دارفور تترقب الطريق المسفلت والسكة الحديد والمهابط الجوية قبل الاتفاقيات
من خلال جهود لجان المساعي الحميدة والأجاويد في فض النزاعات بدارفور وكردفان، وأزمة الإقليمين في الحصول على الموادر من الحكومة المركزية على تعاقب الحكومات منذ الاستقلال، تأتي الحلقة الأخيرة من هذه اللعنة والفتنة التي تظهر بين الحين والآخر، والأسباب صارت معلومة.. لكن الحلول، ومنها التنموية، بإقامة الطرق والاهتمام بالسكة الحديد وتشييد المطارات والمهابط الجوية وتوفير مصادر المياه، قد تكون ناجعة.. الناس بحاجة إلى أن يزرعوا وسط استقرار الأحوال الأمنية، وبربط دارفور وكردفان بدول الجوار وبقية ولايات السودان الأخرى ستُخفف آثار الحرب.
ويواصل رئيس لجنة المساعي الحميدة “عبد الحميد موسى كاشا” وضع النقاط حول حروف أسباب النزاعات الأهلية، ويقول: شهد السودان أطول الحروب الأهلية في القارة والعالم، امتدّت لنصف قرن، وخلفت دماراً واسعاً أثر بدوره على البنية الاجتماعية والاقتصادية للبلاد، وأقعدها عن اللحاق بعجلة التطور، ونشبت صراعات مسلحة بجبال النوبة في جنوب كردفان، منطقة الأنقسنا في جنوب النيل الأزرق وشرق السودان، وامتدّت أشكال الصراعات المسلحة إلى ولايات دارفور، وأضحت مسرحاً للصراعات القبلية، والنهب المسلح، كما تأثرت تلك المناطق بالتوترات الأمنية في الدول المجاورة مما زاد من حدة الصراعات والمشاركين فيها.
ويضيف “كاشا”: تتعدد العوامل التي تشكل قواسم مشتركة بين النزاعات والحروب في السودان من حروب أهلية الطابع، معبراً عنها عن طريق الصراعات المسلحة، وحروب حول الموارد بشكل أساسي في مناطق جبال النوبة والأنقسنا ودارفور، فالعوامل الطبيعية والإثنية ليست مصدر الحروب والنزاعات، إذ إن الوجود الاجتماعي الذي تتشكل منه الجذور التاريخية والحضارية بالسودان سابق لما يدور الآن من صراعات، وأحياناً يلعب الوضع السياسي دوراً في تفجر الصراعات.. إن التحولات البيئية التي سببها التوسع الكبير في الزراعة الآلية خلفت بدورها الكثير من المنازعات، تتلخص في النزاع بين المزارعين والرعاة.
{ في بيت ناظر الرزيقات
أصر الوفد الإعلامي الذي قام بتغطية وقائع مؤتمر الضعين للصلح بين بطون المسيرية على أن يزور ناظر عموم قبائل الرزيقات في منزله بعاصمة شرق دارفور.. ذهبنا ووجدنا في استقبالنا الأستاذ “محمود أحمد صالح” الذي قال: في العام 1920م بدأت نظارة الرزيقات عند “إبراهيم موسى مادبو” وكانت عاصمة الرزيقات في منطقة أبو جابرة، والضعين كانت منطقة رُحّل ومراحيل، ولعدم استقرار الناس فيها سميت بذلك الاسم.
وفي عام 1948م، استقروا في الضعين، وبسبب التفكير العميق للناظر “إبراهيم موسى مادبو” تم تخطيط السوق الكبير بإنشاء (6) دكاكين قيمة إيجار الواحد منها (5) جنيهات، وصارت الضعين تنمو وتتحول إلى بوابة لولايات دارفور، لأن كل العربات تدخل عبرها، وترتبط ارتباطاً وثيقاً بجنوب السودان والعلاقات مع سكانه ودية، والأمن مستتب، ولا تستطيع أن (تفرز) بين الدينكاوي والعربي في منطقة سماحة.
ويشير مدير إدارة المراعي بوزارة الثروة الحيوانية والسمكية بولاية شرق دارفور “أحمد محمود موسى مادبو” إلى أن الضعين يوجد بها (120) ألف نازح من منطقة (نيم)، ونسبة إلى العلاقات المتينة التي تربط سكان الضعين بالنازحين لم تحدث سوى جريمة قتل واحدة بسبب الإهمال خلال (10) سنوات.
{ معتمد الضعين يحكي قصة مطار بدون مدرج مسفلت
ويشرح معتمد الضعين العقيد شرطة “محمد زين”: الضعين مشتقة من كلمة (ظعينة)، وبها قدر كبير من الماشية، وصارت مركزاً تجارياً مهماً جداً، وقبل انفصال جنوب السودان كانت الضعين مورداً أساسياً لتصدير البضائع إلى الولايات الجنوبية.
وحول انتظار اكتمال مشروع مطار الضعين يقول المعتمد: استفدنا من علاقتنا ببعثة الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في دارفور (اليوناميد)، ووقعنا معهم عقداً لإنشاء مهبط للطائرات بطول (3) كيلومترات وإنارته وإنشاء صالة كبار الشخصيات، وتشييد طريق أسفلت من المطار حتى داخل المدينة، وننتظر إحضار الآليات من رئاسة بعثة (اليوناميد) في الفاشر لبدء العمل.
ويواصل المعتمد: هنالك دراسة من سلطة الطيران المدني ليكون مطار الضعين أحد المطارات الدولية بالسودان، وهو موجود في موازنة العام 2013م، وستنفذه سلطة الطيران المدني.
ويشير المعتمد إلى جهودهم، رغم إنشاء ولاية شرق دارفور حديثاً، لتطوير شبكة مياه الضعين التي تحتاج إلى (11) مليار جنيه، ويقول: هذه التكلفة صعبة علينا ولا نستطيع أن نتحملها، ولكن نستطيع تحسين الإمداد المائي.
وتحتاج الضعين إلى إنارة شوارعها للمساهمة في الاستقرار الأمني بالولاية، والحال ينطبق على عدة مدن في دارفور تحتاج إلى من يمدها بالضوء عسى أن ينقشع ظلامها.
ويرى المعتمد أن الضعين تعاني من مشكلة تصريف المياه في الخريف الذي يوقف حركة العبور داخل السوق الكبير، ويوجد بالضعين (650) ألف نسمة، بالإضافة إلى (102) ألف من النازحين في منطقة النيم وخور عمر، هذا بخلاف (8) آلاف نازح في معسكر راجا.
وينبه المعتمد إلى أن الضعين بها كميات كبيرة من المخدرات التي تتصدر إلى الخرطوم، ويكشف عن وضعهم خطة محكمة لمكافحة المخدرات، وقال إن أفراد شبكات المخدرات يستخدمون مصطلح (الكود 13) مع موسيقى للترويج عن المخدرات.
ويعكس المعتمد السلوك غير القويم للأطفال المتأثرين بالحرب ويقول: أطفالنا لديهم مشكلة في الألعاب.. لديهم ثقافة الحرب، وفي الأعياد يلعبون لعبة (التورا بورا والجنجويد).
{ أمراء المسرية يتحدثون
اتفقنا مع أمراء المسيرية على وضع منهج للحوار معهم حول ماذا بعد مؤتمر الصلح بين أولاد “سرور” و”المتانين” وأولاد “هيبان”؟ وما هو دور الحكومة في إنفاذ مقررات الصلح وعدم العودة إلى لحرب مجدداً؟ وما هو دور الإدارة الأهلية؟ وما هي الخدمات التي تحتاجها ديار المسيرية للتنمية وتحقيق الاستقرار؟ وما هي أسباب الصراعات؟
يواصل “عبد الحميد موسى كاشا” إفاداته بأن وجود المشاريع الزراعية في بعض الأماكن التي تعدّ مرعى خصيباً للرعاة وحركتهم، يشكل عاملاً يحمل في طياته احتمالات النزاع، وتتحول بذلك هذه الأماكن إلى مساحة للنزاع، ليس فقط بين المنتجين التقليديين، وإنما بين المستويات المختلفة من القطاعات الحديثة والتقليدية في النظام الزراعي.
ويشير “كاشا” إلى الورقة التي قدمها الخبير في العلوم الاجتماعية “يوسف سليمان تكنة” في مؤتمر الأمن الشامل حول الصراع القبلي في دارفور الذي انعقد بعاصمة جنوب دارفور نيالا في العام 1997م، حيث رأى أن أسباب الصراع ترجع إلى لجوء القبائل لتنظيم مليشيات قبلية تتخذ مختلف المسميات، وامتلاك القبائل للسلاح الفتاك، وظهور القبلية والعرقية التي عظم من شأنها الاستقطاب السياسي والقبلي. وقال “كاشا”: ظل الصراع القبلي المسلح في دارفور يتفجر من وقت إلى آخر، وقد شمل الصراع مختلف القبائل الرعوية دائمة الحركة والترحال، والقبائل الزراعية، وهذه يغلب عليها طابع الاستقرار المدني، وعادة ما يحدث الاحتكاك في المصادر الطبيعية وطريقة استخدامها من وجهة نظر كل مجموعة ومصالحها.
لكن المصادر الطبيعية يبدو أنها صارت متعددة ومتنوعة من خلال استخراج النفط والذهب من باطن الأرض، وما حدث في جبل عامر بشمال دارفور خير دليل على مسلسل النفط ولعنة الأرض التي أخرجت معدنها الأصفر، فجاءت إليه الدماء وتحول إلى خراب ودمار بدلاً عن أن يكون للتنمية والاستقرار ورفاهية أهل المنطقة.. وكذلك كان الحال في ديار المسيرية التي خرج منها الذهب الأسود وتحولت التعويضات عن الأرض إلى ديات تدفع للقتلى!
يقول رئيس اللجنة التحضيرية لمؤتمر الضعين للصلح بين بطون المسيرية الناظر “مختار بابو نمر”: نريد التعليم، لأنه يحل المشكلة.. قبل (12) عاماً أغلقت السلطات داخليات الطلاب ونحن عرب رُحّل، والشباب غير المتعلم هو الذي أوصلنا إلى هذه المرحلة، وإذا فتحت الداخليات وتعلم الشباب بعد (10) سنوات سنترك (الرواسي)- الحرب والاقتتال– والبترول الذي ظهر في ديار المسيرية (كتلنا) بالتعويضات.
وأشار “مختار” إلى أن التعليم هو الذي يقهر السلاح المنتشر في ديارهم.. أما الأمير “حريكة عثمان عمر بقانة” فيرى أن قبيلة المسيرية تتمسك بقول الرئيس “عمر البشير” في عد ضياع حقوقها، وطالب “حريكة” الدولة بإنشاء سدود في بحر العرب حتى لا يدخلوا إلى جنوب السودان بحثاً عن المياه، وقال: (وفروا لينا الموية والتعليم والصحة والباقي خلوه علينا).
والمسيرية يرون أنهم مظلومون، ويحتاجون إلى من يرفع عنهم هذا الظلم بمد الطرق وتوفير الخدمات والاهتمام بالملايين من رؤوس الماشية، وقد قالوا كلمتهم بعد توقيع الصلح.. فهل من مستجيب؟!