الاعمدةشهادتي لله

و فارقنا صاحب القلب الكبير .. “إبراهيم دقش”

رحل عن دنيانا الفانية العزيز الدكتور “إبراهيم دقش” ،و وري جثمانه الثرى بمقابر أحمد شرفي حوالي الساعة الثانية و النصف صباح يوم 23 يونيو 2020م .

كان “دقش” إنساناً مختلفاً في كل شيء .. كان هيناً و ليناً ، ضحوكاً .. ظريفاً و طريفاً ، لم يقعده المرض طوال السنوات العشر الأخيرة ، فظل يعاني و يعاني ، يدخل غرف عمليات و يخرج منها ، و لكنه يبقى متفائلاً و متجاهلاً للأدواء الثقيلة المستمرة و العابرة ، لم يتوقف عن الكتابة إلاّ للشديد القوي ، تعلمنا منه المثابرة و المغالبة و الإصرار على البقاء مترعاً بحياة حافلة بالعطاء و الفرح .
تعرفتُ عليه عن قرب قبل 19 عاماً في رحلة نظمها مكتب قناة (المستقلة) اللندنية إلى عاصمة الضباب ، و كنتُ أدير المكتب حينها ، كان الملتقى تحت عنوان حوار بين قادة الرأي في السودان حول آفاق السلام ، و نقلت القناة جلساته على الهواء مباشرةً ، شارك فيه سياسيون على رأسهم السيد “الصادق المهدي” و السيد “مهدي إبراهيم” و صحفيون و كتاب مثل الأساتذة “حسين خوجلي” ، “محجوب عروة” ، “عثمان ميرغني” و الصحفي الجنوبي “ألفريد تعبان” و غيرهم ، و كان من بين المشاركين الراحل الكبير “إبراهيم دقش” ، فأمتعنا على هامش الملتقى بقفشاته و تعليقاته اللطيفة ، مثلما أثرى النقاش بتوازن و موضوعية .
غادرنا نحن “لندن” بعد أسبوع ، وبقي هو في بلاد الإنجليز التي يعرفها قبل عقود ، منتقلاً إلى مدينة أخرى لزيارة ابنه و كريمته اللذين كانا يدرسان هناك .
ثم مرت السنون .. و التقينا في (المجهر السياسي) حيث انضم إلينا كاتباً راتباً خلال السنوات الأربع الماضية ، فشكل إضافة نوعية و حقيقية للصحيفة بعموده الشهير الرشيق (عابر سبيل) ، فقد كان الراحل مديراً للإعلام بمنظمة الوحدة الأفريقية لسنوات طويلة مقيماً في “أديس أبابا” ، كما ترأس وكالة الأنباء الأفريقية ، ثم عمل ممثلاً للسودان في “النيباد” ، و كان رمزاً أفريقياً معروفاً لزعماء القارة السمراء ، مشاركاً بفاعلية في الكثير من مؤتمرات القمة الأفريقية .
في رمضان الفائت أكرمني أستاذنا “دقش” و حرمه و شريكة حياته الكاتبة الدكتورة “بخيتة أمين” بدعوة إفطار راقية بشقتهما الأنيقة في مصر الجديدة – شارع جسر السويس بالقاهرة ، و كان هناك نجلهما الطبيب المقيم في بريطانيا “هيثم” ، فكانت ليلة سودانية رائعة .
قبل أشهر قلائل تعرض “دقش” لكسر في (المخروقة) ، فبدأت مشاكله الصحية تعود من جديد ، دخل مستشفى علياء ، و خرج ، ثم انتكست حالته الصحية قبل أيام بتوقف كليتيه عن العمل مع استسلام الجسد المنهك بعلة القلب لغيبوبة ، فانتقل سريعاً من غرفة العناية المركزة إلى غرفة العناية الإلهية في دار خير من دارنا ، عند ربٍ رحيمٍ غفار .
اللهم تقبله عندك في الجنان ، فإنه كان في الدنيا نسمة .. و بسمة .. و لوحةً آيةً في الجمال .
العزاء للغالية الدكتورة “بخيتة أمين” و لنجليه “وائل” و “هيثم” و كريمتيه “رانيا” و “سماح” ، و لجميع أفراد الأسرة الممتدة ، و لأصدقائه و جيرانه و لعموم أهل الصحافة السودانية .

إنا لله و إنا إليه راجعون .

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية