نقلاً عن (الشرق) القطرية.. (المجهر) تنشر حوار “بحر أبو قردة” أول متهم يسلم نفسه طوعاً في تاريخ “الجنائية الدولية”
"المحكمة الجنائية" لم تصدق قراري بتسليم نفسي لها في البداية .. التهم الموجه لي سببها كيد دبره خصومي بعد انشقاق الحركة التي كنت أنتمي لها.. "الجنائية" محكمة تعمل ضمن نظام دولي غير عادل لكنها تظل الخيار المتاح وهنا تبدو المشكلة ... تسليم كوشيب تم بايعاز من المدنيين
حوار: ياسر محجوب الحسين
بحر ادريس ابو قردة وزير الصحة السوداني السابق واحد مقاتلي دارفور السابقين كان أول سوداني يسلم نفسه طوعا للمحكمة الجنائية الدولية بلاهاي في 2009 التي حكمت عليه بالبراءة وتأتي أهمية الحوار معه لازالة الغموض عن كثير من الجوانب خاصة في ظل تسليم متهم سوداني أخر هذا الشهر وهو علي كوشيب فما هي أوجه الشبه والاختلاف بين الحدثين؟.
وشارك ابوقردة الذي ينتمي لقبيلة الزغاوة الدارفورية، في حكومة الرئيس السابق عمر البشير متوليا منصب وزير الصحة لنحو 9 سنوات عبر اتفاقية الدوحة لسلام دارفور التي رعتها قطر حيث وقعت حركته حركة التحرير والعدالة برئاسة تيجاني سيسي على الاتفاقية. وقبل ذلك انضم لحركة العدل والمساواة وتقلد منصب الامين العام وانشق منها وشكل الجبهة المتحدة. ووجهت له المحكمة الجنائية الدولية اتهاما بمسؤوليته عن هجوم على قاعد لقوات الاتحاد الافريقي بجنوب. وأجرت “الشرق” حوارا مطولا معه عبر الاسكايب من لندن وأكد أبو قردة اعتزازه باتفاقية سلام دارفور وأعتبرها اتفاقية شاملة عالجة جذور المشكلة وأعاب على حكومة البشير السابقة افتقادها لارادة تطبيقها تطبيقا صحيحا. وقال أن قطر أثبتت حرصا شديدا على اكمال الاتفاقية وتميزت بالصدق والنزاهة الأمر الذي ككل جهودا بالنجاح حتى نالت الاتفاقية اجماعا ودعما دوليا كبيرين. مضابط الحوار تناولت العديد من المحاور المهمة وفيما يلي نص الحوار:
** بداية نود أن تضعنا في صورة ملابسات قراركم بالمثول أمام المحكمة الجنائية الدولية بلاهاي في 2009 وكيف توصلتم لهذا القرار الصعب؟
• في البداية لم يكن لدي أدنى فكرة على الاتهام الذي وجهته المحكمة لي، وفي ذلك الوقت كنت أمينا عاما لحركة العدل والمساواة وحدث خلاف داخل الحركة أدى لانشقاق في صفوفها في 2007 وتوجهت إلى ميدان القتال وقمت بقيادة جزء من قوات الحركة بعد الانقسام وتزامن ذلك مع مهاجمة مسلحين متفلتين من محموعة مسلحة أخرى قاعدة لقوات الاتحاد الأفريقي المعروفة اختصارا بـ(AMIS) بالقرب من بلدة حسكنيتة في جنوب دارفور وذلك في 29 سبتمبر 2007 ودمرت القاعدة وقتل عشرة من قوات حفظ السلام الافريقية وهي سابقة لقوات الامم المتحدة المعروفة بـ(يوناميد). وكنت للتو قد وصلت الميدان قبل الحادثة بيوم واحد فقط لكن مع ظروف الانشقاق في حركتنا ارتأى بعض المنافسين السياسيين أن تلك فرصة مناسبة لتوريطي في تلك الواقعة وزعموا أن المسلحين الذين هاحموا قاعدة قوات الاتحاد الافريقي هم جزء من القوات التي قدتها بعد الانشقاق. وتم تلقين شهود زور لتعضيد الاتهامات ضدي بل تمكنوا من استمالة احد حراسي واغرائه بوعود كثيرة منها السفر إلى أوروبا ليشهد ضدي وخلاصة الاتهام الملفق أنني خططت وقدت الهجوم على تلك القاعدة. ولم أكن أعلم بما حيك ضدي إلا بغد 3 شهور من الحادثة حيث اتصل علي أحد الاصدقاء الذي كان يعمل مع منئمة الأمم المتحدة وسألني إن كان لدي معلومة عن أنني على رأس المتهمين الثلاثة من قبل المحكمة الجنائية الدولية في واقعة الاعتداء على قاعدة قوات الاتحاد الافريقي. بعد ذلك قمت بالتشاور مع قيادات الحركة التي أقودها وأجرينا اتصالات مع جهات أخرى في سبيل تقويم مدى خطورة الاتهام واستيعاب ما يجري فلم نكن على المام تام بموضوع المحكمة الجنائية الدولية.
** ثم ماذا فعلتم بعد استيعابكم لخطورة الاتهام وتأكدكم من حقيقة وجودكم على رأس المتهمين من قبل المحكمة الجنائية الدولية بتدبير الهجوم على قاعدة قوات الاتحاد الافريقي بجنوب دارفور؟
• لقد قررت تسليم نفسي إلى المحكمة وأبلغت زملائي في الحركة لأني متأكد من براءتي وفي بحثي عن المحمة وطريقة عملها وجدت أن بها 3 مكونات رئيسية وهي القضاة وهيئة الادعاء والمتهم ووهيئة دفاعه. أما القضاء فهم محايدون ومهنيون ولكن الخطورة في الادعاء الذي يستند في مرافعاته على التقارير والشهود وهنا يمكن أن تتسرب الأغراض السياسية والمشكلة الأخرى في الدفاع فرغم أن المحكمة توفر مساعدة دفاعية لكنها غير كافية ولابد من توكيل محام دولي مقتدر على نفقتي وهذا يتطلب أموالا قد لا تتوفر لي. لكن مع هاتين المشكلتين قررت المضي قدما في قرار تسليم نفسي طائعا.
** لكن ألم تكن تلك مخاطرة في ظل ما ذكرته من تلفيق للتهم واعداد لشهود زور من قبل خصومك لتثبيت التهمة عليك فضلا عن صعوبة توكيل محامي دولي ليقف إلى جانبك في مواجهة الادعاء المعبأ ضد كما ذكرت؟
• صحيح لكن وجدت مساعدة ودعم عدد من الاصدقاء ومنهم عمر قمر الدين وهو حاليا يشغل منصب وزير الدولة بوزارة الخارجية السودانية في الحكومة الحالية وقد اتصلت عليه وكان وقتها في الولايات المتحدة الأمريكية واستشرته في موضوع توكيل محامي وزودني بقائمة طويلة من المحامين الذين يتعاملون مع قضايا المحكمة الدولية ووقع اختياري على المحامي البريطاني كريم خان وهو من أب باكستاني وأم بريطانية. وطلب لقاء مباشر معي وأضررت لأسافر بالبر من دارفور إلى جنوب السودان ومنه هناك إلى إثيوبيا وكانت رحلة شاقة ومحفوفة بالمخاطر وإلتقيت بالمحامي في أديس ابابا لمدة أسبوع وطلب مني كثير من المعلومات لتقييم القضية وكان يخشى من أحمل مسؤولية وجود بعض ممتلكات ومعدات البعثة الافريقية لدى بعض قواتي التي أسستها لاحقا وبالتزامن مع حادثة الاعتداء فكان يريد أن يتأكد من تصرفي حيال ذلك الافتراض بارجاعها واتخاذ اجراءات ضد من لديهم هذه المعدات. وأكد المحامي على ضرورة أن يقتنع القضاة بروايتي حيث ذكرت له أنني لست مسؤولا عن أي تورط لأفراد من قواتي فيما قبل تشكيلها وانضمامهم إليها. وطلب مني كتابة روايتي بنفسي خاصة وأنه يعتقد أن لغتي الانجليزية ممتازة لأني في هذه الحالة سأكون أكثر من يعبر عن تلك الرواية. ومع ارتياحي لامكانات المحامي الذي أكد قدرته على احباط شهادات الزور واقتناعه ببراءتي كنت بالاضافة لذلك واثقا من أنني صاحب قضية عادلة ولابد من مواجهة هذا الاتهام بشجاعة.
** كيف تم التواصل مع المحكمة الجنائية الدولية بعد نحو عامين من واقعة الاعتداء محل الاتهام ومع أنك صاحب قرار تسليم تفسك لكن هل لاحقا تمت صفقة ما مقابل حضورك وتسليم نفسك مقابل معلومات قد تفيد المحكمة في اتهاماتها للرئيس السابق عمر البشير وعدد من المسؤولين في حكومته بارتكاب جرائم حرب في دارفور وفقا لمذكرة القبض عليه في مارس 2009؟
• ليست هناك أي صفقة تمت فبعد أن استكملت دراسة القضية من كل جوانبها ومقابلة المحامي أنا الذي بادرت بالاتصال بالمحكمة عبر المحامي وابلغناهم قراري بتسليم نفسي ولانها أول مرة في تاريخ المحكمة يقرر متهم تسليم نفسه إليها طوعا فلم يكن ذلك مستوعبا لديهم ولم يصدقوا ولم يتأكدوا من ذلك إلا بعد أن أقلعت الطائرة التي تقلني من العاصمة الكينية نيروبي بالفعل. وكان أول ظهور لي في المحكمة بلاهاي في سبتمبر 2009 ثم عدت للميدان لتبدأ الجلسات في يناير 2010 واستمرت لأسبوعين. وأضيف أن مذكرة المحكمة بشأن البشير ليس لها علاقة بقضيتي التي اتهمت فيها وليس هناك رابط بينهما.
** هل حاول الادعاء في أي مرحلة من المراحل أن يربط بين الدعوى المرفوعة ضدكم وبين تلك الموجهة للرئيس البشير بحيث يتم الافادة من اي معلومات تدلون بها لتعضيد التهم الموجهة للبشير ورجاله؟.
• لا أعتقد أن هناك فرصة للادعاء للربط بين القضيتين، لكن دعني أؤكد لك أن الفائدة التي تجنيها المحكمة في سبيل الربط بين القضيتين قد يكون في أن مجرد مثولي أمامها سيدحض حجة الحكومة السودانية في اصرارها عدم مثول أي سوداني امام المحكمة باعتبار أن السودان ليس عضوا في المحكمة وليس موقعا على ميثاق روما الخاض بتاسيسها.
** لكن حالتك قد تكون مختلفة وتصعب المقارنة هنا باعتبارك شخصية غير رسمية بل متمردة على الدولة ويمكن أن تمثُل امام المحكمة بصفتك الشخصية بينما البشير ورفاقه كان يشغلون مناصب دستورية ويمثلون الدولة التي ليست عضوا في هذه المحكمة؟
• البشير كان يقول أنهم لا يقبلون أن يمثل أي سوداني حتى المتمردين الذين يرفعون السلاح ضد الدولة، ولذلك ستجد أن مثولي أمام المحكمة وإن كان لاسباب تخصني إلا أن المحكمة تعتبر ذلك يدعم معركتها ضد البشير ورفاقه. وذلك أيضا ثد يؤكد أنها محكمة معترف بها. من جانب آخر أعتقد أن الادعاء سعى لمحاكمتي وادانتي لتأكيد كذلك أن المحكمة لا تستهدف المسؤولين الافارقة والحكومات فحسب – كما هم يتهمونها – وانما تحاكم المتمردين على الحكومات كحالتي.
** كيف تمكنتم من دحض شهادات الشهود الذين من بينهم فرد الحراسة الخاص بك والذي استميل للشهادة ضدك؟
• لقد استخدم المحامي عدة تكتيكات منها عرض صور لي تجمعني بعدد آخر من الاشخاص وطلب من الشهود التعرف علي من بين أولئك الاشخاص ففشلوا في التعرف على شخصيتي رغم أنهم زعموا معرفتهم بي وبالاوامر التي اصدرتها لهم حسب زعمهم لمهاجمة قوات الاتحاد الافريقي وأنني كنت في مقدمة القوة المهاجمة. أما فرد الحراسة كان أكثر شخص خدمني لأنه أضطر لقول الحقيقة وهي أنني لم هناك ساعة الهجوم بل اشار إلى أنني انزعجت عند سماعي بالهجوم وذكرت ان تلك قوات دولية ما كان ينبغي الهجوم عليها.
• ** كيف تنظر لما قام به المطلوب لدى المحكمة الجنائية علي كوشيب وهو ضمن المطلوبين مع مجموعة البشير في مذكرة توقيف بحقه في أبريل 2007 بتسليم نفسه يوم 10 من يونيو الحالي، وما هو وجه الشبه والاختلاف مقارنة بحالتك؟.
• لا اعتقد أن هناك وجه شبه إلا في اطار الجدل الدائر حول تسليم تفسه طوعا فاحتمال أن يكون قد قبض عليه احتمال غير وارد اطلاقا ولكن زاوية تحليلية وليس بناءً على معلومات يبدو أن كوشيب سلم نفسه بايعاز من اطراف رسمية في الحكومة السودانية وأن ذلك سيساعدهم على الضغط على اطراف أخرى في الحكومة.
** السلطة في السودان اليوم تتكون من مكون عسكري آخر مدني فمن هو المكون الذي أوعز لكوشيب باتخاذ هذه الخطوة؟.
• بالطبع المكون العسكري ليست لديه مصلحة في أن يتخذ كوشيب هذه الخطوة ولكن المكون المدني بالاتفاق مع جهة دولية أو إقليمية هم الذين لديهم هذه مصلحة الضغط على المكون العسكري. فالرجل ذهب ليكون شاهد ملك باتفاق معين ليقدم معلومات عن آخرين شاركوا معه في الجرائم المتهم بارتكابها. وقد يحصل على حكم مخفف نوعا ما ولكن لا أتوقع تبرئته تماما. ومن الممكن أن يكون كوشيب مضطرا لذلك خوفا على حياته سواء من الدولة أو من خصومه من اطراف الصراع في دارفور ورأي في المحكمة أهون الشرين وهو خيار أفضل من أن يغتال في ظل الظروف السياسية الحالية الهشة..
** مع اختلاف القضايا واستنادا إلى تجربتك هل تنصح بتسليم المطلوبين لدى هذه المحكمة الدولية؟
• قناعتي أن كل فعل يحقق العدالة فهو مطلوب؛ فإن رأوا أن تسليمهم للمحكمة الجنائية سيحقق العدالة فمن الأفضل تسليمهم وإن رأوا أن بعد التغيير الذي حدث هناك فرصة مواتية لمحاكمتهم داخل السودان عبر المحاكم المختلطة فليفعلوا فالمتهمون اليوم ليسوا هم من بيدهم السلطة كما في السابق ولذا ليس بامكانهم التأثير سلبا على المحاكم المختلطة داخل السودان ونحن نعلم أن دور المحكمة أصلا هو دور مكمل فمتى ما توفر القضاء الوطني العادل فلا دور لها. فدور الجنائية دور مكمل إذا كانت الدولة عاجزة عن اقامة قضاء عادل أو غير راغبة، لكن شخصيا لا اعتبر الوضع السياسي الجديد مستقر. بالمناسبة لقد قدمة لجنة التحقيق في جرائم دارفور التي شكلها النظام السابق برئاسة القاضي المخضرم دفع الله الحاج يوسف تقريرا مهنيا لكن الدولة لم تكن راغبة في الاخذ به ولو أخذت به لاختلف الوضع تمام لصالح انصاف قضية دارفور.
** إن كان مثل ما ذكرت أن الوضع الحالي هش فإن محاكمة المتهمين داخليا مع الخوف من عدم استقلالية القضاء في ظل أجواء الانتقام السياسي من رموز العهد السابق فهل محاكمة المتهميي في لاهاي سيكون أفضل وأهون الشرين؟.
• أصدقك القول أنا لست في وضع محايد إذ أنني رغم مشاركتي في النظام السابق عبر اتفاقية سلام الدوحة إلا أنني ما زلت أعتبر أن النظام السابق قد أجرم في حق أهلي بدارفور. وأنا اليوم مع ما يحقق العدالة وإن سألتني رأي الشخصي فأنا أعتقد أفضل لهم أن يحاكموا هناك في مقر المحكمة الدولية بلاهاي.
** ربما وضع المحكمة الجنائية تتجاذبه تناقضات دولية فواشنطن التي عملت في مجلس على احالة قضية دارفور إلى المحكمة الجانئية لا تعترف بالمحكمة وترفض أن يحاكم مجرد جندي من جنودها عبرها دعك من كبار المسؤولين وهاجمت مؤخرا المحكمة هجوما عنيفا بعد نيتها التحقيق في سلوك المواطنين الأمريكيين في افغانستان فالي أي حد يشكك ذلك في عدالة المحكمة الجنائية؟.
• نعلم أن النظام الدولي الحالي أسسه المنتصرون في الحرب العالمية الثانية وما يتم في مجلس الامن الدولي ليس هو العدالة بل يعمل وفقا لمصالح الدول المسيطرة ولذلك يبدو كلام الامريكيين غريبا بعدم محاكمة الأمريكيين والاسرائيليين في المحكمة الدولية. وكرر حديثي أن الادعاء مرتبط بتقارير مجلس الأمن لكن قناعتي القضاة محايدين ومهنيين.
** هل تتفق مع رأي الاتحاد الافريقي المناهض للمحكمة الدولية واتهامه لها باستهداف الافارقة فقط؟.
• حسنا لكن الدول الافريقية مطالبة باقامة قضاء عادل ونزيه يمكن أن يكون بديلا للمحكمة الجنائية ومن ثمّ نقبل رفضهم للمحكمة الجنائية الدولية.
** لقد وضعتم السلاح في 2011 وجئتم مشاركين في السلطة عبر اتفاقية سلام الدوحة فكيف تظر لهذه الاتفاقية بعد هذه السنوات وما هو تقويمكم لفترة مشاركتكم قبل سقوط نظام البشير الذي شغلتم فيه منصب وزارة الصحة لنحو 8 سنوات؟
• إني على قناعة تامة بأن اتفاقية سلام الدوحة عاجلت جذور قضية دارفور فالذي قاتلنا من أجله في دارفور هو العدالة في التنمية والمشاركة المنصفة في الحكم، معالجة آثار الحرب كالنزوح واللجوء، جبر كسر المتضررين وتعويضهم، ثممسألة الترتيبات الأمنية للقوات التي قالت الحكومة. فهذه الملفات الخمسة تمت معالجتها بشكل دقيق وشامل، وكان هناك حرص على اشراك جميع أهل دارفور من أصحاب المصلحة من كافة مكونات المجتمع المدني وأبناء الاقليم المشاركين في حكومة البشير حينها فلم يكن الأمر قاصرا على الحركات المسلحة فقط بالاضافة إلى الاسعانة بعدد كبير من المستشارين والمختصين من خارج وداخل السودان. كذلك أخذنا رأي قادة الاحزاب السياسية على المستوى الوطني مثل وزعيم حزب الأمة القومي السيد الصادق المهدي وزعيم حزب المؤتمر الشعبي الراحل حسن الترابي وزعيم الحزب الشيوعي الراحل محمد إبراهيم نقد. وكانت المشكلة في إرادت تنفيذ الاتفاقية خاصة فيما يتعلق بملف الترتيبات الأمنية. كذلك موضوع انشاء بنك اعمار دارفور فقطر كانت على استعداد تام على توفير مبلغ ملياري دولار على مراحل مختلفة لكن نشب خلاف فالحكومة المركزية كانت تريد في العاصمة الخرطوم بينما ارتأينا أن يكون في دارفور وهذا يعني أنه كانت هناك نية لللاستفادة من الأموال في المركز أكثر من الاهتمام بأن تذهب لدارفور وثار جدل وخلاف كبيرين جدا في هذه المسألة. كذلك تزامن بدء تطبيق الاتفاقية مع أحداث سياسية كبرى في السودان مقل انفصال جنوب السودان ثم توتر العلاقات فيما بعد مع دولة جنوب السودان الوليدة لحد التصادم العسكري بين البلدين. كل ذلك أعاق تنفيذ الاتفاقية التي بذل فيها القطريون جهودا صادقة وأبدوا درجة عالية من الحياد بين اطراف النزاع فلم نشعر في أي لحظة أنهم ينحازوا إلى الحكومة التي بيدها السلطة لكنهم يعلمون أهمية الاستقرار في السودان بالنسبة لعموم المنطقة. وأذكر كيف وقفت الحكومة القطرية إلى جانبنا عندما حدث خلاف كبير قبيل التوقيع النهائي في جزئية صفة مسؤولي سلطة دارفور الانتقالية هل هم وزراء ومفوضين. حيث كانت الحكومة السودانية تصر على أنهم جميعا مفوضون بينما كنا نصر على ضرورة أن يكسب بعضهم صفة وزراء لأن ذلك يفعل أداءهم أكثر من كونهم مفوضين نظرا للنظام الفدرالي الذي كان مطبقا وأقتنع القطريون بوجهة نظرنا وأقنعوا الخرطوم بقبولها وتجاوزنا عقبة كبيرة وتم التوقيع في يوليو 2011. أود هنا أن أوجه شكرا عظيما لصاحب سمو الأمير الوالد وصاحب السمو أمير البلاد وعموم الشعب القطري الكريم على انجاز هذه الاتفاقية التي أضحت اتفاقية دولية تستمد قوتها من دعم الأمم المتحدة واطراف دولية رئيسية وعلى الدعم المادي السخي في جميع مراحل التفاوض ثم التنفيذ.
** إذا تركنا اشكالية تنفيذ الاتفاقية جانبا وتحميلك الحكومة السودانية مسؤولية ذلك، ألا تعتقد أن من عقبات تنفيذ الاتفاقية استمرار معارضة بعض الحركات الأخرى لها دون مبرر طالما كانت شاملة وعالجت جذور المشكلة فضلا عن الدعم الدولي الذي حظيت به؟.
• ربما معارضة هذه الحركات كان في البداية عدم توقعهم انجاز اتفاق على هذه الدرجة العالية من الصلابة والشمول وظنوا أن اتفاقية الدوحة مثلها مثل الاتفاقات العديدة السابقة التي لم تعالج الجذور. ولعل هذه الاتفاقية اختلفت عن غيرها انها لم تسم اطراف التوقيع ختى لا تكون حصرا على الموقع بحيث يكون المجال مفتوحا لدخول أي طرف لاحقا متى ما اقتنع بها أو حتى لو اراد اضافة شيء إليها. ولذلك أرى أن المعارضين إما كانوا غير مستوعبين لحجم الانجاز في الاتفاقية أو أنهم حتى لو اقتنعوا لاحقا بها ظل اسيري ظن بأنها تخص الاطراف الموقعة عليها.
** فكيف تنظر للاتهامات التي تطال بعض حركات دارفور في التورط في الصراع الليبي – الليبي بالمشاركة في القتال الدائر هناك بالانحياز لطرف ضد الطرف الآخر وآثر ذلك على دارفور؟.
• يمكن أن يوجه هذا السؤال مباشرة للمتهمين بهذا الامر لكن بشكل عام أقول نحن في دارفور بوجه الخصوص ليس لدينا أي مصلحة في اضطراب ليبيا فنحن أحيانا كثيرة أقرب إلى ليبيا من الخرطوم نفسها. في السابق ارتبط اهلنا بالتجارة مع ليبيا لم يكن بعضهم يعرف الخرطوم فقد كان هناك ارتباط مصلحي وثيق ولذا فإن الاضطراب في ليبيا يؤثر سلبا على دارفور والسودان عموما. وأعلم ان الحكومات السودانية السابقة كانت مهتمة جدا بالاستقرار في ليبيا ويجب أن يكون كذلك موقف الحكومة الحالية. وموقف السودان يجب أن يكون فيه توازن تجاه الأطراف المتناوعة في ليبيا التي لا سبيل لحل الصراع فيما بينها عن طريق الحسم العسكري وهذا ما كان يعتقده الجنرال خليفة حفتر وربما تأكد له اليوم أن ذلك غير ممكن.
** في ظل التغيير الحالي الذي جاء بعد سقوط النظام السابق كيف تنظر لمستقبل البلاد وما هو المطلوب من السلطة الانتقالية الحاكمة اليوم حتى يتم ضمان ارساء دولة المؤسسات التي ترعى الحريات والديمقراطية والتداول السلمي للسلطة عوضا عن خطر التفكيك والتجزئة؟
• بالنسبة لنا لا يستطيع أحد أن يزايد على مشاركتنا السابقة فقد أتت عبر اتفاقية دولية شهد عليها العالم أجمع، كما أن هذه الثورة انما جاءت بجهود تراكمية ولم تأت وليدة اللحظة وقالتنا لمدة 9 سنوات بل حتى هناك من هم اعضاء في المؤتمر الوطني الحزب الحاكم السابق من لهم سهم فقد كانوا ينادون بالاصلاح ودفعوا ثمنا نظير موقفهم المعارض لحزبهم. فالذين يدعون حاليا تبني الثورة هم الأقل مساهمة في مجمل الجهود التراكمية. والمشكلة أن أولئك يعملون اآن على اقصاء الناس حتى الشباب الذين ثاروا واعتصموا فهم يمارسون اليوم نفس ممارسات النظام السابق بل ربما أسوأ. وليس ليس هناك خيار أمام السودانيين إلا أن يجلسوا جميعا بدون اقصاء ليجنبوا البلاد مصير التفكيك والتجزئة مغ عدم اغفال محسابة ومقاضاة كل من ارتكبأ خطأً يقتضي المحاسبة وفق قضاء نزيه ومستقل بعيدا عن الانتقام والكيد السياسي.