الاعمدةشهادتي لله

العطش يهدد الشعب السوداني .. و إثيوبيا تملأ السد و لا تبالي

و ها قد فعلها الأحباش .. دون إذنٍ .. و لا مشورة لشركاء النهر العظيم.
حبسوا الماء في سد الألفية غير آبهين و لا عابئين بمفاوضات ثلاثية ، و لا وساطة أمريكية أو أفريقية مُصغرة و مُكبّرة .
بدأوا ملء خزان سد النهضة و المفاوضات لم تكمل مسارها بعد ، و كأنهم كانوا يضحكون على حكومتي السودان و مصر الغافلتين ، بينما الوسطاء من كل جنس و لون يمنحون المتآمرين المزيد من الوقت لإنجاز مشروعهم الكبير الخطير على حساب شعبي وادي النيل .

الأدهى و الأمر .. أن الإثيوبيين ما زالوا يراوغون و يكذِّبون .. و ينكرون أنهم بدأوا بالفعل ملء الخزان ، وهو ما أكدته وزارة الري السودانية بالقياس ، في بيانها الأسبوع الماضي مبينةً أن منسوب مياه النيل الأزرق عند محطة “الديم” على الحدود السودانية الإثيوبية انخفض – على غير العادة في موسم الفيضان – بنحو (90) مليون متر مكعب (يومياً) !!

ثم هاهي هيئة مياه ولاية الخرطوم تصرُخُ اليوم .. على لسان مديرها العام المهندس مستشار “أنور السادات الحاج محمد” وتعلن خروج عددٍ من محطات مياه الشرب عن الخدمة جراء إنحسار مفاجئ للنيلين الأبيض و الأزرق و نهر النيل . وقال مدير الهيئة في تصريحات صحفية : (إن محطات “الصالحة” (أ) و (ب) ، و “بيت المال” ، “شمال بحري” ، “أم كتي” ، و “الشجرة” خرجت عن الخدمة بسبب الانحسار المفاجئ للنيل ، كاشفاً عن إنزال مضخات المياه الخام لأدنى مستوى لها في محطات مياه “سوبا” ، “المقرن” ، “بحري القديمة” و ” المنارة” . و أكد المدير أن الهيئة أبلغت إدارة الخزانات التي فتحت عدداً من بوابات خزان الروصيرص لانسياب المياه على النيل . و توقع مدير الهيئة شُحاً في إمداد المياه في عدد من أحياء ولاية الخرطوم و نقصها الحاد في مناطق بعيدة بالولاية ).

لقد ظللنا في صحيفة (المجهر السياسي) و عبر هذه الزاوية ، نُحذِّر حكومتنا في النظام السابق طوال السنوات الماضية ، من مخاطر التعامل مع ملف سد النهضة بعاطفة السودانيين الجيّاشة تجاه (الحبش) و مؤثرات المكايدة السياسية مع مصر ، و بسبب (عُقد) قديمة مترسخة لدى الطرفين السوداني و المصري منذ عهد الاستعمار التركي – المصري (1821- 1885م) ، و الحكم الثنائي الإنجليزي – المصري في السودان (1899 – 1956م) .

لكن النظام السابق اندفع دون روية و تدبر و مراعاة لمصالح السودان ، في الدفاع عن مشروع سد النهضة (الإثيوبي) و كأنه مشروع (سوداني) خالص ، يحقق مكاسب عظيمة لبلادنا قبل أن يجني الأحباش ثماره !!

لم يسمع الرئيس السابق “البشير” و وزيري الري في عهده “أسامة عبدالله” و “معتز موسى” لرأي الخبراء المهنيين غير المتأثرين بجرثومة الأجندات السياسية و الصراع الإقليمي، مثل وزير الري الأسبق المهندس “كمال علي” و الخبير القانوني في مجال اتفاقيات المياه الدكتور “أحمد المفتي” ، وظل رموز النظام السابق يُصنِّفون كل من ينتقد دعم السودان لسد النهضة دون ضمانات مكتوبة وموثقة لأمان جسم السد ، و طريقة تشغيله ، و سنوات ملء خزانه دون تضرر دولتي المصب (السودان و مصر) ، يصنِّفونه بأنه (عميل مصري)!!!
و الحقيقة أنهم كانوا وما يزال بعضهم في العهدين السابق .. و الحالي .. (عملاء) للدولة الإثيوبية ، بمقابل تافه و رخيص !! فخانوا وطنهم و شعبهم و ساندوا بغباء و هواجة مشروعاً يتسبب في عطش الملايين من أبناء السودان ، بزعم أن بلادنا ستنال حصةً من كهرباء السد بسعر تفضيلي زهيد ، دون أن يوقعوا مع هذه الدولة الحبشية المُراوغِة اتفاقاً مشهوداً و معلوماً .. صارماً و مُلزِماً ، يُحدِّد كمية وسعر الكهرباء التي ستبيعها إثيوبيا للسودان .

قبل سنوات قلائل ، اتفق السودان و إثيوبيا على أن تمد الأخيرة الخط الناقل بين البلدين ب(300) ميغاواط ، مقابل شحنات (بنزين) من المنتج السوداني ، و لكن واقع الحال يفضح خيبة هذا الاتفاق و تنصل إثيوبيا عن تنفيذه بحجة زيادة الطلب على الكهرباء في مشروعاتها الصناعية الجديدة ، و دونكم ما يعانيه شعبنا من قطوعات مبرمجة في الكهرباء تستمر كل يوم لساعات طويلة !!
و رغم ذلك يحدثنا وكيل الطاقة الحالي المهندس “خيري عبدالرحمن” عن اتفاق من بنات أفكاره يستفيد السودان بموجبه من (3000) – ثلاثة آلاف ميغاواط – من كهرباء سد النهضة بقيمة بضعة سنتات للكيلو واط !!!
إنني أتحدى السيد وكيل الطاقة أن ينشر هذا الاتفاق و يخبرنا باسم الوزير أو الوكيل الذي وقّع ذلك الاتفاق المُتوهَم و متى كان ذلك ، لنكتب فيه شعراً و نثراً .. و ننقش اسمه على جداريةٍ نضعها في المتحف القومي بالخرطوم، وليس أسفل كوبري الحديد !!

