرف والاقتتال باسم الدين ظل السودان يحتفظ بسماحته واعتداله، إنني هنا أدعو العلماء والقيادات الدينية والأهلية لتعزيز روح التدين السمح ونبذ العنف والغلو).

العلاقة مع دولة الجنوب
ومن القضايا المهمة التي تضمنها خطاب “البشير” هو علاقة البلاد بدولة جنوب السودان والمفاوضات حول منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق وقال: (واصلنا الحوار مع حكومة دولة جنوب السودان لتنفيذ اتفاق التعاون المشترك الذي وقعناه في أديس أبابا سبتمبر 2012 وأفضى ذلك إلى المصفوفة التي تم التوقيع عليها في (12) مارس 2013م  وقد ظل سعينا راسخاً بأهمية الحدود الآمنة، ووقف الاعتداءات التي أضرت بالعلاقة بين البلدين في الماضي، وضرورة التزام الأطراف بما تم الاتفاق عليه حتى تتحقق علاقات طبيعية يستفيد منها الشعبان في البلدين، وتنطلق العلاقات إلى آفاقٍ أرحب . من ناحية أخرى أفضت المفاوضات مع الفصيل الميداني لحركة العدل والمساواة إلى توقيع برتوكول تدخل به الحركة إلى صف الداعمين للعملية السلمية على أساس وثيقة الدوحة وخلال الأيام القليلة القادمة سوف يلتئم مؤتمر للمانحين بالدوحة تحت رعاية دولة قطر التي ننتهز السانحة لنحييها أميراً وحكومة ودولة بذلت وأنفقت الكثير ليسود الاستقرار وتُستعاد التنمية لدارفور. ومن جهة أخرى فإنّ سعياً جاداً يُتّخذ لاستئناف الحوار حول منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق بما يمكّن للوصول إلى حلول مرضية تُكمل حلقات الأمن والاستقرار كافة.
ويمضى الفريق معاش “مهدي بابو نمر” إلى القول: (نريد أن نعمل جوار سلم مع الجنوب وأن تستقر الأوضاع، مشيداً في الوقت ذاته بالمصفوفة التي وقعتها الحكومة مع دولة الجنوب، إلا أنه عاب عليها تغييب منطقة “أبيي” منها، مؤكداً أن “أبيي” منطقة شمالية تتبع للقصر الجمهوري، منتقداً وضعها كمنطقة نزاع دولي، فيما دعا “عماد الدين بشرى” النائب المستقل عن منطقة “تلس” إلى أن الحوار في المرحلة ينبغى أن لا يستثني أحداً.
وعن إجمالى الخطاب اتفق أغلب ممن تحدثوا لـ(المجهر) بأنه إيجابي، وقال “مسار” إنه جيد ولكنه يحتاج إلى مزيد من التفاصيل في تفاصيل بيانات الوزارة وخاصة وزيري الداخلية والدفاع. بينما أوضح د.”بابكر محمد توم” أن فيه إنجازات كثيرة، و”وصفه مهدي بابو نمر” بأنه ساطع رقم أنه لم يكن مطولاً.

 مشاهدات من الجلسة
 * نجل الميرغني، مساعد رئيس الجمهورية “جعفر الصادق” كان آخر الواصلين إلى قبة البرلمان ودخل إلى الجلسة أثناء خطاب “أحمد إبراهيم الطاهر” وبعد وصول رئيس الجمهورية إلى منصة البرلمان.
*شهدت الجلسة تواجد عدد كبير من الوزراء والإعلاميين والقنوات الفضائية إلى اهتمت بخطاب الرئيس، فيما كانت المنطقة المحيطة بالبرلمان محاطة بتواجد مكثف من قوات الأمن والشرطة.
*كان النائب البرلماني، زعيم قبيلة المحاميد “موسى هلال” من أكثر الذين قصدهم الصحافيون لأجل حديث صحافي رغم وجود دستوريين ونواب عرفوا بالتصريحات الساخنة.
*شهدت الجلسة حضور عدد من وفود الدول الأجنبية والسفراء العرب وجلسوا في المكان المخصص لهم في الطابق الأعلى أمام المنصة مباشرة.
*بدأت الجلسة بالسلام الجمهوري واختتمت به.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية