رأي

بعد ومسافة

آراء متباينة حول اقتصاديات الصحف
مصطفى أبو العزائم
بدا لي أن ما قدمناه من معلومات وآراء وتحليل لواقع الصحافة السودانية الحالي، قد آثار العديد من ردود الأفعال، بين بعض الناشرين وبين كثير من أساتذة الصحافة والإعلام، وعدد من زملائنا المهتمين بالأمر داخل وخارج السودان.
تلك المعلومات والآراء وتحليل الواقع الصحفي الآن كانت جميعها مضمنة في ورقة بعنوان (اقتصاديات الصحف) تم تقديمها ضمن ورشة عمل عن دور الصحافة في تعزيز الحوار الوطني، نظمها المجلس القومي للصحافة والمطبوعات بالتعاون مع المركز السوداني للخدمات الصحفية يوم الأربعاء الماضي  في مفتتح أيام هذا الشهر بمقر المركز السوداني للخدمات الصحفية بالخرطوم.
خلصنا في تلك الورقة أن مشكلة الصحافة السودانية الآن في علتين أساسيتين، العلة الأولى هي الأزمات والنزاعات التي تعيشها بلادنا في بعض أطرافها وهو ما ينقص من القدر المطلوب من الحرية لتؤدي الصحافة دورها، وتقوم بواجبها في الرقابة والمتابعة وحماية الدولة والمجتمع، وهو ما يستدعي السلطات في كثير من الأحيان إلى التدخل إما بغرض الرقابة القبلية أو البعدية، ومن ثم فرض الجزاءات والعقوبات التي يتضرر منها كل العاملين في الصحيفة موضوع الجزاء.
أما العلة الثانية فهي الأوضاع الاقتصادية السيئة التي تعاني فيها العملة الوطنية من انخفاض قيمتها أمام العملات الأجنبية، بما يؤدي إلى ارتفاع أسعار قيمة الورق وكل مدخلات الطباعة المستوردة من الخارج، وتقف الحكومة موقف المتفرج دون أن تتدخل بإعفاء مدخلات هذه الصناعة المكلفة من الجمارك وبقية الرسوم، وهو ما ينعكس سلباً على تكلفة إنتاج الصحف، بحيث يصبح سعر النسخة من الصحيفة أعلى بكثير مما يتمناه قارئ الصحف، بل يفوق قدراته المادية في بعض الأحيان، فيلجأ باعة الصحف الراجلين (السريحة) إلى بدعة إيجار الصحف، وفي هذا ضرر كبير على الصحافة ومؤسسات النشر وعلى واقع المهنة.
هناك مشكلة ثالثة تتمثل في ضعف المؤسسات الصحفية، حيث لم تشهد بلادنا، ومنذ بداية العمل الصحفي بدايات القرن الماضي، لم تشهد قيام ما يمكن أن نسميه مؤسسة صحفية بالمعنى الحقيقي لكلمة مؤسسة، إذ أن الصحف منذ نشأتها كانت إما صحافة خاصة أو حزبية، وهو ما أضعف هذه الصحف أو الشركات التي تصدر عنها تلك الصحف، لأن المؤسسة الصحفية تحتاج إلى رؤوس أموال ضخمة للدخول في مرحلة صناعة الصحافة لا تحرير الصحف أو أمر إصدارها فقط، لذلك كانت تبرز على الدوام مشكلة تمويل المؤسسات الصحفية في جوانب تغطية تكاليف الإنتاج من نفقات خاصة بالتحرير أو تكاليف الطباعة في مختلف مراحلها، وجلب المطابع الحديثة وتأسيس وحدات التوزيع، والعمل على إيجاد أذرع استثمارية أخرى لدعم تطوير الصحافة.
عملت في عالم الصحافة لأكثر من ثلاثة عقود ونصف وأستطيع القول بأن بلادنا لم تشهد قيام مؤسسات صحية كبرى إلا خلال فترة الحكم المايوي الذي أنشأ تلك المؤسسات عقب التأميم، رغم أن غيب الحرية إصدار الصحف وحرية الصحافة، وجعل تبعيتها للتنظيم الحاكم – وقتها – الاتحاد الاشتراكي السوداني، وعقب زوال النظام المايوي في (6) أبريل 1985م، وبعد أن قرر المجلس العسكري الأعلى بعد عدة أشهر إعادة أسماء الصحف المؤممة لأصحابها (الصحافة والأيام) زالت تلك المؤسسات وأصبحت أثراً بعد عين.
والشهادة لله أن النظام المايوي ما كان يشترط الولاء السياسي لتخديم الصحفيين، بل كان يشترط الجدارة والكفاءة والمهنية، لذلك تجد أن أنجح الصحفيين كانوا من أبناء تلك الفترة، ونجد أن الدار الصحفية كانت تضم كل ألوان الطيف السياسي من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.
في سرادق عزاء حرم المستر “علاء الدين يس” بالخرطوم بحري قبل أيام، نوقش هذا الأمر، ونوقش أيضاً ما طالبت به في الورقة بخصوص الناشرين الذين لا علاقة لهم بالمهنة ومطالبتي بأن يكون (50%) من أسهم شركة إصدار الصحف للصحفيين لأن كثيراً من مشاكل الصحف يكون السبب الرئيسي فيها هم الناشرون من غير أبناء المهنة، لكن صديقنا الأستاذ “سعد العمدة” الناشر المعروف ورئيس مجلس إدارة (الإنتباهة) رأى غير ذلك وقال إن مشكلة الصحف في ناشريها من الصحفيين لأنهم لا يمتلكون المال الكافي للتمويل والاستمرار في تحمل النفقات حتى تصل الصحيفة إلى مرحلة الانطلاق الكبرى.
زميلنا الدكتور عصام محجوب الماحي” وصل إليه ما دار من جدل وما أثارته الورقة، وهو مقيم منذ سنوات في إحدى الدول الأوروبية، فطالبني بأن أمده بنسخة منها. واختلفت الآراء وتنوعت لكن الاتفاق كان على أن هناك مشكلة!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية