تقارير

مقاطعة البصات السفرية للميناء البري…تفاصيل الأزمة

 تدخل يومها الرابع ..والمواطنون يساندون قرار أصحاب الشركات
الميناء البري- محمد إبراهيم الحاج
الطريق المفضي إلى الميناء البري بالخرطوم شأنه كأغلب دروب الولاية يعج بالـ(حفر) و(المطبات) وتكدس السيارات والناس والباعة الجائلين، وعند بداية الشارع الذي يؤدي إلى مدخل الميناء البري بالخرطوم كانت البصات السفرية الكبيرة تسد كل الشارع، وليس ثمة منفذ لسيارات أخرى أو حتى للركشات أو الراجلين، واختلط بذلك زحام البصات مع تكاثر المسافرين إلى الولايات وأصوات (الكمسنجية) و(المنادين) للبصات تخالط أصوات السيارات الصغيرة والكبيرة التي نفد صبر بعضها من الزحام غير الطبيعي الذي ميز تلك المنطقة من صبيحة أمس (الثلاثاء).
أصل القضية
بدأت أصل الحكاية (السبت) الماضي حينما قررت إدارة الميناء البري زيادة قيمة (فيشة الدخول) إلى الميناء البري من جنيه ونصف إلى خمسة جنيهات وزيادة رسوم مغادرة البصات السفرية من (35) جنيهاً إلى أكثر من الضعف بقيمة (85) جنيهاً بالإضافة إلى احتجاج الغرفة القومية  السفرية على تردي الأوضاع البيئية داخل الميناء البري وانعدام الخدمات الضرورية، وهو الأمر الذي صرح به متحدث باسم الغرفة فضل حجب اسمه، حيث قال بأنهم أقدموا على مقاطعة الميناء البري بسبب تلك الزيادات بالإضافة إلى سوء الخدمات داخل الميناء البري وفرض رسوم إضافية على المواطنين في الحمامات، ولا توجد حتى مياه الشرب ما يضطر المواطن إلى شراء المياه الصحية بسعر (3) جنيهات وهو أعلى من سعرها المعروف الذي يبلغ (2) جنيه فقط. وأكد المصدر أنهم عازمون في الغرفة على مقاطعة العمل داخل الميناء البري ما لم تستجب الإدارة لمطالبهم، المتمثلة في إلغاء الزيادة على الرسوم وتحسين بيئة العمل داخل الميناء البري.
مشاهدات حية
عند توقفنا أمام الشارع أسرع إلينا أحد (المنادين) وهو يسألنا عن مقصدنا مروجاً لإحدى الشركات السفرية، ودعانا إلى شراء إحدى التذاكر منه معدداً ميزات شركته وهو يظن أننا جئنا للسفر، وعندما أخبرته عن هويته الصحفية، بدا متحمساً للغاية للحديث عن الأزمة الأخيرة معرفاً نفسه باسمه “حامد” وهو خريج كلية الاقتصاد من جامعة بيروت، واضطر إلى العمل كـ(منادي) بالميناء البري. وقال إن أصحاب البصات السفرية لهم حق في مقاطعة الميناء البري لانعدام الخدمات به وزيادة رسوم الدخول ومغادرة البصات السفرية  إليه بالإضافة إلى ضعف الخدمات. ثم توجهنا من فورنا لأحد المواطنين الذي كان يحمل شنطة سفر صغيرة وبدا كمن يفاضل بين البصات السفرية في أيهما يستقل لوجهته التي يقصدها بمدينة كسلا، وعندما طلبنا منه الحديث قال إن اسمه “حسين عبد المنعم” وهو في طريقه إلى شرق البلاد مثنياً بشدة على مقاطعة البصات السفرية للميناء البري، مشيراً إلى أنه دائم السفر إلى مسقط رأسه بكسلا ودائما ما يعاني الأمرين عندما يأتي إلى الميناء البري، فهو لا يجد خدمات كافية ويضطر إلى شرب شاي لا طعم له و(معمول بصورة تجارية). وأبدى “حسين” استغرابه من السبب الذي جعل إدارة الميناء تلجأ إلى زيادة الرسوم وهي لا تقدم أي خدمات للمسافرين بل بالعكس، تفرض أسعاراً لخدماتها التي تقدمها داخل مبانيها بأعلى من التي بالخارج. واستلم الحديث مسافر آخر عرف نفسه بأنه “عارف عبد التواب” يقصد مدينة مدني وقال إن المواطن البسيط يتحمل عبء التذكرة وعبء دفع رسوم الدخول إلى الميناء البري، وعبء تحمل فروقات سعر الخدمات التي تستغل فيها إدارة الميناء البري احتكارها وتقدمها بشكل غير لائق، مبيناً أن رسم الدخول إلى الميناء البري كان يفترض أن يتم تحميله على التذكرة، بدلاً من أن يتحملها المواطن الذي يعاني الأمرين في توفير مطلوباته اليومية.
مقاطعة مستمرة
الشارع الكبير الذي يقع شرق الميناء البري تحول بكامله إلى ميناء للتسفير موازٍ للميناء البري الذي بدأت مبانيه بالداخل خالية من المسافرين والعمال والسريحة والباعة الجائلين، وأصبح المكان المهجور منذ سنوات عدة، وشرقي الميناء بدأت حركة تجارية نشطة من (الباعة) و(ستات الشاي) والمطاعم الشعبية التي يبدو أنها كانت المستفيد الأكبر من المقاطعة، فقد انتعشت فيها حركة الزبائن وامتلأت مقاعدها بجموع المسافرين الباحثين عن وجبة الإفطار، بالإضافة إلى (بنابر) ستات الشاي التي كانت تمتلئ هي الأخرى بجموع الباحثين عن (كيف الرأس) (القهوة والشاي والمشروبات الساخنة) و(المعمولة بمزاج)، بحسب تعبير أحد الموجودين والذي نحى إلى اتجاه آخر وبدا من نظاراته السميكة وملامحه الصارمة أنه أحد المهتمين بالشأن العام، وبدأ حديثه بتعريف نفسه باسم “محمد عبد النبي”. وقال إن ثقافة المقاطعة سلاح احتجاجي راقي وفعال وهو ينبئ عن أن كثيراً من الجهات غير الرسمية والشعبية أصبحت تعي بمطلوباتها وبحقوقها وتطالب بها بطريقة حضارية، مشيراً إلى أن مقاطعة البصات السفرية لما أسماه بـ(جشع) إدارة الميناء البري من شأنه إيصال رسالة إلى عدة جهات تعمل على استغلال المواطن البسيط دون ان تجد من يردعه، ودعا “عبد النبي” كل من يعاني من استغلال التجار  والمضاربين إلى إعمال سلاح المقاطعة والإضراب.
الشركات لن تعود
ويعتقد مدير مكتب يتبع لإحدى الشركات السفرية تحدث لـ(المجهر) أن المقاطعة كانت نتيجة لزيادة سعر (فيشة الدخول) وارتفاع أسعار المغادرة وسوء الخدمات وعدم التكييف للصالات  والحمامات (يعني بيشيلو رسوم ساي)،  مشيراً إلى أن الشارع يمكن أن يقوم بوظيفة الميناء البري إذا كان فيه تنظيم ونحن تقدمنا بمطالبنا ولن نرجع إلى الميناء البري ما لم تتم الاستجابة لها. وأكد أن العمل خارج الميناء نفس العمل بداخله وليس هناك أي تأثير. وأضاف (يا أخي الناس ديل ما كانوا بيعملوا لينا أي شىء وموية ساي يشربها المسافر ما بيوفروها ليهم)، والسندوتش بره الصالة بي (5) جنيهات وجوه الصالة بي (10) جنيهات وما في أي خدمات وآي مشروب بتكون فيهو زيادة.
سجن العمال المخالفين
 أزمة الميناء البري فتحت الطريق لمشكلات كبيرة يعاني منها العمال داخل الميناء البري. وقال أحد العمال لـ(المجهر) ويدعى (قوني)، إن إدارة الميناء البري تتعامل معهم بقسوة وتحظر عملهم خارج الميناء وتغرم العامل ألف جنيه (مليون بالقديم) إذا اشتغل خارج الميناء، مشيراً إلى أنهم يعملون كموجهين وكمسنجية وعمال الشركات ينافسون بعضهم البعض والغرامات توجه لأي شخص يعمل خارج الميناء أو لا يحمل بطاقة، ويتم تغريمه مبلغاً كبيراً للغاية يبلغ مليون جنيه كما قلت لك، مبيناً أن البطاقة يم استخراجها من الإدارة، وإذا لم تدفع المليون جنيه يتم سجنك لمدة شهر والآن العامل الشغال في الميناء ليس لديه أي حقوق ويأخذ يومية فقط.
لا يمكن الوصول للإدارة
مبنى إدارة الميناء  البري يحتل مكاناً كبيراً في الجهة الشرقية قصدناه لنضع الحقائق  أمام إدارتها لتضع بدورها النقاط على أحرف التساؤلات، سألنا أحد العاملين عند مدخل البوابة عن المدير وقال لنا إنه موجود بالداخل، وعندما دلفنا إلى المكان استقبلتنا موظفة الاستقبال بتساؤل حائر عن سبب وجودنا..أبرزنا بطاقتنا الصحفية وقلنا لها إننا نريد مقابلة المدير لموضوع مقاطعة البصات السفرية ولكنها أخبرتنا بكلمات حاسمة (المدير مافي)، وعندما قلت لها (أليس هناك شخص ينوب عنه للحديث عن الموضوع) ردت (لا ده موضوع بيتكلم فيهو المدير فقط).
 ولم يقتصر الأمر علينا فقط فقد علمت من عدد من الزملاء أن إدارة الميناء البري ترفض الحديث حول هذا الأمر للصحف، ربما أن ضعف موقف الإدارة وشعورها بعجزها عن تقديم الحلول المناسبة ما يجعلها تقف موقف المتفرج، في الوقت الذي تدخل فيه الأزمة صبيحة اليوم (الأربعاء) يومها الرابع.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية