الاعمدةرأي

ذهب الذين تحبهم… كيف يا قلب تستوعب هذا؟

على فكرة

كمال علي

ذهب الذين تحبهم… كيف يا قلب تستوعب هذا؟

نقاد الموت، يختار الأنقياء والأتقياء وعنده أصفياء يودهم ويودونه، وفي الحالتين الدنيا دار بقاء ودار فناء، والإثنان متتابعان حذو النعل بالنعل ولا فرار ولا ملاذ وإن كنا في غفلة أو في صروح مشيدة يدركنا لا محالة ولا فرار ولا انفكاك ولا جبل يعصمنا من الرحيل أو المغادرة.
أرجو ألا يتبادر إلى الذهن أني أنوي رثاء ونعي الحبيب (مدثر) فنحن بالرثاء منه أجدر ولا وقت للدموع والنحيب، فقد أزفت الآزفة وذهب الذين نحبهم ونودهم ونود أن نبقى في ظلهم الوريف أبد الآبدين.
كيف نرثي حبيبنا (مدثر علي محمد الأمين) وهو يجثم على حنايا الروح والوجدان حبا وكرامة وشهامة ونبلاً شهدت الدنيا بألقه وعنفوانه وتناغمه مع طبيعة الحياة والأشياء.؟
أنا أعتصم الآن بقدرة واحد أحد يمنح الحياة والممات والصبر والسلوان.. لا أنشد تعزية أو سلوان فاحتشاد روحي بمشهده يحيا، يحييني ويقويني ويمنحني المزيد من القدرة على أن أكون في المستوى اللائق بالصبر والسلوان وتقبل الصدمة والصفعة وخنجر الفجيعة يعربد بين الحنايا والدواخل ويسافر فينا ليل نهار من جراء الفقد الفاجع والرحيل المر المباغت لأعزاء وأحباء استوطنوا دواخل الروح ومعابرها ولهم أماكن فسيحة في القلب.
إن كان في العمر بقية فلا يزال هناك متسع في مساحات الأفراح والأتراح.. ولا تزال جنبات الروح تنبض بمر الذكريات وحلوها ولا يزال التسليم والرضا بقضاء الله وقدره هو المسيطر على الوجدان رغم رهق وعنت الغياب القسري ورغم الفجيعة والمصيبة ويبقى أبدا التسليم بأن لا دائم إلا وجه الله.. له البقاء وحده ولنا التسليم بقضائه وقدره بأن لكل أجل كتاب.. سبحانه وتعالى له ما أعطى وله ما أخذ.
حبيبنا مدثر وأنت الآن في مقعد صدق توفى أجرك مع الصالحين بإذن واحد أحد لا أملك إلا طلب الرحمة والمغفرة والثواب والنجاة من العذاب.. وأنت الأغلى والأجمل والأرق والأمثل ونحن دون حد البكاء والحزن والنحيب والرثاء فعلى مثلك تنوح النائحات وتبكي الباكيات ولا نقول إلا ما يرضي الله.. إنا لله وإنا إليه راجعون.
يا حليلك (تشي) الجميل الراقي احساسك وستبقى أبد الآبدين جميلا وسيد الذكرى ويبقى بيني وبينك وأرملتك وذريتك الصالحة كل ما تبادلنا من المودات والمعزات وجينات تحنان حملناها من والدينا أغلى تذكار ودعوات حتى الملتقى الذي أحس أنه بات وشيكا وأبشرك بأنني أول المرافقين لرحلتك السرمدية نحو مقعد صدق عند ذاك المليك المقتدر فَمثلك حبيبي تهفو الروح إلى اللحاق به.
صدقني يا أيها المدثر أن رحيلك فعل فينا الأفاعيل رغم التسليم بقضاء الله وقدره وأن لكل أجل كتاب. وأنت كتاب المبتديء والخبر والمنتهى.
الدوام لله حبيبي وأعزيك فيك وفيني وفي الحياة التي لا تساوي بعدك شيئا، فبعد رحيلك ترحل الأفراح والمسرات والبهجات وتغلق الحياة أبواب كل شيء جميل ومبهج وتبقى آية الدنيا من بعدك تكون وأبقى آية أنا بعدك أكون.. ما في احتمالي وبالي منك.. عارفني منك.
مدثر، أنا لا أتعب من الكتابة عنك، ويا (ريتني لو اقدر اقول فيك الكلام الما انكتب).. (بس خفت عليك وتعبك بتعبني ورهقك برهقني وغيابك المر المباغت بهدلني.)
(الواجعني) رحيلك في (الفجرية) بلا أمتعة أو لحاف.. ولم تترك كليمة وداع للأهل والأسرة التي تجاهد الحنين.. و(الواجعني اكتر) تموت قبلي وأنا أكبر منك.. (ياخ ماهي بالدور انت مالك مستعجل.. يعني انت بتحب امك وابوك واخوانك صلاح والفاتح اكتر مني وتجري قدامي وترحل وتغيب ياخ بالغت.. عافي ليك بس أوصيك احجز لي معاك جنب امي وابوي والفاتح وصلاح.)
ساهرت بيك يا تشي. ما تنسى أحجز لي. بكرة بجيكم بإذن واحد أحد.
سلم عليهم وبسلموا عليك الهنا.
أحبك مدثر حد الرمق.
إنا لله وإنا إليه راجعون.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية