لا أظن أن هناك شخصا قلبه على البلد (دي) ويهمه استقرارها لم يكن يضع يده في قلبه قبل يوم ثلاثين يونيو، الموعد المضروب لخروج مواكب جماهيرية اختلفت مسمياتها وأهدافها ولافتاتها والبعض تبنى نظرية أنها مواكب لدعم الحكومة وآخرون قالوا إنها لتعديل مسارها وتجديد مطالب الثوار والبعض الآخر تبنى شعار المطالبة باسقاطها جملة وتفصيلا لذلك كانت الخطورة والصعوبة في اختلاف توجهاتها مما كان يشي أنه ربما يحدث انفجار في أي لحظة بسبب اشتباكات بين هذه الأطراف المتضادة لذلك كان العبء كبيرا والمسؤولية عظيمة على كل الأجهزة الأمنية في أن ترفع حسها وكل أجهزتها الاستشعارية حتى يمر هذا اليوم بسلام لأن أي انفلات أو تخريب تستغل فيه هذه الحشود كان يمكن أن يقود البلاد إلى محرقة لا يعلم مداها إلا الله.. لكن وكما العهد بها ضربت الأجهزة النظامية، القوات المسلحة وقوات الشرطة وأجهزة الأمن والمخابرات مثلا رائعا في التميز والاحترافية في التعامل مع هذه الحشود التي لم تستثن محلية من محليات الخرطوم على امتدادها واتساعها وظلت تحرس هذه الحشود المتدفقة بالسر والعلن لتظل هي المؤسسات الوحيدة ـ ولا أظنني أبالغ ـ التي تقوم بواجباتها بإتقان وكفاءة وانضباط تام.
ودعوني أقول إن الذين ظلوا طوال الشهور الماضية يسعون وبشكل مريب لخلق فجوة وجفوة وخصومة بين قوات الشرطة والشارع السوداني خاب ظنهم وتكسرت أمنياتهم بوعي شعبنا الذي ظل يحفظ لهذه المؤسسات دورها التاريخي في الانحياز لإرادة الشارع وانتفاضة اكتوبر وابريل أكبر شاهد على ذلك، ودعوني أقول إنني على الإطلاق لا أدعي رسالية وقدسية كل المنتسبين لهذه المؤسسة وتنزههم عن الأخطاء والكمال لله وحده وهي مؤسسة مثلها مثل كل المؤسسات فيها الصالح والطالح لكن تبقى العبرة بالغالب الأعم والعنوان العريض والمحصلة النهائية التي هي عندنا وهي جميعها نقاط تؤكد أن هذه المؤسسة ظلت وستظل مؤسسة تخدم الشعب وتنصره وتقف إلى جانبه وما حدث من تفلتات سابقة هي مجرد أحداث فردية لا تعبر عن عقيدة أو قناعة هذه المؤسسة العملاقة التي ارتبط تاريخها بالإنسان السوداني وتمازجت معه وشاركته وشاركها كل المواقف المشهودة ومن يريدون تصفية حساباتهم مع أشخاص بعينهم على حساب دورها التاريخي هم واهمون وكاذبون وحالمون وستنكشف مقاصدهم ونواياهم الخبيثة وكل من يعمل على ضرب هذه المؤسسات تحت الحزام يعمل لتنفيذ أجندة خارجية تدرك تماما وتعي أنها لن تجد لها مكانا لتلعب دورها المرسوم طالما أن هذه الأجهزة متماسكة ويقظة وبالتالي الخطة الأنسب لتفكيكها هو إضعافها وهدم جسور الثقة بينها والمواطن السوداني.
أعود لأقول إن الانضباط في تعامل قوات الشرطة أمس مع الجموع الهادرة كان مثاليا ورائعا والصور التي انتشرت على نطاق واسع في السوشيال ميديا لمنسوبيها وهم يوزعون مياه الشرب للمتظاهرين كانت لفتة بارعة ورسالة بليغة للذين يجتهدون لزراعة الفتنة وإشعال النيران لتظل هذه المؤسسات راسخة وشامخة بعيدة عن عبث السياسيين الذين يتحملون خراب الخدمة المدنية ومؤسساتها بسبب أطماعهم ومحاصصاتهم وجشع السلطة الذي يتملكهم بمجرد الوصول إلى كراسي الحكم، الغريب أن الناطق الرسمي للحكومة ووزير إعلامها وجه تحاياه وإشاداته يمينا ويسارا لكل المشاركين في المواكب وتجاهل توجيه التحية لهذه الأجهزة النظامية التي ظلت عيوناً مستيقظة وآذاناً تسمع دبيب النمل.
فالتحية للشرطة السودانية التي ظلت مستنفرة لكل قواتها لثلاثة أيام قبل المواكب من وزير داخليتها ومديرها العام وضباطها الأماجد وجنودها الذين يعانون مثلنا شظف العيش وصعوبة الحياه لكنهم رغم ذلك يعملون تحت كل الظروف رهن الواجب وطوع النداء.. التحية لقواتنا المسلحة (حيلنا المشدود وضهرنا المسنود) والتحية لجهاز المخابرات وهو يعمل بصمت بلا ضوضاء ولا فرقعة، والتحية لشعبنا المعلم الذي يعرف متى يسكت ويصبر ومتى ينتفض ويثور.
كلمة عزيزة
الذين يوجهون انتقاداتهم للشرطة السودانية هل يعلمون أن سجلاتها دونت انخفاضا كليا في معدلات الجريمة بنسبة ١٨.٨٪ وذلك خلال الفترة من سبتمبر ٢٠١٩ إلى يونيو ٢٠٢٠ مقارنة مع الفترة من سبتمبر ٢٠١٨ إلى يونيو ٢٠١٩؟ هل تظنون أنكم تأمنون على بيوتكم وأسركم وممتلكاتكم لأننا تحت عناية ورعاية نشطاء الأسافير الذين يوجهون الإساءات للجيش والأمن والشرطة صباحا ومساء؟، هذا مجهود رجال لا ينامون الليل والنهار كلامهم قليل وفعلهم عظيم وكبير.. افهموها بقى!!
كلمة أعز
انتصر وزير الصحة لانتمائه الحزبي وهزم ضميره المهني وشارك في موكب ٣٠ يونيو وكنا سنرفع له القبعات لو أنه سجل موقفا رافضا لخروج المواكب بغض النظر عن انتسابه لأي جهة من الجهات، لكنها السياسة في بلادنا التي تعمي الأبصار والبصائر.