زي المرأة السودانية.. مُكرِ من (الرحط).. (ولا مُفرِ) إلى الحجاب!!
يتميز زي المرأة السودانية نسبياً عن أزياء النساء في بقية دول العالم، لكنه في ذات الوقت لا زالت المرأة السودانية تواكب مستجدات الموضة وما يطرأ من تحديث وتطور في الأزياء في كل دول العالم، فالمرأة السودانية متمسكة بتراثها وتقاليدها، وفي ذات الوقت لا تمضي عكس عقارب التطور، ولا تدور في الاتجاه المعاكس لعجلات الحداثة والموضة.
وحول تطور زي المرأة السودانية وقدرتها على المواكبة مع الحفاظ على تراثها، استطلعت (المجهر) عبر هذا التقرير عدداً من النساء عن كيفية اختيارهن لأزيائهن بين التقليدي والموضة.
الحزن رمادي وأسود
وكانت (ماما عائشة)، مقدمة (سابقة) لبرنامج الأطفال بالتلفزيون القومي، قالت في حديث سابق لـ(المجهر) إن اختيار الخطوط والألوان لزي المرأة يكون حسب طولها ووزنها ولونها، وأضافت: مثلاً اللونان الرمادي والأسود يناسبان (بيوت الأحزان) وكذلك اللون الأبيض، أما الخطوط الطولية فتتسق مع المرأة القصيرة حتى تبدو أكثر طولاً، ومضت قائلة: الآن تطورت المرأة السودانية كثيراً في أسلوب اختيارها لما يناسبها من الموضة، وصارت لديها خبرة في تنسيق الألوان أكثر مما كانت عليه في السابق.
كل لون من بلد
من جهتها اعتبرت “مها” طالبة جامعية أن المرأة السودانية تطورت كثيراً في اختيارها للألوان ومواكبتها للموضة، بينما كانت في الماضي تختار زيها بطريقة عشوائية (كل لون من بلد) – حسب تعبيرها، واستطردت: المرأة السودانية تتخذ أزياءها بحسب ثقافتها وبيئتها، فنجد المرأة في غرب السودان ترتدي زياً مميزاً وخاصة الأزياء الشعبية التي تميزها عن نظيراتها مثلاً الزي الذي ترتديه في (رقصة المردوم)، كما نجد أن نساء شرق السودان يتميزن بزي شعبي زاهٍ عالمياً ومحلياً.
وعضدَّت “سحر” وجهة نظر زميلتها “مها” بقولها إن المرأة السودانية تطورت بزيها من حيث خطوط الموضة، فأصبحت لا تضاهى رغم عدم تخليها عن زيها (الخاص) سيما في مناسبات الزواج (الجرتق).
(الرحط) يتدلى من الخصر
وفي السياق نقرأ للأستاذة “تيسير عبد القادر سالم” في بحثها (تصميمات المنسوجات من الصناعات اليدوية بكردفان)، أن من أهم الإشارات المتناثرة في الكتب عن أزياء النساء في السودان ما كتبه “بركهاردت” في عام 1829م عند زيارته (بربر) و(شندي) عام 1813م، فقد لاحظ أن صغيرات السن كن يلبسن زياً يسمى (الرحط)، يتدلى من منطقة (الخصر) وحتى منتصف الفخذين، أما نساء الطبقات العليا، فكن يلبسن غطاءً أحمر بخطوط بيضاء فوق (التنورة)، وهذا يعني في تلك الحقبة أن النساء عامة كن يلبسن (التنورة) فقط، وتمضي “تيسير” قائلة: وهذا ما أكد عليه “نعوم شقير” بقوله إن من بين بنات (عرب السودان) الصغيرات من كن يلبسن (الرحط)، وهو عبارة عن سير من جلد يعقد حول الخصر وتتدلى منه (قدد) دقيقة إلى ما فوق الركبتين، وبعضهن كن يلبس فوقه (شقة) من الدمور أو تبقى عارية لا يسترها إلا (الرحط) إلى أن تتزوج، فتخلعه وتلبس (القرقاب) الموشى بحواشٍ من الحرير تعرف بـ(القرن)، وفوقها ثوب من الدمور أو الدبلان أو الشاش حتى لا يظهر منها إلا عيناها.
(البلامة).. ثوب المرأة في المهدية
وتكشف “تيسير” من خلال بحثها عن الأزياء في المهدية، أن الإمام “المهدي” أصدر أمراً للنساء بتغطية وجوههن خارج المنزل، ومنذ ذلك الوقت بدأ انتشار ما يسمى (البلامة) بين نساء الحضر، وهي استخدام جزء من الثوب لتغطية الوجه ما عدا العينين، واستمر غطاء الوجه حتى فترة الاستعمار وكان منتشراً في الخرطوم، وقد كانت ترتديه طالبات مدرسة الاتحاد عام 1911م مع (تنورة) طويلة وبلوزة بأكمام طويلة من فوقها (جاكيت) مثل لون (التنورة)، وغطاء للشعر يتدلى على الظهر، وغطاء للوجه يشبه الخمار الذي ترتديه بعض النساء في الدول العربية.
* زي المرأة في فترة الاستعمار
هذا وقد تأثرت أزياء المرأة السودانية خاصة الطالبات والعاملات في المجالات الصحية بالأزياء الأوروبية عموماً، وبحسب “تيسير” فإن استعمال (القرقاب) والفوطة بين النساء المتعلمات انحسر نسبياً في هذه الحقبة، لصالح الفستان الذي كان يرتدى تحت الثوب، خاصة وسط نساء التجار وزوجات الموظفين اللاتي يخالطن الأجانب، وقد ساعد في ذلك وجود الأقمشة المستوردة في الأسواق، وكانت أغلبية المجموعات الفقيرة تلبس ما يُسمى بثوب (الزراق)، وهو من قماش مصري رخيص الثمن، كما انتشر أيضاً استعمال (البنغالي) وهو ثوب مصنع محلياً، إلى جانب أزياء المناسبات التي كانت ترتديها النساء لفترات طويلة في حالة الوفاة مثل (فردة الحداد القنجة الخشنة).
صراع الموضة والزي الإسلامي
في ستينيات القرن الماضي، تزايد اهتمام النساء بالموضة حتى أنهن كن يطلقن على بعضها أسماء معينة مثل ثوب (أسبوع المرأة) و(الأمير) وما إلى ذلك، وكان هذا النوع من الموضات منتشراً بين نساء الطبقات الميسورة في الخرطوم التي تختلف نسبياً عن أزياء النساء من الطبقات الفقيرة والمتوسطة في الخامة المصنعة والألوان، لكن مع تغير الأحوال الاقتصادية بالنسبة للطبقات الفقيرة إلى الأفضل، انحسرت مكانة ثوب (الزراق) بين هذه الطبقات.
ومع ازدياد نشاط المجموعات الإسلامية نهاية السبعينيات، ظهرت الجمعيات النسوية والشبابية ذات التوجه الإسلامي التي عكفت على تنظم سمنارات وورش عمل ومعارض تروج للزي الإسلامي (الحجاب)، ونتج عن ذلك ظهور جيل من المحجبات المنضويات في هذه الجمعيات وغيرها، وبالرغم من تباين الثقافات في السودان واختلاف المناطق والتطور والتغيير الذي صاحب الأزياء النسائية في المدن الكبيرة والعاصمة بتأثير الغزو الثقافي، إلا أن الغالبية العظمى من النساء ظللن يحرصن على ارتداء الثوب السوداني في المناسبات الخاصة مثل مناسبات الزواج، ونجد العروسة تقوم بارتداء الثوب في ليلة زفافها ويكون غالباً ثوباً أحمر، كما ترتدي العروس الثوب في (الحنة) خلاف المناسبات الرسمية، إذ أصبح الثوب يميز المرأة السودانية في كل العالم.