ما وراء الاتفاق
خارج النص
ما وراء الاتفاق
هل توقيع السودان وجنوب السودان على (اتفاق لتنفيذ الاتفاق)، أو ما يمكن وصفه بمذكرة تفاهم لكيفية تنفيذ اتفاق التعاون الأمني والعسكري بين البلدين.. بمثابة المفاجأة غير المتوقعة التي فجرها وزيرا دفاع البلدين في أول يوم لاستئناف المفاوضات المتعثرة.. وما هي الأسباب التي دفعت بالتفاوض إلى نقطة الاتفاق بعد طول تباعد؟! وهل الضغوط الكثيفة التي يتعرض لها البلدان من الدول الغربية والدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، هي ما حمل الدولتين على تسريع الاتفاق قبل أن تطالهما العقوبات..؟!
ربما شييء من ذلك دفع الطرفين لسرعة الاتفاق.. ولكن لو تذكر القارئ ما أثارته (المجهر) قبل أسبوعين من سؤال عن مغزى ودلالات التغيير الواسع في قيادة الجيش الشعبي وإحالة الفريق “سلفاكير ميارديت” رئيس دولة الجنوب لعدد من جنرالات الجيش الشعبي وبعض الحُكام العسكريين.. فرض عليهم خلع البِزة العسكرية نهائياً، وإحالة كل ضباط الجيش الشعبي الذين خاضوا الانتخابات الأخيرة في الجنوب.. كل ذلك والجنوب مُقبل على عقد المؤتمر التنشيطي للحركة؟!
وذكرنا حينها الأثر المرتقب لقرارات “سلفاكير ميارديت” على مستقبل التفاوض مع السودان.!! والآن شيء ما حدث، واختراق كبير في الجدار المسدود بين الدولتين قد تحقق.. وفتح اتفاق “عبد الرحيم وكونق” الباب لعبور المسارات السياسية والاقتصادية وصولاً لتطبيع العلاقات بين البلدين.
فهل تحرّر السيد “سلفاكير ميارديت” رئيس دولة الجنوب من نفوذ وهيمنة وضغوط قادة الجيش الشعبي الذين بلغ بهم التطرف والوصاية على الحركة الشعبية الحاكمة، أن تظاهر بعضهم في الشوارع رافضين اتفاق التعاون، وبدأت تكتلات لأبناء شمال بحر الغزال وأخرى لكبار القادة يناهضون اتفاق التعاون.. بل هدّد بعضهم سُلطة الفريق “سلفاكير” ولوحوا بالانقلاب على السُلطة الشرعية.. وكان خيار “سلفاكير” أن اتخذ القرار الصائب وأعفى كل من يعتقد أنه بات مركز قوى ونفوذ داخل الجيش الشعبي، والآن أثمرت قرارات الإعفاء والتجديد في قيادة الجيش الشعبي أن فتحت الطريق لتسوية أهم عقبة واجهت المفاوضين (كيف يتم تنفيذ ما أُتفِق عليه)..؟
إذا كانت الانشغالات الأمنية قد عطلت مسارات التفاوض على القضايا الإقتصادية والسياسية طوال الفترة الماضية وسدت أنابيب النفط وأوقفت اتفاق ترسيم الحدود وفتحت الباب لما يُسمى بالمناطق المدعاة، فإن المفاوضات اليوم قد بات نجاحها قريباً جداً بعد أن تحرّر المفاوضون من قيود القضايا الأمنية والعسكرية.. وفي مثل هذه الفترات تنشط جيوب التطرُف هنا وهناك ويلهث دُعاة الحرب والمستفيدون منها بحثاً عن ثغرة تعطل ما تحقق وذلك (باختلاق) الأخبار الكاذبة وتعبئة مشاعر المواطنين بأحداث غالبها مستوحاة من مخيلتهم التي تفيض بكل الشرور.. فكيف يتم تجاوز المرحلة الراهنة وتحصين (اتفاق تنفيذ الاتفاق) حتى يؤتي أكله، وثمراته لصالح الشعبين المُرهقين بالحروب ووطأة الأزمة الاقتصادية..؟!