سباق القاهرة أديس تجاه الخرطوم.. قضايا السد تغلف بالبزة العسكرية
الخرطوم ــ الطيب محمد خير
شهد الأسبوع الماضي ماراثوناً إثيوبياً مصرياً بشكل لافت تجاه الخرطوم، بزيارات متتالية مفاجئة متسارعة الخطى، حيث شهدت الخرطوم زيارات لكل من وزير الري، ورئيس المخابرات المصريين التي أحيطت بجدار سميك من التكتم ومنع تسريب أي معلومات عن ما دار فيها، أعقبتها في اليوم التالي مباشرة زيارة وفد عسكري إثيوبي يقوده رئيس هيئة الأركان الجنرال “آدم محمد”.
يمكن لهذه الزيارات العسكرية الإثيوبية المصرية المفاجئة أن تكون أمراً طبيعياً في الظروف العادية، لكن الظروف الاستثنائية كالتي تمر بها المنطقة حالياً تفسح المجال لتتعدد قراءاتها بأكثر من وجه، منها ما هو في إطار بحث هدنة بين الطرفين، ويمكن أن يكون مبرراً وعقلانياً قراءتها في إطار التصعيد الذي تشهده مفاوضات سد النهضة المتعثرة، ولاسيما هناك، وفي ذات الوقت لا يمكن قراءات وصول هذا الوفود العسكرية الرفيعة للخرطوم وفهمها في سياق حالة التوتر التي تشهدها المنطقة بسبب سد النهضة سوى أن ثمة مخاوف تنتاب الأطراف كافة من حدوث مواجهة محتملة في المنطقة، مما يعني أن ثمة استقطاب للسودان في إطار تعاون عسكري حال ترجيح فرضيات القراءة .
تباين
مشهد التباين في المواقف بين المكونين العسكري والمدني قد بدا واضحاً منذ الأزمة التي أعقبت سقوط النظام، بحسب محللين يرون أن الجانب المدني من وقتها أكثر قرباً وميولاً للجانب الإثيوبي الذي لعب دوراً محورياً ورئيسياً في إنهاء تلك الأزمة، وقبوله برؤية الحل الذي طرحه الوسيط الإثيوبي، خاصة وثيقة الحلول التي سارع المكون العسكري بالاعتراض عليها، ذلك الموقف الذي امتدحه رئيس الوفد المصري، مسؤول ملف السودان في الرئاسة المصرية اللواء “خالد صلاح” في لقاء عقده مع القيادات السياسية والأهلية لشرق السودان ــ كانت (المجهر) قد رصدته حضوراً ــ حيث أثنى اللواء “خالد” على رفض المجلس وقتها واعتراضه على المبادرة الإثيوبية، مشيراً إلى أن مصر فضلت المساهمة بجمع الفرقاء وقتها في ذلك الاجتماع الذي أعدت له في العاصمة الألمانية برلين، لكنه فشل بعد رفض الجانب المدني الاستجابة للدعوة للمشاركة فيه، كل هذا يعزز فرضية ما ذهب إليه المحللون والمراقبون بأن الجانب المدني أكثر قرباً لإثيوبيا، بينما يميل الجانب العسكري للطرف المصري.
تصعيد
وقال مصدر أمني لـ(المجهر) ــ فضل حجب اسمه ــ إن ثمة حالة من التصعيد شهدتها العلاقات بين السودان وإثيوبيا، وبلغت ذروتها الأسبوع الماضي، ولاسيما بعد التحذيرات والاتهامات التي وجهها زعماء محليون بولاية القضارف لإثيوبيا في المناطق الحدودية المتاخمة لها، على خلفية تزايد هجمات عصابات (الشفتة) على القرى والأهالي في تلك المناطق، التي يرون أن عصابات (الشفتة) ما هي إلا فصيل من القوات الإثيوبية، وطالبوا الحكومة بحمايتهم، وتجاوبت القوات السودانية للتصدي لها بإعادة انتشارها على الحدود مع إثيوبيا، للمرة الأولى منذ أكثر من ربع قرن.
زيارة للحدود
وأضاف المصدر الأمني: (وعلى غير عادة رئيس مجلس السيادة، القائد العام للجيش السوداني الفريق أول “عبد الفتاح البرهان” في إدارة المسألة الحدودية مع إثيوبيا منذ توليه بنوع من اللطف واللين، لكن خلال زيارته للمناطق الحدودية المتاخمة لدولة بولاية القضارف، برفقة رئيس هيئة أركان الجيش، الفريق أول “محمد عثمان الحسين”، ومدير هيئة الاستخبارات الفريق “جمال عبد الحميد”، ونخبة من قيادات الجيش، بالقيادات العسكرية الموجودة في المنطقة، وتلقى منهم تقارير عن الأوضاع الأمنية، بعد أن شهدت المنطقة هجمات عصابات (الشفتة) التي يتهمها الأهالي بأنها جزء من القوات الإثيوبية، متخفية في ثياب مدنية، أرسل “البرهان” رسالة فيها نوع من التهديد المبطن باتجاه الجارة إثيوبيا بأن القوات المسلحة السودانية قادرة على حماية الحدود والمواطنين من المساس والتعدي على الأراضي السودانية، وعلى عكس رغبات الخرطوم في التهديد والتصعيد، جاء رد إثيوبيا بإرسال من حمل رسائل إيجابية إلى الخرطوم حتى يقرأ سلوكها السياسي بأنها أصبحت مثيرة للجدل في المنطقة، لذلك واضح أنها سارعت لاحتواء بوادر التوتر التي ظهرت بين البلدين، حيث عقد الوفد العسكري الإثيوبي برئاسة رئيس هيئة الأركان لقاءات مع “البرهان”، ورئيس الوزراء “حمدوك” وعدد من المسؤولين الأمنيين، وكانت الرسائل واضحة وصريحة بأن إثيوبيا لا تريد أن تتصاعد التوترات في الحدود على وقع تصاعد أزمات مفاوضات سد النهضة) .
سباق محموم
لخص الناطق الرسمي للقوات المسلحة السابق، الفريق “محمد بشير سليمان” رؤيته للزيارات المفاجئة للوفدين المصري والإثيوبي بأنها سباق محموم تحركه مياه النيل وعملية ملء سد النهضة الذي ترى مصر أن المساس بمياه النيل مساس بأمنها القومي وتهديد مباشر لها، بينما ترى إثيوبيا أحقيتها في التمتع بالمياه الموجودة في أراضيها كدولة منبع، وبالتالي هذا الجدل يؤهل السودان كدولة معبر أن يلعب دور الوسيط وحلقة الوصل، وهذا واضح في رفض السودان مشروع دعم الموقف المصري الذي طرحته الجامعة العربية مؤخراً.
صراع
وأشار الفريق “محمد” الى أن تدخل القوات الإثيوبية في السودان جعل مصر تتوقع وجود سانحة لها لتجد موطئ قدم لها في الداخل السوداني يجعلها قريبة من الحدود الإثيوبية السودانية بجوار سد النهضة، مبيناً أن هذا هو السبب الرئيسي الذي جعل إثيوبيا تعجل بالدفع بوفد عسكري رفيع للسودان عقب زيارة الوفد المصري، وعموماً دون الدخول في التفاصيل كلتا الزيارتين المفاجئتين تندرجان في الصراع الدائر بين الدولتين الجارتين في الداخل السوداني، والتسابق لكسب ود السودان في إطار حرب المياه، وهنا على السلطة الانتقالية أن تستقل هذا الصراع لتقوية موقف السودان في طاولة التفاوض، وتحقيق مكاسب للسودان والحفاظ على نصيبه .
بعيداً عن القوة
وأضاف الفريق “محمد بشير”: (لكن الزيارة المتزامنة للوفدين المصري والإثيوبي تجعل السؤال مشروعاً عن التقاطعات في العلاقات الخارجية للمكونين الحكوميين المدني والعسكري، مشيراً إلى أن العلاقات الخارجية للسلطة الانتقالية الآن موزعة بين عدة محاور إقليمية ودولية، وهذا سبب فشلها في الإمساك ومعالجة كثير من الملفات).
واستبعد الفريق “محمد بشير” لـ(المجهر) احتمال لجوء مصر لاستخدام القوة العسكرية لحسم قضية سد النهضة، مضيفاً: (إذا أخذنا في الاعتبار أهمية مصر وإثيوبيا الإستراتيجية بالنسبة للأمريكان في المنطقة تجعل فرضية نشوب صراع مسلح بينهما بعيدة تماماً، بما يجعل عودتهما لطاولة التفاوض بعد جائحة (كورونا) وتصفية جميع الخلافات واردة بصورة أكبر) .