إن اتفاق الوكيل المزعوم عن الثلاثة آلاف ميغاواط ، هو مثل أكذوبة محطتي كهرباء “عبدالباسط حمزة” التي هب إليها بصحبة قائد ثاني قوات الدعم السريع و وزيرة المالية المكلفة “هبة محمد علي” ، في حفلة ضبط إعلامية صاخبة ، جلبوا لها كاميرات كل الفضائيات المحلية و العربية ، فاتضح بعد ساعات ، أنها ماكينات كهرباء (مُلجّنة) لا تصلح لإنارة مكتب السيد الوكيل ، دعك عن مدينتين كاملتين ، كما قالت السيدة المتسرعة الوزيرة بالإنابة !!

كهرباء سد النهضة ستذهب إلى جيبوتي و يوغندا و جنوب السودان و إريتريا ، و ليس السودان ، فقد فضّل الإثيوبيون من قبل موانىء “جيبوتي” على ميناء “بورتسودان” و استجلبوا قرضاً من الصين بقيمة (4) مليارات دولار نفذوا به خط سكة حديد ( أديس أبابا – جيبوتي) ، بينما أبرمت حكومتنا معهم اتفاقيات سابقة ، لتشغيل ميناء بورتسودان لصالح الصادرات و الواردات الإثيوبية بعد سفلتة الطريق البري و بناء خط للسكة الحديد يربط البلدين !!

إن شعبنا يعطش ، كما قال اليوم السيد مدير هيئة المياه .. و سيعطش و يعطش .. طوال سنوات ملء السد .. و لن تتضرر مصر مثل ضرر السودان البالغ لأن سعة “السد العالي” التخزينية تبلغ (164) مليار متر مكعب ، بينما لا يملك السودان خزاناً جنوب الخرطوم سوى خزان الروصيرص الذي لا تتجاوز سعة تخزينه (7) مليارات متر مكعب في أفضل الحالات !!

كنا و ما زلنا نُعبِّر عن مصالح شعبنا المقهور و المُبتلى بحكومات عاطلة و فاشلة ، لا مصالح مصر ، لكن أصحاب العقول الصغيرة على مستويات القمة السياسية و الأمنية و القاع المتعفن في الأسافير ، ظلوا يتهموننا بالولاء لمصر ، لأنهم قصيرو البصر و البصيرة ، يُساقون كما يُساق قطيع الضأن في بوادي كردفان .

ولاؤنا لهذا السودان العظيم ، كان و سيبقى .. وليس لغيره ..
لقد أقِمتُ في مصر العام الماضي ستة أشهر ، أتلقى العلاج في عياداتها و مستشفياتها ، قبل أن أعود لوطني عزيزاً مكرماً في أكتوبر 2019م ، و لم يتصل بي طوال تلك الفترة موظف صغير في (هيئة الاستعلامات المصرية) ليطمئن على صحتي و يرحب بمقدمي ، كما يفعلون مع صحفيين و إعلاميين غربيين وعرب ، و أنا أدّعي أنني في وطني – وفي كل العهود و الأنظمة – أهم و أوقع تأثيراً على شعبي ، من أثر مدير هيئة الاستعلامات و كبار صحفيي القاهرة على الشعب المصري ، و ذلك الفضلُ من الله و إني له من الشاكرين الحامدين .

لقد أثبتت الأيام أننا كنا على حق في قضية سد النهضة ، فبعد عدة أيام فقط .. على بداية ملء السد ، ها هو مدير هيئة المياه يصرخ ، و يؤكد ما كنا نحذِّر منه النظام السابق وكان في غيه سادراً انطلاقاً من هوى عاطفي بليد تؤججه جلسات (البُن) الساحرة و خيوط البخور (الحبشي) المُسكر في ثنايا رحلات “أديس” و “بحر دار” المخملية الناعمة .

إنني أطالب حكومة السودان بشقيها العسكري و المدني بالإسراع في اتخاذ موقف وطني قوي يُجبر هؤلاء المتغطرسين في الحبشة على تخفيض كميات المياه المحبوسة خلف السد ، و زيادة سنوات الملء بحيث لا تقل عن (7) سنوات ، فالانخفاض الهائل الذي حدث في المنسوب هذه الأيام ، رغم أنه موسم فيضان ، يشير إلى تطبيق خطة (قصيرة المدى) في عملية ملء الخزان .

لابد من ممارسة صغوط مكثفة على الحكومة الإثيوبية و استدعاء سفيرها في الخرطوم و التهديد بقطع العلاقات الدبلوماسية ، و الشكوى لدى مجلس الأمن الدولي و الاتحاد الأفريقي ، لوقف هذا العدوان الغاشم الذي لا يقل فداحة عن قتل الجيش الإثيوبي لضباط وجنود من الجيش السوداني خلال الأشهر الماضية في عمليات غزو عسكري متكررة للأراضي السودانية.

كما أنني أطالب المحامين الوطنيين بكل بجدية برفع دعاوى قضائية ضد كل من دعم و ساند في النظام السابق و الانتقالي الحالي مشروع سد النهضة الإثيوبي ، بتهمة (الخيانة العظمى).. فقد خانوا وطنهم و باعوا شعبهم .. فمالو .. و رقصوا رقصة الهياج .. مع الأحباش !!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية